في واحدة من لحظات التحول التاريخي الفارقة فاجأ زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان العالم بالدعوة إلي إنهاء الحرب الشرسة التي يخوضها الأكراد في تركيا منذ 30 عاما وبلغت كلفتها نحو 40 ألف قتيل وأكثر من 100 ألف مصاب و400 مليار دولار. جاءت دعوة أوجلان في رسالة وجهها من محبسه الانفرادي الذي يقضي فيه عقوبة السجن مدي الحياة إلي مئات الالاف من السكان في مدينة ديار بكر الكردية جنوب شرقي تركيا أثناء احتفالهم بعيد النوروز أمس الأول وتلاها نائبان من حزبه باللغتين التركية والكردية. وتدعو الرسالة التاريخية الأكراد إلي إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار مع الحكومة التركية والاتجاه إلي الحل السياسي بعد أن أصبحت الأبواب مفتوحة الآن أمام العملية الديمقراطية في البلاد.. وتشير الرسالة إلي أن هذه ليست النهاية وإنما بداية مرحلة جديدة من النضال لنيل الحقوق.. مرحلة يجب أن تتكلم فيها السياسة بدلا من البنادق. علي الجانب الآخر. وجدت دعوة أوجلان ترحيبا حذرا من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان الذي علق بقوله إنه ينتظر أفعالا لا أقوالا.. بينما ذكر خبراء الشئون التركية أن هذا التحول التاريخي جاء بعد مباحثات سلام سرية جرت علي مدار الشهور القليلة الماضية بين المخابرات التركية وأوجلان بعد أن أدرك الطرفان أن الحرب لم تعد خيارا. والآن.. ماذا يخصنا نحن في هذه القصة.. وما الذي يمكن أن نخرج به من درس عبدالله أوجلان؟! نحن أمام واحدة من أخطر الحروب الأهلية وهي تضع أوزارها.. ويتجه قائد المعارضة المسلحة إلي العمل السياسي اقتناعا بالمناخ الديمقراطي وبأن الحرب لم تعد خياراً.. ولقد كان الرجل واضحا في رسالته بأنه لن يتخلي عن قضيته وإنما فقط سيغير الوسيلة.. السياسة بدلا من السلاح. اختار أوجلان أن يسير مع حركة التاريخ وتطور العقل الإنساني الذي صار ينفر من الحروب الأهلية والصراعات العرقية ويفضل عليها التنافس السياسي في إطار الدولة الوطنية المدنية الحديثة.. وقد ساعده علي ذلك الاتجاه نظام رشيد يقوده أردوغان الذي قاد حكومة ناجحة سياسيا واقتصاديا.. وثبت قواعد الديمقراطية في تركيا. ونحن في مصر أحوج الناس إلي أن نتعلم هذا الدرس بكل مفرداته لأننا بكل صراحة نسير عكس حركة التاريخ بعد أن تحولت حياتنا إلي عنف واستقطاب وصراع ينذر كل يوم بحرب أهلية متصاعدة يتساقط فيها الضحايا وتحرق وتخرب فيها المنشآت والمباني والممتلكات الخاصة والعامة. الحرب الأهلية في تركيا تقترب من النهاية.. والحرب الأهلية في مصر تتصاعد خطوة خطوة ويوما بعد يوم.. والسبب الواضح أمامنا أن النخبة السياسية فشلت في الالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية فاختارت الحرب.. الحرب الكلامية في الفضائيات ثم حرب المقرات الحزبية.. ثم حرب الشوارع والميادين. لاتسأل وسط هذه المعمعة اليومية عن العقل المصري الذي جري تغييبه عن قصد ولا عن الأخلاق المصرية والتقاليد الراسخة التي جري انتهاكها باسم الحرية والديمقراطية حينا وباسم الثورة حينا آخر. الذين يحرضون علي العنف ويوفرون الغطاء السياسي للميليشيات المسلحة يسيرون ضد حركة التاريخ.. ويأخذون مصر الي خراب كبير قد يكلفها لا قدر الله مثلما تكلفت تركيا من قتلي وجرحي.. وقد يمتد بها الصراع مثلما حدث في تركيا لاقدر الله إلي ثلاثة عقود قادمة. والذين لا يسارعون إلي إرساء الديمقراطية الصحيحة ولا يسارعون إلي الحوار البناء.. ويتخذون قرارات خاطئة في توقيتات خاطئة.. هؤلاء أيضا يسيرون عكس التاريخ.. ويفشلون دائما في اقناع خصومهم بصحة مواقفهم.. وبالتالي يعملون علي اشتعال الحرائق واستمرار الصراع. وقديما قالوا: معظم النار من مستصغر الشرر. يا أيها الذين يفكرون ويتحدثون ويخطبون ويكتبون ويخططون وينفذون.. يا أيها الذين يحكمون والذين يعارضون.. لا تستهينوا بما تفعلونه بمصر وأهلها.. لاتستهينوا بما يحدث كل يوم من صراعات واشتباكات.. إنها نذير مبين لحرب نراها بأعيننا عند نهاية الطريق الذي نسير إليه بغباء شديد. العالم من حولنا يخرج من حروبه ويداوي جراحه ويهرول الي مائدة المفاوضات للبحث عن حلول سياسية لمشاكله.. بينما نحن نهرول الي الحرب لأننا لا نعرف كيف نتنافس سياسيا.. لقد عدنا قبائل متناحرة لا مستقبل لها في عالم يتجه إلي السلام والاستقرار. إشارات * سبحان مغير الأحوال.. جبهة الإنقاذ هي التي ترفض الحوار الآن وتشترط. * أهم ما يميز ملك الأردن أنه صادق وصريح.. فقد اعترف بشجاعة يحسد عليها أنه صديق نتنياهو المقرب وعدو لمرسي وأردوغان. * لجنة المشاركة الوطنية بأسقفية الشباب عقدت أول اجتماعاتها مع جبهة الإنقاذ بقاعة الأنبا صموئيل بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية وقالت صحيفة اليوم السابع في عدد الأربعاء الماضي إن الاجتماع بحث خطة وتحركات الجبهة خلال الفترة المقبلة والعقبات التي تواجه تحركاتها وعلي رأسها التمويل.. ولا تعليق!! * قالوا لازم جماعة الإخوان توفق أوضاعها فلما وفقت أوضاعها اعترضوا وقالوا ماينفعش وغير شرعي.. وطالبوا بمصادرة أرصدتها في البنوك.. بل هاجموا الوزيرة التي وافقت علي توفيق الأوضاع.. إذن ما هو المطلوب؟! * وقالوا لابد من تأجيل الانتخابات البرلمانية شهرا أو حتي أسبوعين حتي تهدأ الأوضاع السياسية.. وتأجلت الانتخابات ولم تهدأ الأوضاع.. وصار المطلب اجراء انتخابات رئاسية في سبتمبر.. واذن ما هو المطلوب مرة أخري؟! * ولما قبض علي قذاف الدم اكتشفنا فجأة أنه مواطن مصري صالح أفضل من المصريين الذين يضربون ويهانون في ليبيا. * الذين يتباكون اليوم علي عدم عرض قانون الصكوك علي الأزهر هم أنفسهم الذين أشعلوا الدنيا ضد الدولة الدينية حتي لا تخضع القوانين والمعاملات المالية لرقابة رجال الدين. * بسبب صراعاتنا الداخلية صارت حركة المقاومة حماس هي العدو لدي إخواننا في المعارضة وليس اسرائيل الدولة المحتلة العنصرية.. نسينا حتي الثوابت الوطنية وألهانا الصراع الحزبي عن حقائق التاريخ والجغرافيا.