أكد خبراء سياسيون عرب ومصريون أن ثورة 1952 نجحت بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر في تغيير وجه الحياة على امتداد العالم الثالث كله، وقالوا: إن ثورة يوليو دعمت جميع حركات التحرر في العالم العربي وأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، سياسيا وماديا وعسكريا، وإن عبد الناصر كان رمزا عالميا لحرية الشعوب والثورة عل الاستعمار، واستمد منه الثوار دفقات ثورية هائلة ساعدتهم على الصمود والنجاح. وقال د. أحمد يوسف القرعي مدير تحرير مجلة السياسة الدولية: إن ثورة يوليو محطة رئيسية في حياة الشعب المصري، تعبر بصدق عن حضارته وتطلعاته الدائمة لحياة أفضل، وعندما قامت الثورة كان هناك نظام دولي يقوم على الحرب الباردة، فحرصت الثورة على الإسهام في تصحيح مسار النظام الدولي الذي انبثق عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وأكد أن ثورة يوليو شعرت بأهمية مساندة حركات التحرر في العالم الثالث اتساقا مع مبادئها، باعتبار أن الحرية لا تتجزأ، فأقرت حق تقرير المصير للشعب السوداني الذي كان خاضعا للحكم المصري حتى عام 1953، كما ساندت حركات التحرر في القارات الثلاث، أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، واستضافت ثوار أفريقيا وقدمت لهم جميع أشكال الدعم والمساندة. التحرر العالمي وأوضح حلمي شعراوي مدير مركز الدراسات العربية والأفريقية بالقاهرة أن انطلاق فكرة التحرير الأفريقية بدأت من القاهرة في منتصف الخمسينيات، وأن ثورة يوليو اعتبرت علاقة مصر بأفريقيا جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وعندما نذكر ثورة يوليو وأفريقيا، نتذكر دائما فكرة الدوائر التي عبر عنها جمال عبد الناصر في كتابه «فلسفة الثورة» وهي الدائرة العربية الأفريقية والدائرة الإسلامية. وأضاف : إن العالم بعد الحرب العالمية الثانية وبالتحديد عام 1952 كان يعيش في إطار منظومة من القوي الاستعمارية التي انتصرت في الحرب، واستقرت لها مناطق النفوذ، واكتفت بتقديم الوعود الزائفة، بمنح الاستقلال للدول التي تحتلها إلا أن إدارة مصالح هذه القوى الاستعمارية لم تسمح للشعوب بالحصول على أي شيء. وأكد الشعراوي أن مؤتمر باندونج 1955 كان نقطة تحول في صياغة علاقات مصر مع حركات التحرر في العالم، فقد تعرفت مصر في هذا المؤتمر على وضعها العربي والأفريقي والآسيوي، وبرزت شخصية عبد الناصر بشكل عالمي، كما أقامت علاقات اخترقت حدود الدائرة الاستعمارية، وعاد عبد الناصر من باندونج ليقيم نظام تعدد مصادر التسليح، والحصول على أسلحة من شرق أوروبا، ومن باندونج أيضا بدأت فكرة تطوير مؤتمر الشعوب الأفريقية والآسيوية، وبدأت الفكرة العربية تقوى، فاستضافت القاهرة في ديسمبر 1957 مؤتمر الشعوب الأفريقية والآسيوية الذي كان له صدى عالمي ضخم. وأوضح أن ما جذب أفريقيا إلى مصر الناصرية هو إقرار ثورة يوليو حق تقرير المصير للسودان، وتأميم قناة السويس والمبادئ الإنسانية التحررية التي جسدها قرار التأميم، وبخاصة مبدأ حق الشعوب في السيطرة على ثرواتها الأساسية، وبروز اسم جمال عبد الناصر كرمز وقائد عالمي لحركة تحرر الشعوب، فقد وقفت ثورة يوليو بكل القوة مع ثورة الماوماو في كينيا، وساندت ودعمت بكل القوة زعيمها جومو كينياتا، ثم دعمت الكونغو حين أرسلت قوات مصرية إليها، إضافة إلى موقفها المعادي والمناهض للنظام العنصري في جنوب أفريقيا، كما كان لمصر دور أساسي في دعم المؤتمر الوطني الأفريقي بزعامة نيلسون مانديلا، الذي مازال حتى هذه اللحظة يشيد بدور مصر وجمال عبدالناصر في تحرير جنوب أفريقيا من نظام الفصل العنصري، كما أقامت الثورة تحالفات مع الدول الأفريقية المستقلة آنذاك مثل غينيا وغانا ومالي، وقامت بتكوين كتلة الدارالبيضاء في إطار دعم لومومبا في الكونغو، التي كانت الدول