واضح أن الخلافات والانتقادات سمة من سمات المصريين ولهذا حدثت وتحدث خناقات بين السلطة التنفيذية والأحزاب والتيارات السياسية عند وضع الدساتير وقد ظهر هذا واضحا عند إعداد دستور 1923 الذي قيل عنه انه من أفضل الدساتير في العالم ووضع علي أحدث المباديء العصرية.. وقد قيل نفس هذا الكلام بعد أن فرغت لجنة إعداد دستور 2012 من إعداده حيث ذكر بعض المؤيدين له انه من أفضل الدساتير. ففي دستور 1923 تم إفراد فرع يتكون من 25 مادة من المادة 32 حتي المادة 56 مفصلا حقوق الملك وواجباته.. منها ما هو خاص أي ان الملك يتولاها مباشرة ومنها ما يمارسه بطريقة غير مباشرة أي بواسطة الوزراء.. فمثلاً نصت المادة 48 ان الملك يتولي سلطاته بواسطة وزرائه وفي المادة التي تليها مباشرة الملك يعين وزراءه ويقيلهم ويعين الممثلين السياسيين ويقيلهم بناء عليها يعرضه عليه وزير الخارجية.. ثم جاء في المادة 60 ان توقيعات الملك في شئون الدولة يجب لنفاذها أن يوقع عليها رئيس الوزارة والوزراء المختصون.. ولكن تبين ان هناك تعارضا كبيرا بين هذه المواد ولهذا نشب نزاع بين الملك فؤاد وسعدزغلول باشا.. حول القرارات التي كان يصدرها الملك بدون الرجوع إلي الوزارة علي أساس ان الدستور أعطاه هذا الحق.. في حين ان سعد زغلول يري ان هذا ليس من حقه وكانت بداية هذه الخناقات بين الملك وسعد باشا عندما تمسك الملك كما جاء في المادة 74 بحقه في أن يُعين خُمس أعضاء مجلس الشيوخ في حين ان المادة 48 نصت صراحة ان ذلك يتم من خلال وزرائه وعلي هذا فإن هذا التعيين من أعمال الدولة يتولاه الملك من خلال مجلس الوزراء وانتهي هذا النزاع بقبول الطرفين تحكيم أحد الفقهاء القانونيين وكان هو البارون "بوش" العالم البلجيكي الذي أيد وجهة نظر سعد باشا. ولكن سعد باشا استقال في شهر نوفمبر سنة 1924بعد أن ازدادت حدة النزاع بينه وبين الملك فؤاد حول اختصاصات الملك والتصرف دون الرجوع إلي الوزارة فقد أراد الملك أن يضمن لنفسه منصب الخلافة وشجع بعض المؤسسات الدينية علي العمل في هذا السبيل دون علم رئيس الوزارة كذلك فهو يتصل مباشرة بالوزراء المفوضين في الخارج وأن الملك عين حسن نشأت باشا وكيلاً للديوان دون مشاورة رئيس الوزارة وانه منح أوسمة دون موافقة مجلس الوزراء. ويقول المفكر الكبير محمد زكي عبدالقادر في كتابه "محنة الدستور": انه قيل لسعد باشا كيف يستنكر الوفد التصريح وينتقد الدستور ثم يشترك في تنفيذهما؟؟. ورد سعد باشا علي ذلك رده المشهور: "إن الاستنكار شيء والتنفيذ شيء آخر!!". واستمر هذا النزاع بعد ذلك.. بين الملك فاروق والنحاس باشا حول تضارب المواد الدستورية وعادة تكون نتيجة هذا الصراع هي إقالة الوزارة في كل مرة بعد اللجوء إلي السفارة البريطانية. المهم انتهت هذه المرحلة.. وانتهت أيضا مراحل عدة من اصدار الدساتير إلي أن صدر آخر دستور لمصر هو دستور عام ..2012 وكالعادة.. ظهر اختلاف شديد في الرأي ووجهت إلي مواد الدستور انتقادات عنيفة.