أشاد علماء الدين بمبادرة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر لجمع الشمل بعد الخلافات علي الاعلان الدستوري الذي وضعه الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية والذي اثار جدلا كبيرا ما بين مؤيدين ومعارضين حتي وصلت الأمور لمرحلة خطيرة لم تحدث في تاريخ الوطن. طالب العلماء بضرورة الإنصات لصوت العقل حتي نعبر بالوطن إلي بر الأمان.. مؤكدين أنه لابد من توحيد الصفوف لبناء مصر الوطنية الديمقراطية الدستورية الحديثة. عبر العلماء من خلال هذه السطور عن تأييدهم ورفضهم للإعلان لكنهم أجمعوا علي ضرورة نبذ العصبية والالتفاف حول كلمة سواء بعيدا عن التنازع حتي لا تفشل الأهداف التي من أجلها قامت الثورة. يقول الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل وزارة الأوقاف الأسبق انه من المعلوم ان فترة الحكم الماضية قبل ثورة الشباب لها تأثير وأثر علي الحاكمين في هذه الأيام.. لذلك رأينا تطاولا علي شيخ الأزهر وهو الرجل القيمة والقامة والذي يمثل جامعة عريقة وجامعا لعلوم الدين والدنيا. في ظل كل هذه الأحداث تراجع دور المصلحين واختفي الحكماء خوفا من البطش بهم أو التنكيل بأسرهم.. وقد وصل الإخوان إلي سدة الحكم وتم اختيار الدكتور محمد مرسي رئيسا للدولة عن طريق الانتخاب الحر وكان المأمول في عهده أن يمد يد العون والتعاون مع كل أفراد المجتمع من خالفوه وعارضوه ومن عاونوه وساندوه لأنه بحكم الواقع اصبح هو الملاذ للأمة المصرية والمجتمع بأثره.. وهو رجل كما نعرف حافظ للقرآن الكريم وعلي درجة عالية من الفهم وبعد النظر.. والقرآن كما نقرأ فيه يأمر بالعفو والمسامحة والصبر علي من يتطاول علي الإنسان يقول ربنا جل جلاله: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين".. ويقول لحبيبه ومصطفاه سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وهو القدوة لنا: "ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقوولون فسبح بحمد ربك". ننظر هنا إلي قول الله: "ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون" لم يقل فانتقم منهم وإنما أمره بتسبيح الله لماذا؟ لنتذكر قدرة وعظمة الله وأنه سبحانه مع الحق يؤيده وينصره لهذا قال: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا" لذلك يجب علي الحاكم أن يعفو عمن ظلمه ويحسن إلي من أساء إليه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه. فلقد رأينا رسول الله صلي الله عليه وسلم يعفو عن أهل مكة وهم الذين رموه بالحجارة وشتموه وتآمروا علي قتله وجيشوا الجيوش وأعلنوا الحرب عليه مرارا وتكرارا وعندما هزمهم وفتج مكة ووقفوا أمامه قال عبارته الشهيرة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" لقد حفظها التاريخ ووعاها.. بل رأينا رجلا من الصحابة واسمه "حاطب ابن أبي بلتعة" يكتب إلي أهل مكة ليخبرهم بتحرك جيش المسلمين وقد أخبر الله حبيبه ومصطفاه وأطلعه علي هذا الفعل "وهي خيانة عظمي للوطن وإفشاء لأسرار دولة" ومع ذلك أرسل الرسول عليه الصلاة والسلام وصادر الخطاب قبل أن يصل إلي أهل مكة واستدعي الرسول "حاطب" وسأله لم فعلت ذلك؟ فغرر فعلته واعتذر وأراد عمر بن الخطاب أن يقتله لأنه خائن للأمة لكن الرسول عليه الصلاة والسلام بسعة صدره وحلمه عفا عنه وكان اثر ذلك عظيما علي الرجل الذي أخلص للقيادة وللدولة وأصبح يدافع عنها كأنها جزء من جسده. قال الشيخ عبيد: لقد قرأ الحاكم وقرأ المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" لذلك يجب أن نتمسك بأوامر الرسول ونمحو من قاموس حياتنا الكلمات التي تمزق الأمة وتجمع الكل تحت راية الحب لأنه ليس هناك أنجح من كلمة "تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم" أن نحب بعضنا ونتعاون سويا علي النهوض بمجتمعنا ونعلي شأن مصر ونعيد للأزهر دوره الرائد ونعيد صرح الأخلاق ليعود الأمن إلي مجتمعنا والسلام إلي أمتنا ولو عدنا إلي