الجيش الذي حرر سينا وحمي الثورة ينبغي دعمه والوقوف إلي جانبه لاشك أن مسلسل الفتنة الطائفية الذي اجتاح مصر خلال الأسابيع الماضية يمثل تهديدا خطيرا ليس فقط علي الوحدة الوطنية وتماسك نسيج الأمة الواحدة وإنما علي مستقبل الدولة واستقرارها وسلامة ووحدة أراضيها.. أحداث الفتنة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ليست قليلة بل وتصاعدت بصورة مقلقة عكرت صفو الأجواء الوطنية العظيمة التي عاشتها مصر بعد هذه الثورة العظيمة.. ولقد تصور البعض وفي مقدمتهم القيادة العسكرية والحكومة أن حادث صول/أطفيح هو مجرد حادث عارض لن يتكرر وبالتالي فقد تم التعامل معه بقدر كبير من التساهل والترضية ولم يحسم الأمر بالقدر الكافي كما لم يتم الكشف عن الجناه ومثيرو الفتنة بعد الحادث وتقديمهم للمحاكمة العادلة وسرعة إنزال القصاص الرادع عليهم ولهذا سرعان ماتوالت الأحداث الإرهابية الفجة عندما قام بعض الموتورين بقطع أذن أحد الإخوة الأقباط وتمت الترضية والتصالح مرة أخري تحاشيا لتصعيد المواقف بما لا يدع مجالا للشك في غياب هيبة الدولة ولا أود أن أقول ضياع هيبتها.. ولم يمر وقت طويل حين فاجأتنا أحداث قنا واعتراض أحد التيارات الدينية علي تعيين محافظ قبطي للمحافظة ومايمثله ذلك من خطورة بالغة بالنسبة علي وحدة وسلامة هذا الوطن إذ كيف يمكن أن يجرؤ فرد أو مجموعة من الأفراد تحت أي مسمي أن تقطع الطريق العام الذي يربط بين شمال الوطن وجنوبه وتدمير مصالح أهالينا في الجنوب الإنسانية والاقتصادية والتجارية ويضعنا في مصاف الدول التي تعرضت للتقسيم مثل السودان والصومال ويوغوسلافيا.. هذه ظاهرة خطيرة بالنسبة لنا لم تحدث من قبل ولايجب أن نفكر فيها مرة أخري. هذه مقدمة مقالة سبق أن كتبتها علي صفحات هذه المجلة تحت عنوان »الفتنة الطائفية.. خطر يهدد مستقبل الدولة المصرية« بتاريخ 81 مايو الماضي.. والآن وبعد مرور خمسة أشهر علي هذه الأحداث الدامية تداهمنا أحداث أخري أكثر دموية وأكثر مرارة تلك التي جرت يوم »الأحد الأسود« في ماسبيرو وراح ضحيتها 52 مواطنا مصريا وأكثر من 533 مصابا. والقضية ليست في أعداد القتلي والجرحي سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أعزاء علينا جميعا الذين خلفتهم هذه الكارثة. فكم من مئات بل آلاف من القتلي ذهبوا ضحايا سنويا بسبب حوادث الطرق والسفن والطائرات والقطارات وإنما القضية هي قضية أمة مهددة بعنف في أمنها واستقرارها ووحدة وسلامة شعبها وأراضيها.. شعب يهدده شبح حرب أهلية ضروس بين جناحيه اللذين عاشا جنبا إلي جنب في حب وأمن ووئام أربعة عشر قرنا من الزمان والأدهي والأمر هو محاولة البعض ممن غابت ضمائرهم الوقيعة بين الشعب والجيش.. الجيش الذي حرر سيناء واحتضن الثورة الوليدة ثوة يناير وحماها ومازال يرعاها حتي تصل إلي بر الأمان وتحقق جميع أهدافها التي قامت من أجلها »حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية« والحقيقة أن الإخوة الأقباط لديهم الحق في أن يغضبوا ويشعروا بالمرارة والاحتقان بسبب العديد من المعاملات المجحفة غير السليمة يؤيدهم في ذلك ويؤازرهم كل المسلمين الذين يؤمنون بالله عز وجل ورسله موسي وعيسي ومحمد عليهم الصلاة والسلام غير أن