نادية هارون شحاتة ابنة المحامي المصري اليهودي هارون شحاتة ظهرت في برنامج "بتوقيت القاهرة" يوم الخميس الماضي.. اثارت بحديثها دهشتي وحزني أيضاً.. بدأت بالتعليق علي تصريح الدكتور عصام العريان بالشكر للرجل الذي نادي بعودة اليهود الإسرائيليين من أصل مصري إلي مصر وتعويضهم.. شكرت العريان لأنه فتح بتصريحه هذا باباً كان مغلقاً بالضبة والمفتاح ألا وهو سيرة اليهود المصريين التي أصبحت مرفوضة بعد أن احيطت بطبقات عازلة من التعصب والرفض.. كلمة "يهودي" صارت مرفوضة بسبب مشاعر عنصرية دخيلة علي المصريين الذين عاشوا زماناً مع جميع الأديان من دون تمييز عرقي أو ديني. تحدثت نادية وهي محامية ومثقفة عن الصعوبات التي تواجهها أثناء قيامها باستخراج أي وثيقة رسمية مثل الرقم القومي أو رخصة لقيادة. ما أن يقرأ الموظف خانة الديانة حتي يتوقف.. طرحت نادية سؤالاً أحزنني وأزعجني: أين سأدفن عندما أموت.. وأين تتم الصلاة قبل دفني.. المعابد اليهودية آثار خالية. واليهود المتبقون لا تتجاوز اعدادهم اليد الواحدة ولا يوجد عدد يكفي للصلاة ولاحاخام مصري. ابنة هارون تتذكر وفاة والدها وحيرة الأسرة عندما أرادوا أن يصلوا علي جثمانه. كان الرجل يسارياً ومناضلاً لا يفكر في الموت. وإنما يدفع حركة الحياة والتحرر الوطني حتي لو دخل السجون عدة مرات.. رفض أن يترك مصر. ورفضت صحيفة الأهرام أن تنشر نعيه إلا بعد مقاومة من ابنته. لا أحد يستطيع أن يحدد علي وجه اليقين دوافع الدكتور العريان حين نادي بهذه الدعوة غير المحتملة ولا الواقعية لعودة اليهود وتعويضهم.. فهل كان الدافع سياسياً؟ وهل في عودتهم حل للقضية الفلسطينية؟ الدعوة اثارت عاصفة من الانزعاج والدهشة والجدل السياسي وأيضاً التعليقات التي تؤكد أن اليهود المصريين الذين غادروا مصر لم يذهبوا إلي إسرائيل. لأن النسبة الأكبر اتجهت إلي بلاد أوروبا الغربية. وهناك عاشوا وتفوقوا وانجبوا ولم تنس سلالتهم انتماءها لمصر.. اليهود الذين ظهروا في فيلم أمير رمسيس "عن يهود مصر" عبروا عن حنين جارف للزيارة وليس العودة ذلك لأن جميعهم مستقرون في اوطان المهجر. قيام دولة إسرائيل العنصرية بددت الخط الفاصل بين المشروع الصهيوني الاستيطاني العدواني والوحشي وبين اليهودية كديانة.. ألبير ارييه أسلم وتزوج من زميلة صحفية مسلمة وكان يهودياً يعيش في مصر ومازال ولكن امه اضطرت للاقامة في فرنسا وأيضاً شقيقته وهو ينتمي لأسرة مصرية وقد تحدث في البرنامج مع حافظ المرازي وفجر معلومة لا يعرفها كثيرون وهي أن الإخوان وليس جمال عبدالناصر هم من دفعوا اليهود إلي الهجرة والرحيل عن مصر.. وقال: إن الدعوة التي اطلقها الدكتور العريان وأثارت كل هذا الجدل ليست ذات جدوي. فالنسبة الأكبر موجودون الآن تحت الأرض. في المقابر. والباقون باعوا ممتلكاتهم ولم يعد لهم حقوق مالية.. إن التاريخ لا يموت حتي لو تواري في كتب ووثائق ليست متداولة. وفيلم "عن يهود مصر" الذي فجر القضية المسكوت عنها شهادة علي ذلك. وجزء من هذا التاريخ يلقي الضوء علي شخصيات يهودية مصرية عظيمة مثل هارون شحاتة وهنري كورييل اليهودي الثري الذي كان شريكاً مع طلعت حرب عند تأسيس أول بنك وطني "بنك مصر". هارون شحاتة والد نادية كان معارضاً شرساً لاتفاقية كامب دافيد وقد اتجه إلي لقاء مناحم بيجين في المعبد اليهودي اثناء زيارته إلي مصر وأعلن رفضه وهتف ضد الاتفاقية.. نادية هارون عبرت عن نفس الموقف اثناء اللقاء التليفزيوني. اليهود كانوا وسوف يظلون جزءاً من القماشة المصرية المليئة بالألوان والنقوش الجميلة المتداخلة حتي وإن تعرضت للتمزيق. وقصة اليهود في مصر دليل دامغ يكشف أثر التعصب والعنصرية وسياسات فرق تسد فضلاً عن الغباء السياسي. مازلت لا أفهم دوافع عصام العريان وأن فتح الباب علي سيرة اليهود في مصر.