ناشد علماء الدين أهالي أطفال أسيوط الذين لقوا مصرعهم تحت عجلات القطار بالصبر وطالبوهم بالرضاء بقضاء الله والصبر علي البلاء. فالمؤمن القوي هو الذي يتحمل هذه المصيبة رغم مرارتها. طالب العلماء بتطبيق حدود الله في كل من تسبب في إذهاق أرواح هؤلاء الأطفال.. مؤكدين أن الإسلام دعا إلي حفظ النفس وجعله من الضروريات الخمس والمقاصد الضرورية الشرعية التي شرَّع لها أحكاماً كثيرة وهي حفظ النفس والأهل والمال والأرض والعرض. 1⁄4 يقول د.عبدالفتاح إدريس. أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر.. إنه من المعلوم أن الإسلام دعا إلي حفظ النفس.. وجعله من الضروريات الخمس أو المقاصد الضرورية الشرعية التي شرَّع لها أحكاماً كثيرة بجانب الأوامر أو النواهي التي يتحقق بها هذا المقصد.. ولأجل هذا فإن الإهمال الضارب في أوصال المجتمع وإن لم يكن وليد اليوم. فإن تداعياته أثرت عما نعلم.. ولذلك فلا ينبغي أن يعلم المسئول أن يسند إليه أمر في الدولة لأنه ذاهب للاستمتاع بمزايا الوظيفة. إنما يجب أن يعلم أن ما أسند إليه أمانة قبل أن يتحملها يوم أن أقسم اليمين الدستورية.. ولهذا فإن من لم يستشعر عظم هذه المسئولية فلا ينبغي أن يقبل تحمل هذه المسئولية من البداية. ولهذا كان الحق سبحانه وتعالي الذي خلق الإنسان. ويعلم حقيقته. يعلم أنه ظلوماً جهولاً. إذ قال سبحانه: "إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقنَ منها. وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً". أضاف أنه من المعلوم أن هذه الأزمة التي تفجعنا كل يوم بإسالة الدماء وإذهاق الأرواح التي لا يتصور أن تخلفها حرب ضروس بين هذه الدولة وبين دولة معادية لها.. هذه لا تستعصي علي الحل إذا قام كل مسئول بمقتضيات وظيفته التي تقبل تحملها يوم أقسم اليمين.. خاصة أن لهذه الدولة إمكانيات لا تقل عن إمكانيات دولة من الدول المماثلة لها في العالم.. ولكن الأزمة هي أزمة الثقافة المتردية التي ترسخت في نفوس المسئولين في هذه الدولة من أنه لا يعنيهم من أمر وظائفهم إلا جمع الغنائم فقط.. ولهذا فإنه من البداية يعتبر من العبث وتضييع الوقت في حقه إصلاح ما أفسده الآخرون ومحاولة وضع الأمور في نصابها الصحيح. ولهذا لا تفتأ وزارة أو تذهب لسبب أو آخر إلا ويأتي غيرها ليكرس هذا الإهمال وهذا الفساد وهذه الثقافة.. ولذلك فلا يجد أحد من أفراد المجتمع أي تغيير مهما تغيرت الحكومات وتغيرت الشخوص. قال د.إدريس إن هؤلاء الذين ذهبوا ضحية هذا الإهمال والاستهتار المتعمد قد ذهبوا لغاية نبيلة. فحسب أهلهم أنهم قدموهم ليحفظوا كتاب الله تعالي. فلم يتحقق لهم من هذه الأمنية الغالية إلا هذه الحسرة التي أسفرت عنها نكبة هذا الحادث.. ولا يغني هؤلاء المكلومون ما يقدمه هذا أو ذاك من مبالغ مالية. فإن النفس البشرية أسمي من كل مال. مهما زايد البعض علي البعض في هذا السبيل. فإن الثري الذي تطأه أقدام هذه الزهور اليانعة أعز علي أهلها من ملء الأرض ذهباً. أشار إلي أن هذا الحادث لا ينبغي أن يمر بسلام. كما حدث لمن أغرقتهم العبَّارة. وأحرقتهم القطارات. ودهستهم بعجلاتها.. لابد أن تكون هناك محاسبة دقيقة. وإن كنت أشك في ذلك كله. وقد عودتنا الجهات المسئولة أن الأمر يقدم له كبش فداء. ثم تذهب القضية وتذهب حقوق أصحابها إلي الهاوية.. ولكن تظل عدالة السماء هي أمل الجميع في الحصول علي هذه الحقوق الظائعة. رحم الله هذا الوفد الذي هو وفد الرحمن وألهم آلهم الصبر وأجزل لهم المثوبة علي مصابهم.. وجعل هؤلاء فرطاً لأهليهم يوم القيامة. قتل النفس 1⁄4 تقدم د.حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر في بداية حديثه بالدعاء الخالص لله رب العالمين أن يلهم ذوي هؤلاء الأطفال الصبر والسلوان.. وأن يجعل صبرهم في ميزان حسناتهم.. وأن يرحم هؤلاء الأطفال رحمة واسعة من عنده. ولكن كما يقول د.طه: يجب أن نقر جميعاً بأن الإهمال ضارب في كل مؤسسات الدولة بلا استثناء سواء قبل الثورة وبعدها.. ولقد تناسي السادة المسئولون أن الإهمال في قتل النفس البشرية قتل لها.. وأن علي كل مسئول مسئولية علي حسب ما هو فيه.. فتمهيد الطرق وسلامتها مسئول عنها ولي أمرها.. وليأخذوا من كلام سيدنا عمر حكمة الذي تحمل أمر الأمة وعلم أن الله سيسأله عنها وسيحاسبه عليها عندما قال: "لو تعثرت بغلة ببلاد العراق لسئل عنها عمر يوم القيامة.. لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر؟!".. فإذا كانت هذه البغلة التي تعثرت ولم تمت. فما بال المسئولين بالأنفس التي ذهقت دون ذنب منها. ولكن بسبب التسيب الضارب بأطنابه في جميع مؤسسات الدولة. وعدم تحمل المسئولية للأمانة التي كلفهم الله إياها. بداية من عامل المزلقان ومديره.. مروراً بمديري السكك الحديدية وانتهاء برئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. أشار د.طه إلي أن ما حدث قليل من كثير. فمازلنا يومياً نسمع عن حوادث هنا وهناك. أنفس تذهق.. وتناسي هؤلاء جميعاً أن النبي "صلي الله عليه وسلم" جعل من إماطة الأذي درجة من درجات الإيمان عندما قال: "الإيمان بضع وأربعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله. وأدناها إماطة الأذي عن الطريق". كما تناسي هؤلاء قول الله سبحانه وتعالي: "ومن أحياها فقد أحيا الناس جميعاً".. فلا يجوز بأي حال من الأحوال تقديم وزير استقالته. وإنما يجب أن يقدم كل مسئول في تلك القضية إلي ساحات القضاء. ويأخذ كل منهم جزاءه علي حسب إهماله في إذهاق تلك النفوس. وإلا فكل من ارتكب إثماً أو ضيع حقاً من حقوق هذا الشعب بتقديم استقالته وكأن لم يحدث هناك أمر فهذا قمة التسيب في الدولة قبل الثورة وبعد الثورة. كما يجب إعادة النظر في الطرقات المصرية فقد تفوقنا علي الصين في قتل الأرواح علي الطرق.. فإلي متي سيظل هذا؟!.. وهل سينصلح الأمر بتقديم وزير استقالته؟!.. أم أن هذا الشعب كتب عليه أن يعيش ذليلاً سواء في عهد الفراعنة أو غيرهم؟!! تساءل د.طه: أين العدالة.. ومتي سيعود للإنسان المصري كرامته كإنسان.. وهؤلاء الأطفال الذين قتلوا؟!.. فماذا يقول المسئولون عندما يسألون عنهم يوم القيامة؟!.. قال تعالي "وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت"؟!! أما هؤلاء الأطفال.. فجزاؤهم عند الله لأنهم لم يرتكبوا إثماً وخرجوا لتلقي العلم والنبي "صلي الله عليه وسلم" يقول: "من سلك سبيلاً يبتغي فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلي الجنة".. وهؤلاء طلاب علم.. والنبي "صلي الله عليه وسلم" يقول: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما يصنع". فعلي أهالي هؤلاء أن يصبروا ويحتسبوا. وليعلموا بأن أبناءهم وفلذات أكبادهم سبقوهم إلي الجنة. تحصيل العلم 1⁄4 الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل وزارة الأوقاف الأسبق يقول إن هؤلاء الأطفال ماتوا أبرياء وكانوا سائرين لتحصيل العلم بالإضافة إلي أنهم لم يبلغوا الحلم. وبالتالي فهم شهداء الدنيا لأنهم ماتوا آمنين بغير إهمال منهم.. بالإضافة إلي أنهم كانوا ذاهبين لمعهدهم الأزهري. الذي هو تعليم ديني. أهم ما يميزه شرط حفظ القرآن الكريم. فمنهم من لقي مصرعه وهو حافظ لكتاب الله أو نصفه أو ربعه أو أجزاء منه. يقول الشيخ عبيد لأهالي هؤلاء الأبرياء: احتسبوا أبناءكم شهداء عند الله وفي جنات الخلد وسوف يكونوا لكم شفعاء يوم القيامة.