الأحداث الأخيرة والتطورات الخطيرة علي الساحة تؤكد أن الأزمات صناعة مصرية حيث تأتي القرارات غير مدروسة والرؤية للمستقبل غائبة بدليل اتخاذ العديد من القرارات والرجوع عنها بعد ساعات قليلة .. وأبرز مثال علي ذلك قرار زيادة الضرائب الذي تم العدول عنه. أساتذة الإدارة والخبراء أكدوا أن التخبط أصبح سمة أساسية في قرارتنا والمواجهة الحاسمة غير موجودة.. وأن التعامل ببطء يؤدي إلي مشاكل لا نهاية لها وأن الاعتماد علي المسكنات والحلول المؤقتة يؤدي إلي الانفجار. أشاروا إلي أن التسلط في اتخاذ القرار وإهمال مصالح الوطن يؤدي لنتائج كارثية. طالبوا الرئيس والقوي السياسية بتحمل المسئولية للنجاة بالوطن وتنشئة اجيال جديدة قادرة علي التعامل مع الأزمات. * د. أسامة علما- أستاذ الإدارة بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية يري وجود أزمات في مسيرة مصر الحالية أمر طبيعي ولكن للأسف مواجهتنا لهذه الأزمات لا تعتمد علي الأسلوب العلمي ولا نمتلك أي خطط لتنفيذ برامجنا واهدافنا.. والدليل علي ذلك التضارب الحادث في العديد من القرارات والتراجع عنها وهو ما يؤكد أننا لم نقم بأي دراسة قبل اتخاذ القرار أو حتي امتلاك رؤية واضحة في التنفيذ ومثال ذلك قرار زيادة الضرائب الأخير ثم التراجع عنه مما يؤكد أننا لم ندرس الأمر جيداً.. فليس من الطبيعي ونحن مقبلون علي استفتاء شعبي أن يتخذ هذا القرار وتتم اثارة الناس وشحنهم ضد الدستور. ضرب مثالاً علي التخبط في القرارات بالاصرار علي إجراء الاستفتاء علي الدستور بالرغم من أن ذلك يكلف الدولة مئات الملايين من الجنيهات ورغم أننا يمكن أن نستغني عن ذلك من خلال دراسات للرأي العام نتبين من خلالها الاتجاه وعلي هذا الأساس تسير خطواتنا المستقبلية. أوضح أن علاج هذا الخلل الخطير في مواجهة الأزمات يستلزم أن نطبق الأسلوب العلمي في إدارة الدولة. فالوزارة الحالية حتي الآن في رأيي لا تعتمد علي الأسلوب العلمي ولم يشعر بها رجل الشارع أو يحس أن هناك تغراً حقيقياً إلي الأفضل .. ويجب أن نعي أن الإدارة الجيدة تعتمد علي التخطيط العلمي واستشارة أهل الخبرة وليس أهل الثقة بالاضافة إلي ضرورة ألا يكون هناك تسلط في اتخاذ القرار حتي نصل إلي أفضل الحلول. حصار الأزمات * د. مغاوري شحاتة رئيس حزب مصر القومي أكد أننا نشهد مرحلة غير منطقية في كل شئ نفتعل فيها الأزمات لتحاصرنا في العديد من القضايا وعلي كل المستويات فعلي سبيل المثال كان من المفروض من جماعة الاخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة بعد أن حصلا علي الأغلبية في انتخابات مجلس الشعب ومنصب رئيس الجمهورية أن يعملا علي إيجاد برنامج لتقدم مصر والانطلاق لبناء هذا الوطن من خلال أسس محددة تؤدي بنا إلي اقامة دولة عصرية وحديثة ومدنية ولكن هذا للأسف لم يحدث وتفرغنا للصراعات السياسية التي ليس لها ما يبررها. أشار إلي أن السبب وراء الكثير من الأزمات التي تحاصرنا تعود إلي أن النظام القائم أنصرف إلي أسلوب التمكين في كل شئ لكي يستمر في الحكم أكبر مدة ممكنة وأصبحت سياسة الاقصاء هي المسيطرة بدلاً من ساسة التكامل.. وأبرز مثال علي ذلك مسودة الدستور الحالي حيث سعي الاخوان إلي صياغة دستور يقوم علي الاقصاء والعزل للاخرين وايجاد تشريعات محددة تؤدي في النهاية إلي أن تكون مصر دولة دينية بهدف امتلاك لب هذا الوطن في الوقت الذي لم نبدأ فيه في اتخاذ اجراءات حقيقية للتنمية التي من أهم عناصرها التوافق علي ما تقوم به الدولة من مشروعات .. فليس منطقياً أن يعمل نصف المجتمع ويظل النصف الآخر يراقبه ويعارضه. أشار إلي أننا الذين نصنع الأزمات بأنفسنا وقد آن الآوان لكي يتحمل المسئول الأول في الدولة وهو الرئيس مرسي مسئوليته ويعيد ترتيب الأوراق ويحدد