ذلك سيكون النصر في ركابنا ويتفجر الخير من تحت اقدامنا وتعلو راية الإسلام خفاقة. ينصح الشيخ عبيد القوي الثورية والتيارات السياسية والدينية المختلفة فيقول: "كفانا تعطيلا للعمل" و"كفانا وقفات احتجاجية".. أقيموا جسرا من الحوار والتفاهم مع مؤسسة الدولة وتنازلوا عن مصالحكم الشخصية واجعلوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار لأننا جميعا في سفينة واحدة إن لم يمسك المصلحون والعقلاء بدفتيها غرقنا جميعا في بحر النسيان.. وشمت فينا الصديق قبل العدو وضاعت كرامتنا إلي الأبد وصدق الله العظيم "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم" وقوله: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". العمل بحكمة وصمت أكد الدكتور أحمد محمود كريمة استاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن علماء الإسلام الحقيقيين لا المدعين في الأزهر الشريف يعملون بحكمة وصمت وإخلاص لدينهم ووطنهم.. انطلاقا من قول الله تعالي: " "فأصلحوا ذات بينكم" وقوله: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم".. وقوله سبحانه أيضا: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس". لا أدل علي ذلك من الجهود المبذولة من مشيخة الأزهر الشريف لجمع الشمل واقتراح وثائق توافقية ودعوة للحوار المجتمعي وهذا واضح في مواقف عديدة ومتنوعة لمشيخة الأزهر الشريف. أما في جامعة الأزهر فعلي الرغم من الإساءات الموجهة من تيارات التشدد والمغالاة ووصلات الردح والسباب والشتائم الموجهة من الناقمين الحاقدين ضد الأزهر الشريف فقد نأي العلماء وابتعدوا عن المهاترات والتزم معظمهم "الحيادية" لأن دور الأزهر علمي دعوي ثقافي وسطي وليس دورا سياسيا.. فعلي الرغم من الامكانات الإعلامية الضئيلة جدا التي يبخل بها الاعلام لدواع معروفة أو غير معروفة فإن القاعدة العريضة من الأزهريين في المحاضرات والندوات والحوارات ينادون باحسان الظن ووحدة الصف وعدم الخروج علي الحاكم وعدم إهانة ولي الأمر ويسعون جاهدين للتآلف المجتمعي بمنهج "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" وذلك دون كلل أو ملل.. والبيانات والمقالات بأيدي كبار العلماء في الأزهر الشريف بهيئاته تتواصل لرأب الصدع ولتقريب وجهات النظر. أوضح د. كريمة أن هذه الجهود غير معلومة للكافة لعدم الإعلام الملائم لذلك.. فلم يثبت علي عالم أزهري أنه دعا إلي عصبيات حزبية أو مذهبية أو تجريح أو تشهير أو انتقاص حتي من ينتمي منهم إلي تيارات مذهبية وهم قلة قليلة لكن عفة اللسان هي الخلق السائد في المجتمع الأزهري. قال د. كريمة إن الأزهريين يحاولون جاهدين اطفاء الحرائق المجتمعية بما لديهم من امكانات وهذا واضح وملموس وواقع لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.. ولا أدل علي ذلك من أن القوي السياسية تثق في حكمة الأزهر وأن شركاء الوطن من المسيحيين لديهم القناعة بأن الأزهر صمام الأمان لما يملكه من صحيح الإسلام. رجل رشيد يقول د. عبداالفتاح إدريس الأستاذ بجامعة الأزهر لقد قال الله سبحانه وتعالي علي لسان لوط عليه السلام "أليس منكم رجل رشيد" هذه المقولة قالها لوط عليه السلام حينما همّ قومه بإيذائه في ضيفه من الملائكة المكرمين وإن هذه الجموع التي أقامت في الميادين المختلفة لا تبغي إلا أمراً واحدا وهو تفويض بنيان هذا المجتمع. والسؤال الذي يرد إلي الذهن الآن.. هل المطلوب أن يعود الناس إلي مرحلة الصفر.. وهل مرحلة الصفر هذه من شأنها أن تحقق المكاسب التي من أجلها قامت الثورة.. الإجابة لدي الأسوياء بالنفي؟! التجاوب مع المبادرة يطالب الشيخ مرجان علي رزق من علماء الأزهر جميع الأحزاب والتيارات والرئاسة وأعضاء اللجنة التأسيسية بالتجاوب مع مبادرة الأزهر لجمع الشمل بعد أن وصلت الأمور لدرجة كبيرة من الخطر فهذا واجب وطني.. وعلي الجميع إعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح الحزبية الضيقة.