حينما يكون الخطر محدقاً بالوطن فلا مجال للحسابات الحزبية والمذهبية الضيقة.. وحينما يكون اللغم تحت أقدام الجميع وجاهزاً للانفجار فلا مجال للشماتة وتبادل الاتهامات.. فالشظايا لا تفرق بين أبيض وأسود.. ومن لم يمت مقتولاً لن يعيش إلا معوقاً. ومصر اليوم تحبس أنفاسها استعداداً لحكم القضاء في مذبحة بورسعيد.. وتقف بكل أطيافها بين نارين: ألتراس أهلاوي يهدد بالتخريب ونشر الفوضي إذا لم يأت الحكم علي ما يريد.. وألتراس مصراوي يهدد بالتصعيد في مواجهات بورسعيد وغيرها من المدن إذا لم يأت الحكم علي ما يرضي. لا منطقة وسطي إذن بين جهنم والجحيم.. ولا طريق آخر آمناً بين الطريقين الملغومين.. ولا أحد بإمكانه أن يدعي أن لديه حلا للنجاة من الكارثة المتوقعة هنا أو هناك.. كلنا ينتظر لحظة انفجار اللغم حتي نفرغ شهوتنا الكلامية في الشماتة وتبادل الاتهامات وادعاء الحكمة بأثر رجعي. انتظرت وانتظر كثيرون مثلي أن يكون هناك تحرك رسمي أو شعبي.. تحرك من الحكومة أو من الأحزاب أو من المؤسسات الأكثر احتراما كالأزهر والكنيسة لابطال مفعول اللغم قبل الانفجار لكن الجميع استهلكوا الوقت فيما لا يفيد.. أو ربما استسلموا للمصير المحتوم.. وبدت مصر العظيمة الكبيرة خالية من العقل والعقلاء.. مشلولة غير قادرة علي الحركة ولا علي التفكير في طريقة لابطال مفعول اللغم. والأمر المؤكد أن حكم المحكمة اليوم في مذبحة بورسعيد لن يهديء الأوضاع المشتعلة ولن يحقق بأي وجه من الوجوه الأمن والاستقرار.. وإنما ستزداد النار اشتعالاً.. وتحتدم المناوشات والمشاكسات.. وقد يسقط لا قدر الله شهداء ومصابون جدد.. وتعلو الهتافات المطالبة بالقصاص. وكلنا يدرك أن المشكلة ليست سياسية لكي تحل ببعض التنازلات والمواءمات والإجراءات.. المشكلة أكثر تعقيدا لارتباطها بالقضاء وشباب الألتراس.. بالشهداء الذين سقطوا في استاد بورسعيد يوم أول فبراير ..2012 من شباب مشجعي الأهلي والشهداء الذين سقطوا في مواجهات بورسعيد يوم 25 يناير 2013 اعتراضاً علي قرار المحكمة بإحالة أوراق 21 متهما إلي فضيلة المفتي.. وكان واجباً ان توضع استراتيجية طويلة الأمد للتعامل مع جذور المشكلة وعلاجها وكيفية مواجهة تداعيات الحكم القضائي الذي سيصدر اليوم.. لكن يبدو أن الحديث عن الخطط والاستراتيجيات صار ضربا من الترف الفكري في بلد ينام علي اشتباكات ويصحو علي اعتصامات واضرابات.. بلد عجز عن توفير الرعاية لبضع عشرات من الصبية وتركهم في الشوارع يسببون له صداعا كل ليلة حتي نجحوا في إسقاط هيبة الشرطة وهيبة الدولة. ومعلوم أن الحل الأمني لن ينجح.. كما لن تنجح أية إجراءات استثنائية استفزازية قد تلجأ السلطة إليها.. فحالة الغضب تعم الجميع.. من يطبقون القانون ومن يطبق عليهم القانون.. وكل طرف لديه أسبابه.. ولكن رغم ذلك يبقي هناك أمل في أن نسترد عقولنا