وقعت السيدة المسنة في الحمام فانكسر مفصل الفخذ.. كان ذلك في الخامسة صباحا عندما أرادت أن تتوضأ لصلاة الفجر.. السيدة تعيش بمفردها مع ابنتيها وإحداهما مكفوفة بعد وفاة زوجها منذ ثلاث سنوات وكان موظفا بسيطا. استغاثت السيدة بابنها المتزوج وهو موظف بسيط أيضاً فحضر مسرعاً وطلب سيارة الإسعاف. وتم نقلها إلي مستشفي قصر العيني الفرنساوي.. أجري المستشفي لها عدة اشعات دفع ابنها قيمتها.. طلب المستشفي 12 ألف جنيه تدفع مقدماً قبل الدخول. حمل الابن أمه وذهب بها إلي مستشفي آخر حكومي.. طلب المستشفي عمل اشعات أخري بتكاليف جديدة دفعها الابن أيضاً.. لا توجد "سراير" فارغة بالمستشفي سوي سرير واحد في حجرة تضم سريرين أطلقوا عليها درجة أولي.. المستشفي الحكومي طلب دفع ثلاثة آلاف جنيه مقدماً تحت حساب العملية الجراحية.. لم يكن الابن يحمل المبلغ المطلوب.. تم التدخل لدي إدارة المستشفي بالاكتفاء بدفع ألفي جنيه مؤقتا لحين تدبير مبلغ آخر. انصرفت سيارة الإسعاف بعد أن دفع الابن لها 200 جنيه قال المسعف ان هذا المبلغ هو أقل ما يمكن أن يقبله بعد أن انتظرت السيارة مع المريضة ثلاث ساعات لنقلها من البيت إلي المستشفي الفرنساوي ثم إلي المستشفي الحكومي!! السيدة تعيش علي "معاش" زوجها المتوفي. وهو معاش هزيل.. وليس لديها دخل سوي هذا المعاش الذي تصرف منه علي نفسها وابنتيها.. وليس لديها تأمين صحي لأنها لم تكن موظفة. جلست في المستشفي 3 ساعات حتي تمت إجراءات الدخول.. كان نائب رئيس المستشفي الدكتور إبراهيم الشيوي ومدير العلاقات العامة الأستاذ جمال المصيلحي عند حسن الظن في التيسيرات التي قدمها كل منهما والتخفيف من صدمة المبلغ المطلوب. رأيت خلال جلوسي مع كل من نائب مدير المستشفي ومدير العلاقات العامة مشاكل لا حصر لها لمرضي فقراء لا يملكون قوت يومهم!! والرجلان بكل رضا نفس وصبر طويل يحاولان حل هذه المشاكل. تساءلت: كم من مواطنين في مصر من أقصاها إلي أقصاها أنهكهم المرض وطحن أجسادهم لا يجدون علاجا ولا يستطيعون تحمل تكاليفه.. مواطنين هم في عداد الموتي رغم أنهم أحياء.. فالحياة ليست مجرد أنفاس تخرج وتدخل الجسم.. لكن الحياة هي أن تعيش صحيح البدن. وعندما تبتلي بمرض من الأمراض تجد يد الدولة حانية تقدم لك هذا العلاج في عزة وكرامة. من أين لنا بهذه اليد الحانية والقمم المسئولة وغير المسئولة مشغولة بالصراع السياسي.. الكل يتقاتل علي شيء يريد أن يستحوذ عليه وحده ويقصي الآخرين. ليس هذا مجرد خلاف سياسي.. لكنه إجرام في حق هذا الشعب!! شعب مصر الآن حي ميت.. ينتظر الحانوتي الذي يذهب به إلي مثواه الأخير!!