بعد قيام ثورة 1952 حاول جمال عبدالناصر أن ينظم البيت من الداخل. استبدل بشعار: الاتحاد. النظام. العمل. الذي رفعته الثورة في أول أيامها شعار التعاون. وألقي - فيما أذكر - خطبة طويلة بجامعة القاهرة. ركزت علي التعاون باعتباره الأسلوب العلمي لإعادة ترتيب البيت. وأعلن عن بدء تجربة الوحدات المجمعة التي تضم كل واحدة عيادة الطب البشري. وأخري للطب البيطري. وقاعة لخدمة المزارعين. إلي جانب مدرسة في كل بضع قري. هجوم إسرائيل علي الحدود في تلك الفترة. نبه المصريين إلي أن أمنهم القومي يجب أن يسبق ما عداه من خطوات. شارك عبدالناصر بفعالية في مؤتمر باندونج. وعقد صفقة الأسلحة الروسية. المسماة بالتشيكية. وأعاد النظر إلي طبيعة العدو علي الحدود. وإلي العمق الاستراتيجي للبلاد. وحرصت مصر علي تأكيد هويتها العربية. وعلي تقوية العلاقات مع دول افريقيا التي كانت - في معظمها - حديثة عهد بالاستقلال. إلي جانب اكتساب وضع دولي متميز. الوضع - لأسباب يطول شرحها - يختلف الآن تماماً. كلما وجدت إسرائيل في أخطائنا الكثيرة ما يتيح لها التغلغل في دول القارة. أنشأت علاقات دبلوماسية. وتدفق علي دول القارة مستثمرون إسرائيليون. وشركات متعددة الجنسيات. وعقدت اتفاقات سياسية وأمنية وعسكرية. وصارت للسلاح الإسرائيلي أولوية مطلقة. وملأت المنتجات الإسرائيلية أسواق القارة. وسيرت شركات الطيران الإسرائيلية رحلات منتظمة بين مطار اللد والمطارات الافريقية. واتخذت البوارج والسفن الإسرائيلية من موانيء افريقيا مرافيء لها. وانتشر الخبراء الإسرائيليون في المؤسسات الافريقية. بل إن اللغة العبرية لم تعد غريبة عن المؤتمرات التي تعقدها دول افريقيا. والأخطر هو ما يحرص الكيان الصهيوني علي إقامته من سدود ومشروعات مائية في منابع النيل. بما يعنيه من أخطار علي الأمن المائي لمصر. يعلن الإسرائيليون اعتزازهم بانتهاء الزمن الذي كان يتحرك فيه العرب بين دول القارة. باعتبارها حديقتهم الخاصة. وإغلاق أبوابها أمام السياسة الإسرائيلية. إلي حد قطع العلاقات بين الكيان الصهيوني وبين دول القارة في أعقاب حرب .1967 لا أبكي علي اللبن المسكوب. وإنما أذكر بالمثل القائل إن ما لا يدرك كله لا يترك كله. أهملنا البعد الافريقي أكثر من ثلاثة عقود. بحيث أصبحت العودة إلي القارة ضرورة يفرضها أمننا القومي.