في لحظة الخطر.. ونستجمع شجاعتنا.. ونتدبر جديا في طريقة تحفظ لنا البقية الباقية من استقرار هذا الوطن. دعونا نصلي صلاة مودع.. ونفكر في الطريقة التي نعبر بها جميعا فوق هذا اللغم القابع تحت أقدامنا.. وإن لم ننقذ أنفسنا بالكامل فلا بأس أن نقلل الخسائر إلي أدني درجة.. وهذا لن يتحقق إلا بإعادة هيبة الدولة. لا أقول هيبة السلطة ولا هيبة الرئاسة ولا هيبة النظام ولا هيبة الشرطة.. وإنما هيبة الدولة ككيان مؤسسي فوق الجميع.. ولا شك أن في استعادة هيبته مصلحة للجميع. وضمان أمن واستقرار الجميع.. وإلا فلن يكون أمامنا إلا الفوضي والضياع. واستعادة هيبة الدولة تتطلب إدراكا عاما بخطورة الخراب الذي ينتظرنا جميعا دون تفرقة.. كما تتطلب ارتفاعا فوق الصراع السياسي والاستقطاب المذهبي والفكري الذي يسيطر علي الشارع المصري حاليا.. لكي يتوحد الخطاب العام إلي أبنائنا من شباب الألتراس "أهلاوي ومصراوي" بضرورة الحفاظ علي مصر التي هي فوق الجميع.. وفوق المطالب.. وفوق الحقوق. هذا الخطاب العام يجب أن تشارك فيه الشخصيات الوطنية من كل الأطراف وكل الأطياف.. وتحتشد فيه برامج التوك شو اقتناعاً بأن استعادة هيبة الدولة وتماسكها ستخفف من غلواء المستخفين بالدولة ومؤسساتها. وبالمناسبة.. لا تعارض بين الدعوة لاستعادة هيبة الدولة والهتافات السلمية بإسقاط النظام.. فالدولة أكبر وأبقي من النظام.. وإذا سقط النظام ألف مرة يجب أن نعمل جميعا علي أن تظل مصر الدولة قوية وعفية. هل يمكن أن نسمع أصوات المعارضين والمؤيدين تتحدث بحب ومودة وحرص إلي شباب الألتراس لتشجيعهم علي حماية مصر وضمان أمنها واستقرارها.. فمصر هي الوطن الذي يستحق منا جميعا أن نضحي من أجله ونتنازل عن حقوقنا من أجله.. ونتسامح من أجله. هل يمكن لمن دأبوا علي تحريض الألتراس من أجل القصاص أن يحرضوهم علي الحب والعفو والحفاظ علي بلدهم؟! هل يمكن أن نسمع أصواتا عاقلة من داخل النادي الأهلي والنادي المصري من أجل مصر؟! اللهم احفظ مصر وخفف عنا البلاء.. اللهم أرنا عجائب قدرتك. إشارات * أروع ما في حكم القضاء الإداري بوقف الانتخابات البرلمانية أنه أنهي عصر الرئيس صاحب كل السلطات. * الذين فرحوا بالهروب من الانتخابات عليهم من الآن الاستعداد للموعد القادم فلن يكون لهم مبرر للانسحاب مرة أخري.. الامتحانات قد تؤجل لكنها سوف تعقد في يوم ما لا محالة. * جريدة الدستور قالت يوم الاربعاء الماضي إن الشعب يطالب المؤسسة العسكرية بالإطاحة بالنظام الحالي "القاتل والمجرم" وتكليف البرادعي لإدارة شئون البلاد تمت حماية عسكرية.. والسؤال: باسم أي شعب تتحدث "الدستور"؟!.. يجب أن يتحدث كل شخص بلسانه فقط حتي نميز بين الأصوات. * بعد أن كشفت الصحف عن نوعية الهدايا التي كانت تذهب إلي مبارك وزوجته ونجليه وحاشيته يتأكد فعلا أن "الغني غني النفس".