فشلت جهود كل الحكومات والوزارات السابقة علي مدي عشرات السنين لحل مشكلة الخبز المدعم وتوفيره للمواطنين بطريقة يسهل معها حصولهم عليه. جربوا وضع مراقبين ومفتشين علي الأفران التي تأخذ الدقيق المدعم لضمان إنتاج هذا النوع من الخبز وحصول محدودي الدخل علي عدة أرغفة فاتفق المفتشون والمراقبون مع أصحاب المخابز ولم يذهب الخبز إلي مستحقيه. جربوا فصل الإنتاج عن التوزيع ومنعوا الأفران من بيعه وقرروا إنشاء أكشاك لبيعه بالسعر المدعم.. فاتفق أصحاب المخابز مع الباعة الحكوميين في الأكشاك وتلاعبوا في كميات الأرغفة المسلمة لهذه الأكشاك وأخذ موظفو الأكشاك من أصحاب الأفران ما فيه النصيب.. والنتيجة عدم توافر الخبز في الأكشاك. عادوا مرة أخري إلي بيع الخبز من الأفران فتكاثر المواطنون أمامها للحصول علي عدة أرغفة وامتدت طوابيرهم عشرات الأمتار وسقط جرحي وقتلي في هذه الطوابير نتيجة الخلاف علي من تكون له الأولوية في اقتناص عدة أرغفة له ولأسرته. النتيجة التي أسفرت عنها هذه الجهود هي اختفاء الخبز المدعم من السوق وظهور الخبز الطباقي.. وهو ليس "طباقي" ولا يحزنون بل رغيف عادي وأقل من العادي ومع ذلك فقد تدرج سعره من 25 قرشاً إلي 50 قرشاً .. والآن نشتريه بجنيه كامل!! أرأيتم كيف وصل بنا الحال إلي هذه الدرجة والعجز المزري عن حل هذه المشكلة من كل الحكومات السابقة.. ولا أقول الحكومة الحالية فقط؟! الآن.. خرج علينا الدكتور ممتاز السعيد وزير المالية باقتراح جديد لحل مشكلة الخبز المدعم في تصريح له نشرته صحيفة الأهرام أمس الأول. ماذا قال الوزير؟! قال إن الحكومة ملتزمة ببرنامج الرئيس لعلاج مشكلات الدعم خاصة فيما يتعلق بالخبز المدعم. مشيراً إلي أن دعم الخبز سيوجه إلي مرحلة التوزيع بدلاً من الإنتاج.. وسيتم بمقتضي ذلك تسليم الدقيق للمنتجين بالسعر الحر. وتسلم الخبز منهم بالسعر الحر لضمان عدم تسرب الدقيق المدعم للسوق السوداء. الوزير قال كلاماً مجملاً ومبهماً.. ولم يذكر لنا التفاصيل.. وعلينا ان نتخيل سيناريو تنفيذ هذه الفكرة. مثلاً لو كان سعر جوال الدقيق الحر مائة جنيه.. وينتج عدداً معيناً من الأرغفة.. فسيتم تسليمه للفرن بهذا السعر.. مع ترك نسبة للمخبز توازي مصاريف انتاجه من وقود وعمال وربح صاحب المخبز نفسه. وإلا لأغلق صاحب المخبز مخبزه وبحث عن عمل آخر يتكسب ويعيش منه. ثم نأتي للموزع.. فمن هو الموزع في هذه الحالة.. والمفروض انه سوف يبيع الرغيف الذي تكلف 20 أو 25 قرشاً بمبلغ خمسة قروش.. فهل هذا الموزع موظف حكومي أو صاحب كشك خاص؟! في كلتا الحالتين.. من يضمن ان هذا الموزع لن يسرب الخبز المدعم وعلي الأقل جزءاً منه لأصحاب مطاعم الفول والطعمية بخمسة قروش ويأخذ نصيبه من صاحب المطعم؟! ومن يضمن ان هذا الموزع لن يسلم جزءاً من هذا الخبز لباعة الخبز الطباقي ليبيعوه ب 25 أو 50 قرشاً ويأخذ نصيبه أيضاً من هؤلاء الباعة؟! ثم من يحدد المواطن الذي يستحق ان يشتري الخبز المدعم.. ومن يفرق بينه وبين المواطن الذي لا يستحق هذا الدعم؟! وأخيراً.. هل تلجأ الحكومة لبيع الخبز المدعم عن طريق بطاقات التموين وتحدد لكل فرد في البطاقة عدداً معيناً من الأرغفة للاستهلاك اليومي؟! الموضوع يحتاج إلي تفسير وشرح الطريقة التي أعلن عنها وزير المالية لتوجيه دعم الخبز إلي التوزيع وليس الإنتاج. فنحن شعب يركز كل ذكائه في التحايل علي النظم والقوانين إذا كان سيحقق من وراء ذلك مكسباً مادياً.. وكل المخالفات التي ارتكبت بعد الثورة شاهدة علي ذلك. نحن كمن يلبس ثوباً به "رقع".. وكلما رتقنا رقعة تفتقت فيه رقع أخري.. حتي انطبق علينا المثل القائل: "اتسع الخرق علي الراقع".