الأحداث الدامية التي تعيشها مصر في هذه الفترة تثير الأسي والاستياء وتحرك المشاعر نحو هذه المعارك الطاحنة التي تدور رحاها في الشوارع والميادين وتنطلق الأحجار في وجه رجال الشرطة. وتمتد أعمال التدمير والتخريب الي المنشآت العامة والخاصة وفي مقدمتها أقسام ومراكز الشرطة علي مستوي المحافظات. وكأن هناك "تار بايت" بين هؤلاء الرجال الساهرين علي حماية الأمن. وبين المتظاهرين الذين يقودون هذه الأعمال التخريبية التي لن يستفيد منها أحد. وسوف يجني الجميع ثمار هذه الوقائع المؤسفة والمؤلمة. التساؤلات تتدفق الي الساحة تدق الرءوس بعنف يتصدرها ماذا جري للمصري الذي يوجه رصاصة الغدر لأخيه في معركة الكل فيها خاسر؟ وهل هانت علينا هذه الدماء الذكية؟ وهل هناك أصابع خفية تحرك هؤلاء الذين يشعلون النار في مركبات الشرطة وأماكن تواجدها؟ وما هي الأسباب التي أدت الي هذا الانفلات وتلك الفوضي؟ ثم كيف الخروج من الأزمات التي تحيط بنا من كل جانب؟ حقيقة انها تداعيات خطيرة بينما يعاني الوطن من تدهور اقتصادي وأسعار ترتفع بلا توقف. هيبة تتضاءل ولعل اختطاف عميد شرطة يعتبر أبلغ دليل علي فقدان هذه الهيبة. المواطن لا يأمن علي نفسه موجات العنف تتصاعد. فرق متناحرة الكل يتطلع الي مصالحة ونصيبه من السلطة حالة من الغضب تعم مدن القناة بعد قرار حظر التجول. ورغم هذا الغضب فإن تحدي هذا القرار يبدو واضحا أمام كل ذي عينين! السؤال الأهم متي تستعيد الدولة هيبتها بعد تلك التداعيات الخطيرة والمؤسفة. ثم كيف يستطيع رجل الشرطة أن يواجه المتظاهرين وفرق "البلاك بلوك" و"ايجلز" و"كتائب مسلمون" الي غير ذلك من أولئك الذين يثيرون الفزع والرعب في الشارع ويرتكبون الجرائم وهم ملثمون. ويبدو أن رجال الشرطة يطاردهم الظلم في كل العصور مرة توجه اليهم الاتهامات بالبطش واستخدام العنف مع المتهمين وتجاهل أبسط المبادئ القانونية ومرة أخري بعدم مواجهة ما يجري بالشارع من انفلات الي غير ذلك من الاتهامات رغم أنه في كل الحالات فإن رجل الشرطة ينفذ الأوامر التي تصدر إليه والا فالعقاب في انتظاره. الحيرة تربكه في تصرفاته وتجعله دائما تحت سيف الاتهامات ويحضرني في هذا المشهد المؤلم قول الشاعر الشهيد هاشم الرفاعي واصفاً حال رجل الشرطة وهو يراقب أحد السجناء في محبسه : هو من كوة الباب يرقب صيده لكنه إن غاب عنه لحظة ذاق العيال مرارة الحرمان الأكثر أهمية حتي نعيد للشرطة مكانتها واستعادة هيبتها في إطار من نصوص القانون التي تمنح كل ذي حق حقه. واتاحة الفرصة لهؤلاء الرجال يمارسون دورهم بكفاءة والضرب بيد من حديد علي العابثين بأمن المجتمع ومحترفي في اشعال النيران في الممتلكات ومثيري الشغب ومواجهة هذا الانفلات الذي لم تشهد مصر مثيلا له علي مدي تاريخها القديم والحديث. ولا سبيل أمامنا إلا بمنح الشرطة كل الصلاحيات لكي تمارس دورها. لأن ما يجري بالشارع يشير إلي أن هناك شبكة متعددة تحرك هؤلاء المتظاهرين. صحيح بينهم شباب ثائر وفي وسطهم بعض المندسين المأجورين ويعملون لحساب آخرين. واصحاب مصالح تعرضوا للاضرار نتيجة لاحداث ثورة 25 يناير. أصبح من غير المعقول أو المقبول أن نترك رجال الشرطة يهانون بهذه الصورة المؤسفة بكل ابعادها أمام أعيننا. إن ما يجري من قتل واصابة لضباط ورجال الشرطة يعتبر وصمة عار في جبين كل منا. ومما ضاعف مشاعر الغضب لدي أنه ترامي الي مسامعي كلمات تفوه بها أحد المواطنين في مداخله تليفزيونية بإحدي القنوات الفضائية وقد تضمنت بذاءات والفاظا يعف القلم عن كتابتها. انها مهانة لابد من إزالة آثارها واتخاذ جميع الاجراءات التي تعيد لرجل الشرطة توازنه ومعالجة الآثار النفسية التي لحقت به في هذه الفترة بالغة السوء. لا يغيب عن خاطرنا أنه لن تقوم لمصر قائمة دون عودة مكانة الشرطة الي موقعها الذي يحظي بالتقدير والاحترام. إذ أن الأخطار التي تهدد أمن الوطن والمواطن لايمكن القضاء عليها إلا بعودة الشرطة الي دورها في ممارسة الضبط والربط في مختلف المواقع دون أي قيد سوي القانون ونصوصه التي تصون حقوق كل الأطراف. علي الجانب الآخر يجب علي القوي السياسية بمختلف انتماءاتها سواء كانت أحزابا أو ائتلافات أو تجمعات سياسية أن تتخذ الوسائل التي تكفل سرعة التحرك نحو المشاركة الفعالة في الحوار الوطني وعلي الدولة أن تستوعب كل الأطراف دون اقصاء أي فئة من الفئات والاستماع الي جهة كل وجهات النظر في أي مستجدات تتضمن تعديلا في الدستور أو نصوص قانون الانتخابات المقبلة للبرلمان. ويجب ألا يغيب عن هذه الأحزاب وتلك القوي أن الجميع في مركب واحد ولن يستطيع أي طرف أي كانت قوته في الشارع أو في الحكم أن يزحزح الأطراف الأخري. وطالما أن الجميع يسعي لصالح الوطن فيجب أن تكون طاولة الحوار هي الموقع الذي تنبثق منه كل الحلول التي ترضي كل الأطراف ويجب تجاوز الأغراض والنزعات الشخصية. والانصياع لصوت العقل. فليس معقولا أن تظل هذه المظاهر المؤسفة تجري أمام أعيننا. دون اتخاذ اجراءات حاسمة. الآمال تتطلع الي المبادرة التي أطلقها حزب النور لكي تشارك كل الجبهات في الحوار الوطني ومن بينها جبهة الإنقاذ. في النهاية اعتقد أنه قد حان الوقت لتدارك مصر ودورها الحضاري الرائد في المنطقة. يا ابناء وادي النيل المخاطر تهدد الجميع. مسئوليتكم النهوض بالأمانة الملقاة علي عاتقكم قبل فوات الأوان وحينئذ لن يفيد البكاء علي اللبن المسكوب.