الاستعمارية قد قررت عدم السماح باستقلالها، بسبب ثرواتها الضخمة من الماس، وهي الثروات التي جعلت المعركة حول الكونغو مستمرة منذ عام 1960 حتى اللحظة الراهنة. وأوضح شعراوي أن منظمة الوحدة الأفريقية انبثقت عن كتلة الدارالبيضاء ؛ وكان أهم مؤسساتها لجنة تحرير المستعمرات، التي اكسبت فكرة دعم المستعمرات عسكريا شرعية دولية، بعد أن كان هذا الدعم يعتبر خروجا عن الشرعية الدولية، وأن عملية التحرير الوطني التي كانت رائجة في الخمسينيات والستينيات تحولت الآن إلى شكل آخر من أشكال التحرير، يقوم على التحرر الاقتصادي والسياسي في إطار نظام معولم. حكمة عبد الناصر وقال السفير أحمد حجاج رئيس الجمعية الأفريقية بالقاهرة: إن ما يؤكد دور مصر في حركة التحرر الأفريقية ما قاله الزعيم الأفريقي نكروما من أنه بعد معركة السويس 1956 بدأنا نتحرك لتحرير أفريقيا بمساندة ودعم كبيرين من جانب مصر عبد الناصر. وأشار إلى أن قيام كتلة الدارالبيضاء التي كانت أول اتحاد أفريقي يعطي أفريقيا مفهوم القارة السياسية، والتي توحدت فيها مجموعة من دول الشمال الأفريقي ودول جنوب الصحراء، لتشكل تكتلا قوميا يناهض الاستعمار، ويعمل على تفادي الآثار السلبية للحرب الباردة التي كانت مستعرة آنذاك بين المعسكرين الشرقي والغربي، جعل الاستعمار الغربي يحاول إقامة كتلة من الدول المرتبطة به سميت كتلة «مونروفيا» إلا أن مصر بزعامة عبد الناصر نجحت في إجهاض هذه المحاولة، حيث أمكنها إقناع هذه الدول بأن من مصلحة أفريقيا ألا تكون هناك تكتلات، وأن تكون لأفريقيا منظمة قارية وحيدة، وبذلك تم إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية التي أجمع كل أعضائها على أن تكون القاهرة مقرا دائما لها، إلا أن عبد الناصر بحكمته أصر على أن يكون مقر المنظمة في دول أفريقية، لترسيخ البعد الثقافي بين دول القارة، كما أصرت مصر على أن ينضم أعضاء المنظمة إلي حركة عدم الانحياز. وأشار حجاج إلي أن أول قمة أفريقية عقدت في يوليو 1964 بالقاهرة وتبعها انعقاد المؤتمر الثاني لرؤساء دول عدم الانحياز.. كما أن الدول الأفريقية كانت تتطلع للقاهرة باعتبارها مركزا للنضال الأفريقي، حيث كانت العديد من الدول الأفريقية ما تزال ترزح تحت وطأة الاحتلال الفرنسي والبريطاني والبرتغالي. وأوضح أنه من الأسباب الرئيسية للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 تأييد ودعم مصر لحركة التحرر في الجزائر والشعوب العربية والأفريقية والآسيوية المتطلعة للتحرر والاستقلال، مشيرا إلى الدور الكبير الذى لعبته الجمعية الأفريقية بالقاهرة في تحرير الشعوب الأفريقية، والتي أنشأتها مصر وخصصتها لإقامة كل زعماء حركات التحرر الأفريقية طوال سنوات نضالهم ضد الاستعمار، الأمر الذي لم ينساه كل الزعماء والرؤساء الأفارقة الذين يصرون على أن تكون زيارة مقر الجمعية ضمن برنامج زيارتهم لمصر، تقديرا منهم لدور مصر في تحرير الدول الأفريقية. وقال: إن منظمة الوحدة الأفريقية عكفت في سنواتها الأولي على تحرير الدول الأفريقية التي كانت ترزح تحت الاحتلال، الأمر الذى أدى إلى زيادة الارتباط بين الدول الأفريقية وقضية فلسطين، خاصة في ظل العلاقة الوثيقة التي كانت قائمة آنذاك بين إسرائيل والنظام العنصري في جنوب أفريقيا، موضحا أن حركات التحرر الأفريقية تلقت دعما كبيرا من لجنة تحرير أفريقيا بدار السلام، وأن مصر كانت أكبر مساهم في هذه اللجنة، سواء في الدعم العسكري أو التدريب أو الدعم المادي والسياسي. وأكد السفير أحمد حجاج الحاجة الماسة لاستعادة روح ثورة يوليو ونهج زعيمها عبد الناصر، واستثماره في دعم مسيرة التعاون العربي الأفريقي، مطالبا القمة العربية القادمة في بيروت بالتركيز على إحياء مسيرة التعاون العربي الأفريقي، التي توقفت بعد مؤتمر القمة العربي الأفريقي الأول الذى انعقد