لم تعد قناة السويس مجرد ممر ملاحى لا غنى عنه، بل تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى واحدة من أهم مناطق الجذب الاقتصادى والاستثمارى فى المنطقة. وفى الآونة الأخيرة، نجحت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس فى جذب 272 مشروعًا من مختلف دول العالم إلى الموانئ والمناطق الصناعية التابعة لها، وبلغت القيمة الإجمالية لهذه المشروعات نحو 8.3 مليار دولار، وأسهمت فى توفير 40.2 ألف فرصة عمل خلال 33 شهرًا.. واستحوذت المناطق الصناعية على النصيب الأكبر من هذه الاستثمارات، حيث تضم 262 مشروعًا بإجمالى استثمارات تقدر بنحو 6.8 مليار دولار، وأسفرت عن خلق أكثر من 40 ألف فرصة عمل، ويُشغَّل حاليًا نحو 130 مشروعًا منها، مع توقعات بافتتاح أغلب المشروعات الجارى تنفيذها خلال العام الجارى، الذى وصفته الهيئة ب«عام الافتتاحات». تحتضن المنطقة الاقتصادية عددًا من المناطق الصناعية الكبرى، من بينها المنطقة الصينية والمنطقة الروسية، كما تتطلع الدولة إلى تعزيز الشراكات الدولية، حيث عُرضت مؤخرًا على الجانب الأمريكى فرصًا لإقامة منطقة صناعية أمريكية ضمن نطاق المنطقة. وتسعى رؤية المنطقة الاقتصادية للتحول إلى مركز عالمى للاستثمار، فى ضوء ما أوردته منظمة «فيتش» العالمية، التى أشارت إلى التزام الحكومة المصرية بجذب الاستثمارات الدولية عبر إطلاق منطقة صناعية واسعة النطاق حول قناة السويس.. وتسير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بخطى ثابتة منذ صدور قرار إنشائها فى أغسطس 2015، وتضم 6 موانئ بحرية و4 مناطق صناعية يعمل بها 14 مطورًا صناعيًا، وحتى ديسمبر 2024، بلغ عدد المنشآت العاملة داخل المنطقة نحو 400 منشأة، وفّرت ما يقارب 100 ألف فرصة عمل. فى هذا الصدد، قال د. رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية، إن قناة السويس تُعد من أهم المواقع الاستراتيجية على مستوى العالم، لما توفره من مزايا لوجستية تجعلها مركزًا جاذبًا للاستثمار، بل مرشحة لأن تكون الأهم عالميًا، ويؤكد أن الموقع الفريد للقناة يتيح للمستثمرين إمكانية الإنتاج والتصدير من نفس المكان، مع سهولة الوصول إلى مختلف الأسواق العالمية.. وأشار عبده فى تصريحاته ل«الأخبار» إلى أن الدولة المصرية تمتلك فرصة قوية لتحويل قناة السويس إلى مركز عالمى لسلاسل التوريد، وهى فرصة تعززت بعد جائحة كورونا التى أثرت بشدة على الصين آنذاك، مما أبرز الحاجة إلى بدائل موثوقة فى سلسلة الإمداد العالمية.. وأوضح أن جذب الاستثمارات العالمية للمنطقة المحيطة بالقناة من شأنه أن يخلق شريانًا جديدًا لهذه السلاسل، وأن التوسع فى إنشاء مناطق صناعية كبرى ومناطق حرة مثل المنطقة الروسية، يسهم فى توفير فرص عمل كبيرة للشباب وزيادة عائدات الدولة من العملة الأجنبية.. وأضاف أن مصر تمتلك الإمكانيات اللازمة لتصبح مركزًا عالميًا لتصنيع الحاويات وتوفيرها، خاصة بعد ربط سيناء بالوادى من خلال أنفاق قناة السويس، وهو ما يمثل نقطة تحول استراتيجية تفتح المجال لاستثمارات ضخمة، كما تعمل الدولة على استصلاح الأراضى الزراعية فى سيناء، مما يسهم فى تعزيز القدرة التصديرية وزيادة حجم الصادرات إلى مختلف الأسواق.. كما أشار إلى أن تعزيز الاستثمار فى قناة السويس لا يحقق مكاسب اقتصادية فحسب، بل يخفف من الاعتماد على رسوم المرور فقط، ويقلل من أثر اضطرابات الملاحة مثل تلك التى يشهدها البحر الأحمر حاليًا نتيجة التطورات الدولية، ويؤكد أن هذه التحديات مؤقتة، فى ظل الجهود المصرية لإرساء الاستقرار فى المنطقة. وتابع «عبده» بأن مصر أولت اهتمامًا كبيرًا بتطوير القناة، إذ تمت توسعات ملحوظة أسهمت فى زيادة السيولة المرورية وسهولة الحركة، مشيرًا إلى أن ميناء شرق بورسعيد بات يُصنف ضمن أفضل 10 موانئ فى العالم، وكذلك ما تقدمه الدولة من خدمات إضافية وتطورات ملحوظة.. ويختتم بالتأكيد على أن المرحلة المقبلة تتطلب جهودًا احترافية فى الترويج للفرص الاستثمارية بالمنطقة، بطريقة تتماشى مع احتياجات وتطلعات المستثمرين.. ويتفق فى الرأى د. خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، الذى قال إن قناة السويس تُعد محورًا استراتيجيًا بالغ الأهمية، ليس فقط لمصر بل للاقتصاد العالمى ككل، إذ يمر عبرها أكثر من 16% من حجم التجارة العالمية، مما يجعلها من أهم الممرات الملاحية الدولية، ويرسخ موقعها كممر يربط بين الشرق والغرب، وبين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا. وأشار الشافعى إلى أن قناة السويس تمتلك المقومات الكاملة لأن تتحول إلى مركز عالمى للتجارة والصناعة واللوجستيات، وبوابة للقارة الإفريقية. كما شدد على أهمية الدور الذى يمكن أن تلعبه القناة فى خدمة الأسواق الإفريقية، رغم أن حجم التبادل التجارى بين مصر ودول القارة لا يتجاوز حاليًا 13 إلى 15 مليار دولار، مؤكدًا أن تعزيز الإنتاج فى المناطق الصناعية التابعة لقناة السويس - سواء بمشاركة الصين أو روسيا أو الولاياتالمتحدة أو حتى بمشروعات محلية - سيفتح الطريق أمام التصدير المباشر للأسواق الإفريقية.. وأضاف أن مصر تمتلك ميزات جمركية وتنافسية كبيرة، خاصة فى ظل الرسوم الجمركية المفروضة من بعض الدول الكبرى مثل الولاياتالمتحدة على المنتجات الصينية. وأوضح أن كثيرًا من المستثمرين بدأوا فى البحث عن أسواق بديلة ذات تكلفة أقل، ومصر تُعد من أكثر الدول المؤهلة لجذب هذه الاستثمارات لما توفره من استقرار، وأيدى عاملة ماهرة، وأسواق قادرة على استيعاب الإنتاج. وختم «الشافعى» تصريحاته بالتأكيد على أن هذه المقومات مجتمعة، إلى جانب العوائد الإيجابية من أى استثمار يتم داخل الدولة المصرية، تجعل من قناة السويس فرصة استثمارية ضخمة على خريطة الاقتصاد العالمى.