الاولويات ويحاول أن يحتوي الآخر احتواء ايجابياً من خلال دفعه للمشاركة في البناء وساعتها سيكون له الفضل الأول في تقدم مصر. استطرد قائلاً ورغم أن هذه المسئولية لرئيس الجمهورية إلا أن باقي القوي يجب أن تنظر إلي مصلحة مصر وعدم اصطناع الأزمات حتي تصبح مصر كبيرة في محيطها وحتي لا تذوب ويحتويها الآخر . * د. سمير نعيم أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس يؤكد عدم وجود هيئة أو إدارة متخصصة علي درجة عالية من الخبرة والكفاءة بحيث يمكنها إدارة الأزمات التي قد تنشب من خلال أسلوب علمي مدروس. أضاف أن الوضع الحالي الذي تعيشه مصر يبرهن علي سوء إدارة الأزمة بدليل أن الحكومة اعتادت إدارة الأزمات بنفس أسلوب المساومات السابقة مما أدي إلي الانقسام التي يعاني منها الشعب وسوء التصرف في مواجهتها مما يهدد أركان الدولة ويعصف بالأمن القومي. أشار إلي أن الأزمات الأخيرة أكدت أن اللجوء إلي استخدام العنف كوسيلة لمواجهة الأزمة أسلوب غير مناسب مما يؤكد ضرورة وجود إدارة متخصصة لايتوقف دورها علي إدارة الأزمة بل توقعها ووضع حلول مسبقة للتصدي لها فور وقوعها. طالب بوجود إدارة متخصصة داخل كل وزارة أو مؤسسة سواء سياسية أو اقتصادية وغيرها من المجالات لدرأ المشكلات قبل تتفاقم وتصل إلي مرحلة الكوارث. * د. عزة هيكل - الأستاذ بآداب القاهرة قالت المشكلة لدينا أننا نتعامل مع الأزمات بشكل عاطفي بعيداً عن الأسلوب العلمي بالإضافة إلي تصدي اشخاص غير مؤهلين ولايمتلكون الخبرة أو الرؤية للتعامل مع الأزمات التي تختلف أنواعها. أوضحت أن التعامل ببطء وهدوء مع الأزمات أسهم في زيادة حالة الغضب وزيادة حجم الأزمة وهو ما يعبر عن عدم ادراك بخطورتها والآثار السلبية لها وهو ما يتطلب سرعة المواجهة والحسم بدلاً من الأزمات المتكررة التي نعيشها منذ اندلاع ثورة 25 يناير .. ناهيك عن الأزمات التي ورثناها من نظام سابق أهمل التعليم والثقافة علي مدار 30 عاماً. قالت انني رغم هذه الأزمات إلا أنني أراهن علي جيل الشباب الذي هو أكثر وعياً وإلماماً بطبيعة الأزمة مقارنة بالاجيال السابقة.. صحيح أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لكن في النهاية هذا هو الجيل القادر علي مواجهة الأزمات بشرط أن نعطيه الفرصة ونتركه يمارس دوره حتي يتحقق التوازن المطلوب ولا نظل ندور في نطاق الكوارث والأزمات. * د. عصام نور- أستاذ إدارة الأزمات بجامعة القاهرة قال هناك فرق بين الأزمة والمشكلة والكارثة.. وحينما يخص الأزمة فهناك أزمات من صنع الطبيعة وأخري من صنع البشر ومواجهة ذلك تتطلب اتباع الأسلوب العلمي المتكامل لمواجهة الأزمة ووجود تفويض للمستويات الإدارية المختلفة للتعامل مع الأزمة وفقاً لمدي تغلفها وشدة تأثيرها في المجتمع. أضاف نشوب الأزمات يعود إلي سوء الفهم وعدم استيعاب المعلومات بدقة وسوء التقدير والتقييم والإدارة العشوائية.. والأخطر الرغبة في السيطرة من متخذ القرار لفرض سياسة أو توجه معين أو رغبة في استعراض القوة. أشار إلي أن عدم معالجة هذه الأسباب يؤدي إلي تطور الأزمة البسيطة لتصل لكارثة ومن الممكن أن تؤدي إلي وقوع صراعات مسلحة وخير دليل علي ذلك المشهد الحالي المتأزم. أوضح أن علم مواجهة الأزمات من العلوم الأساسية في كل دول العالم ولكن للأسف مصر متأخرة فيه بشكل كبير لأننا اعتدنا علي مدار 80 عاماً نعالج مشاكلنا بالمسكنات والحلول المؤقتة وبالتالي حدث تراكم أدي إلي الانفجار. أضاف أننا بعد الثورة والرغبة في التصحيح لابد من تنشئة اجيال قادرة علي التعامل مع المشاكل قبل أن تتحول إلي أزمة أو كارثة تهدد أركان ومقومات الدولة .. وتعليم الأجيال الجديدة الفرق بين الاختلاف والخلاف فالاختلاف هو أمر صحي أما الخلاف هو الذي يدمر ويصنع الأزمات.