في بورصة الأفكار.. التي تشبه إلي حد كبير بورصة الأوراق المالية.. يتسابق المبدعون والمبتكرون في الدفع بما تفيض به أذهانهم.. وتبدو فطرية بلا معايير.. ولكن الخبرات السابقة والمدعمة بالعلم دائما ما تمثل ضابطا للأفكار المثمرة.. ومن هذه الأفكار ما اعتبره الكثيرون جنونا أو في نطاق المستحيل تنفيذه.. ولكن اصحاب الوعي والرؤية الواضحة والخلفية العلمية القوية أمثال "جولي تايمور".. لم يعترفوا بذلك. بدأت فكرة تحويل فيلم "أفاتار" الذي حقق نجاحا غير مسبوق في الفترة الأخيرة. إلي عرض مسرحي في التداول.. ويبدو هذا الأمر غريبا للبعض.. ولكنه في بيئته مختلف.. فمبدع هذا العمل الذي كتبه وقام باخراجه جيمس كاميرون اعتاد ان يقدم الفكر الجديد والمختلف الذي اجتمع عليه الجمهور... وبات له شعبية ومكانة خاصة من خلاله.. وكاميرون الذي اتسم بالجرأة فيما يتناوله من افكار واحداث بجانب التكلفة الضخمة وتبني العلم فنيا. اعتاد أيضا أن يتم تحويل افلامه إلي عروض مسرحية أيا كانت صعوبة ذلك.. فتكرر ذلك عندما قدمت أسطورته "تيتانيك" مسرحيا أكثر من مرة وآخرها بمسرح ليفربول عام ..2008 وكذلك فيلمه "الرجل العنكبوت" الذي تغامر به برودواي حاليا والذي أبدع في كتابته الثنائي "ستان لي" و"ستيف ديكتو". وهذا العرض تحديدا والذي مهد للخلاف بين تايمور وآخرين وعلي رأسهم المنتج الشهير "جيمس كاميرون".. يأخذنا إلي الطرح الجديد.. فجولي تايمور عاشقة التحدي والتجديد والتكنولوجيا.. وبناء عروضها بطريقة علمية. الأمر الذي قادها للحصول علي جائزة التوني مرتين من أصل أربعة ترشيحات.. والجائزتان عن عرضها الذي يمثل خطوة في سلسلة التحدي وهو "الملك الأسد" عام 1997 واحدة عن الاخراج وأخري عن التصميم. وتصبح أول امرأة تحصل علي جائزة التوني في الاخراج.. ثم خاضت تحديات أخري بعروض صعبة التنفيذ تستخدم فيها وسائل تكنولوجيا مختلفة لتتلاعب بعناصر التمثيل والإضاءة والديكور واستغلال كامل الفضاء في المسرح لتحريك الشخصيات بشكل جيد ومختلف في كل مرة وخلق صور جديدة ومعبرة... ومرورا بعرض "الناي السحري".. باتت الجماهير تنتظر عروضها وهو الأمر الذي راهنت عليه جولي في مختلف مغامراتها المحسوبة وصولا إلي عرضها الجديد "الرجل العنكبوت" الذي بدأت تعد له منذ عام 2007 وتأخر تقديمه لاعتبارات تقنية تارة ومادية تارة أخري.. حتي خرج إلي حيز ليالي العروض الخاصة خلال النصف الثاني من ديسمبر الحالي تمهيدا لتقديمه في مطلع العام الجديد.. ويبدو أن نشوة الانسلال من الشرنقة وخروج رجل العنكبوت إلي النور جعلها تفكر بصوت مرتفع في حلمها القادم "افاتار". وهي تثق في قدرتها علي اخضاعه رغم أنها لم تنته فعليا من عرضها الحالي.. ولديها اصرار أن تعد له بعد انتهائها من الرجل العنكبوت مباشرة.. ولديها الفكرة والطريقة العلمية التي ستمكنها من تقديمه في صورة مبهرة وجذابة ويحمل رؤية جاذبة كعادة جولي في تناولها.. وأن تأخرها في اعداد وتقديم أفاتار ربما يحرمها من شرف السبق. اثارت فكرة افاتار مسرحيا.. جدلا واسعا... وهو أمر ليس بجديد.. ولكنه أخذ المتأملين لأفكار بعضها مخيف للمسرحيين مثل المسرح ثلاثي الأبعاد وغيره.. أما ماكنتوش فكان واقعيا.. ولم يرفض الفكرة.. ولكنه اعترض علي توقيتها.. ووجدها مغامرة غير محسوبة بتكلفة باهظة تتعارض مع الأزمات الاقتصادية المتعاقبة ويكفي عرض "الرجل العنكبوت" المجهد تقنيا وماديا.. والمنتظر بداية عرضه للوقوف علي نجاحه من عدمه. ومن جانبه علق "هارولد ويبر" وهو مدير تنفيذي بمسارح برودواي علي فكرة "افاتار" بدبلوماسيته المعهودة.. وأكد أن أي فكرة تطرح تستحق الاهتمام ومناقشتها بترو خاصة عندما تأتي من مبدعين لا غبار عليهم.. والأمر لا يمكن حسمه دون الجلوس حول الطاولة ومناقشة الأفكار بشكل عام وسبل تنفيذها ونقاط القوي والضعف فيها.. وفرص نجاحها. وعلي النقيض من ويبر.. كانت سخرية الناقد الانجليزي "جون براسيل" الرافض لكل العروض التي تعتمد علي وسائل وآلات معقدة تتنافي مع بساطة المسرح.. وان هذا السحر المزيف يقتل سحر المسرح الحقيقي النابع من الاحتكاك الطبيعي بين المؤدين والجمهور.. وأن هذه النوعية تركز علي الشباب فتخربه.. وتجعل مستقبل المسرح في خطر.