في القاهرة في مارس 1977 لأهمية هذا التعاون للطرفين معا. تغيير العالم الثالث وأكد د. عمرو حمزاوى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن ثورة يوليو نجحت في تغيير وجه الحياة على امتداد العالم الثالث كله، مشيرا إلى أن قدرة الثورة على قراءة الخريطة الدولية التي كانت موجودة آنذاك، والانطلاق من هذه القراءة لرسم معالم حركتها الدولية، إن مصر الثورة تبنت مبدأ تصفية الاستعمار كأول المبادئ الستة التي نجحت في تحقيقها عمليا، وقد انعكس هذا المبدأ على حركة مصر في كل دوائرها، بدءا من دائرتها الداخلية، حينما نجحت في إجلاء القوات البريطانية عن مصر، ثم منحا السودان استقلاله، وعلى الدوائر الخارجية، لعبت مصر دورا رائدا في مساندة ودعم كل حركات التحرر على امتداد الوطن العربي والقارة الأفريقية والعالم الثالث على اتساعه. وأشار إلي أن ثورة يوليو آمنت انطلاقا من فهمها لحركة التغير في الوضع العالمي، بضرورة حركة الشعوب في العالم الثالث، فلعبت دورا رائدا ورئيسيا في إنشاء حركة تضامن الشعوب الأفروآسيوية، التي بدأت من باندونج عام 1955، قبل أن تنطلق حركة عدم الانحياز عام 1961 في بلجراد، وكان ذلك تعبيرا عن إيمان الثورة الناصرية بأن للشعوب دورا مهما في صياغة وتشكيل العلاقات الدولية. وأوضح حمزاوى أن ثورة يوليو ركزت في السنوات الأولي على البعد السياسي، لكنها سرعان ما أدركت بعبقرية فريدة ضرورة إضافة البعد الاقتصادي لحركة التحرر الوطني في العالم الثالث، وطرحت مفهوم التحرر الاقتصادي للعالم الثالث، والاعتماد الجماعي على الذات، وتحسين شروط التبادل التجاري بين الشمال والجنوب كطريق للتحرير ومن هنا كان دور مصر أساسيا ومركزيا في دعم مفهوم التحرر الاقتصادي ولعبت دورا مهما في عقد الدورة الخاصة للأمم المتحدة عام 1964 والتي خصصت للقضايا الاقتصادية. وأكد أن مصر لم تكن تسعي من خلال قيادتها لحركة التحرر العالمي إلى الدخول في صدام مع الغرب موضحا أن مصر والولاياتالمتحدة حاولتا في البداية إقامة علاقات جيدة وكان لكل منها دوافعه فالولاياتالمتحدة كانت قوة ناهضة تسعي لتوسيع مجال حركتها في شتى أنحاء العالم ومصر كانت ترى أن قيادتها لحركة التحرر العالمي لا تقود بالضرورة إلى مواجهة مع أمريكا لكن ما حدث أن هذا الدور القيادي المصري أدي فيما بعد إلي مواجهة رغم عدم رغبة مصر الدخول في مواجهة مع الولاياتالمتحدة فقد دعت مصر الولاياتالمتحدة للاستثمار فيها وطلبت تزويدها بالسلاح الأمريكي لبناء القدرة العسكرية المصرية وأرسلت 3 بعثات على مستوي عال إلي واشنطن لهذا الغرض كما رحبت بالعرض الأمريكي للمساهمة في تمويل إنشاء السد العالي فضلا عن أن مصر عبدالناصر لم تكن تسعي بشكل عام للصدام مع الغرب. وقال: إن الصدام بين مصر عبد الناصر وأمريكا والغرب، وقع لإصرار أمريكا على طرح مشاريع وأفكار تتعلق بالدفاع عن الشرق الأوسط وكان ذلك بالنسبة لمصر مرفوضا؛ فقد رأت أن المشاريع والأفكار الأمريكية حول الدفاع عن الشرق الأوسط هي استبدال للاستعمار التقليدي، فحركة مصر في الخمسينيات والستينيات بها ثوابت ومتغيرات لعبت دورا رئيسيا في رسم سياسة مصر الخارجية حيث كان الثابت الرئيسي هو تمييز مصر بين الدائرة العربية وغيرها من الدوائر؛ فالارتباط بالدوائر الأخري ربما يكون جغرافيا أو ثقافيا لكن الارتباط العربي هو ارتباط انتماء أصيل وارتباط وجود ومصير مشترك لكن في ظل هذا الثابت حدثت متغيرات وتطورات منها أن الدائرة الإسلامية تحولت إلى الاهتمام بالعالم الإسلامي ثقافيا وتعلىميا وظلت الدائرة الأفريقية رئيسية حتى عدوان 1967 ومع ضغوط الصراع العربي الإسرائيلي انخفض الاهتمام بالدائرة الأفريقية والعالم الثلاث قليلا وزاد الاهتمام بالدوائر العالمية لإدراك مصر أن الصراع العربي الإسرائيلي هو الذي يتحكم في دوائر حركة مصر.