هذه المشاعر ماكان يجب أن توصل إلي حد الصدام الدموي مع الجيش والشرطة اللذين من أهم واجباتهما حماية الوطن وسلامة المواطن المصري أيا كان مسلما أو قبطيا. أن تنطلق مسيرة سلمية لمواطنين أقباط من شبرا إلي منطقة ماسبيرو هذا بالقطع حقهم طبقا لنص الدستور الذي يكفل حق التظاهر السلمي لكل المواطنين نعم كل المواطنين. لكن أن تتحول هذه المسيرة في النهاية إلي مصادمات دامية مع رجال القوات المسلحة المكلفة بحماية مبني الإذاعة والتليفزيون تسيل خلالها الدماء ويسقط الشهداء من الجانبين فهذا شيء غير معقول وغير مقبول علي الإطلاق وليس في صالح الإخوة الأقباط ولا في صالح المجتمع المصري ككل.. وفي هذا الإطار فإننا نأمل أن تنتهي اللجنة المكلفة ببحث هذه الحادثة المؤلمة من عملها في أقرب وقت ممكن من أجل الوقوف علي الأسباب والملابسات التي أدت إلي وقوعها وتحديد الذين قاموا بها وكذلك الذين حرضوا عليها حتي يمكن توقيع العقاب الرادع عليهم أيا كانت شخصياتهم أو مواقعهم وخاصة بعد صدور قانون »مكافحة التمييز« ولاشك أن أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة قد لعبت دورا مؤثرا في تأجيج المشاعر وتأزم الأوضاع حيث جرت مناقشات كثيرة ومستفيضة في مختلف أجهزة الإعلام وخاصة برامج »التوك شو« في الفضائيات وتباري الجميع لكشف ملابسات الحادث المؤسف .. البعض كان مخلصا وأميناً في عرض آرائه والبعض الآخر كان مغرضا بل ومتحيزاً لآرائه وأفكاره وتوجهاته السياسية والفكرية بل والبعض الآن كان متحاملا علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة لأسباب أخري غير قضية الأقباط وحقوقهم المشروعة لدرجة أن أحد قادة البرامج الحوارية ادعي أنه شاهد 005 من البلطجية وفلول الوطني قد انضموا للمظاهرة في منطقة القللي وإذا صدق هذا القول فقد أدان الإخوة الأقباط ومسيرتهم السلمية إذ كيف يسمح المتظاهرون لمثل هذه العناصر الإجرامية بالانضمام إلي مسيرتهم السلمية ويحولونها إلي أحداث دموية في النهاية.. والأغرب من ذلك هو ماقامت به بعض القوي السياسية والإعلامية ذات التوجهات المعروفة من شن حملة شعواء علي التليفزيون المصري »تليفزيون الشعب « متهمين الزميلة المذيعة المتألقة رشا مجدي بأنها كانت تهيج الجماهير لحماية جنود الجيش من هجوم الأقباط المتظاهرين عليهم وهو مانفاه نفيا قاطعا وزير الإعلام أسامة هيكل الذي أمر فورا بتشكيل لجنة محايدة من خبراء الإعلام لإظهار حقيقة هذه الادعاءات والرد عليها بصورة قانونية طبقا للمستندات المقدمة من التليفزيون المصري CD عليها تفاصيل نشرة الأخبار المتهمة بالتحريض. ياقوم.. استيقظوا وعوا: إن إسقاط هيبة المؤسسة العسكرية أمر خطير للغاية لأنه يعني إسقاط هيبة الدولة بل وربما انهيارها وخاصة أنه لاتوجد أية قوة حالية تستطيع إدارة شئون البلاد في ظل هذا التشرذم والمهاترات وتبادل الاتهامات بالخيانة والعمالة بين كافة القوي السياسية. الكل يتحدث عن »الأيادي الخفية« التي تعبث بأمن البلاد والتي لابد من الكشف عنها والقضاء عليها.. ولكن كيف يتم ذلك في ظل هذا الانفلات الأمني والمظاهرات والاحتجاجات الفئوية وأعمال العنف والبلطجة.. هل سأضطر إلي كتابة مقالة أخري مماثلة.. أرجو ألا أضطر إلي ذلك.