ما كنت أود الكتابة عن مشروع قانون ايجار المساكن الجديد. إلا ان المكالمات الهاتفية التي انهالت علي "المساء" دفعتني للكتابة في هذا الموضوع لسببين الأول ان هذا المشروع تضمن نصوصا أثارت غضب كثيرين سواء من الملاك أو المستأجرين. الثاني ان الاختلاف في الرأي لا يجب أن ينزلق بنا إلي السب أو التناول بألفاظ لا تليق ولا تتناسب مع كل من يتصدي لابداء رأيه في أي قضية من القضايا وليتنا ندرك الحكمة التي تتردد علي ألسنة أهل الفكر رأيي خطأ يحتمل الصواب ورأي غيري صواب يحتمل الخطأ وقد اثارتني تلك المكالمات تناولت قضية مشروع المساكن التي ناقشها الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ محمد فودة بموضوعية ومراعاة لكل من المالك والمستأجر وحذر من الاقدام علي طرد المستأجر لكن هذا التحذير أثار مشاعر بعض الملاك وتناولوا هذا التحذير بأسلوب لا يليق وعبثا حاولت ان يكون الحوار بعيدا عن الغضب أو الانحياز للرأي بتعصب وكلمات طائشة تخرج النقاش عن الموضوع الأساسي. أول المتحدثين من هؤلاء كان لحذف عبارات من الرأي الذي ابداه وسجله علي موقع المساء الالكتروني وقد كانت اللهحة التي يتحدث بها تتميز بالعصبية الشديدة ويصب جام غضبه علي المستأجرين الذين يستولون علي الشقق والوحدات السكنية. الأدهي انني عندما قلت ان العقد شريعة المتعاقدين إذ ان المالك وافق علي كل الشروط التي تضمنها العقد لكنه بادرني قائلا: ان الشيخ نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق قال ان قانون استئجار المساكن باطل وأكد اقتناعه بذلك ويتعين علي المسئول عن الموقع الالكتروني عدم حذف أي شيء من رأيي لكن لست ادري كيف يتطرق البطلان لعقد ارتضاه الطرفان وتم التوقيع علي قبول شروطة!! لم أكد انتهي من هذا المالك واسلوبه المستفز حتي تلقيت اتصالا آخر من مالك عبر عن ضيقه الشديد من المطالبة بالحياد في العلاقة بين الملاك والمستأجرين. انهالت كلماته الغاضبة علي المستأجرين الذين استقروا بهذه الوحدات السكنية وكأنهم امتلكوها وتركوا اصحاب العقارات المظلومين سنوات طويلة. يعانون ويتكبدون خسائر نتيجة تدني القيمة الايجارية كلام كثير وغضب وكأن هناك "تار بايت" بينه وبين المستأجرين كما كان غاضبا من التحذير بطرد المستأجر. وعبثا حاولت التحاور معه من أجل تحقيق التوازن بين الطرفين تحقيقا للعدالة لكنه أصر علي عناده. كل هذه المجادلات والحوارات غير المتكافئة دفعتني للكتابة في هذا المشروع الذي تضمن نصوصا كلها تنحاز للملاك دون تقدير لرسوخ واستقرار العلاقة بين الجانبين علي مدي سنوات طويلة مما يفتح الباب لاشعال فتنة الجميع في غني عنها خاصة في هذه الظروف التي تجتازها البلاد هذه الايام. من بين هذه النصوص ان الذي لديه مدخرات تصل إلي 150 ألف جنيه يجب أن يغادر الشقة أو المسكن الذي يتسأجره فورا وعندما حاولت مناقشة أحد الملاك بأن هذا المبلغ قد لا يساعد المستأجر في الحصول علي شقة تمليك. بادرني قائلا: يبحث عن شقة ملائمة. منطق غريب وأسلوب يفتح النار علي المستأجرين وكأنهم استولوا علي هذه الشقق بالقوة واغتصبوها عنوة من أصحابها. تساؤلات حائرة لم أجد لها اجابة لدي هؤلاء الملاك الذين تحاورت معهم. من أغرب ما سمعت من هؤلاء انهم عقدوا اكثر من اجتماع في "ساقية الصاوي" لتناول مشروع القانون وانهم ابتكروا إنشاء جمعية يتم تكوينها تتولي تحصيل 10% من القيمة الايجارية التي يحصل عليها الملاك من المستأجرين الجدد وذلك لتعويض المستأجر المطرود من مسكنه ومساعدته في الحصول علي شقة تناسبه. أسلوب في غاية الغرابة وقد شعرت بأن مشروع القانون قد اشعل نيران الحقد وحرك فتنة ما كان يجب اشعال نيرانها مطلقا سواء في هذه الفترة التي نحن في أشد الحاجة لوحدة الصف وتضافر الجهود لكي نجتاز الظروف الصعبة التي نعيشها وبالعربي "العملية مش ناقصة"!! نصوص متعددة جاءت في مشروع هذا القانون فجرت بركان الغضب بين اصحاب المساكن القديمة والعقود المفتوحة المدة طبقا للقانون القديم ومن الغريب ان هناك مادة في مشروع هذا القانون تبيح طرد المستأجر دون اعتبار لرسوخ العلاقة المستقرة علي مدي سنوات طويلة وبلا تقدير لظروف هؤلاء المستأجرين الذين يعانون من غلاء الاسعار ومشاكل الحياة وهموها فإذا بهم يفاجأون بمشروع قانون يبيح طرد المستأجر من مسكنه أية هموم هذه.. وناهيك عن منطق هؤلاء الذي يقطر حقدا وغضبا وكأن هؤلاء قد اغتالوا حقوق هؤلاء الملاك رغما عنهم. هذا المشروع العجيب يجب إعادة النظر فورا في بنوده وبصفة عاجلة وحذف تلك النصوص التي تجيز طرد المستأجر وكذلك البنود التي تتضمن اجحافا أو ظلما لكلا الطرفين سواء المالك أو المستأجر. من الضروي أن تعاد صياغة هذه المواد بصورة تتضمن تحقيق التوازن بين الطرفين وان تشتمل هذه النصوص علي ضمان الاستقرار للمستأجر وتعديل القيمة الايجارية بيما يتناسب مع ما حدث من ارتفاع بالمرتبات أن تكون القيمة محققة للعدالة بصورة ترضي الطرفين مع التركيز علي العدل بصفة اساسية. ان المشروع بصيغته الحالية يعتبر بمثابة قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت ولابد من نصوص أخري وليت الجميع يدرك ان هذه القضية شائكة ومعالجتها يجب ان تتم بأسلوب علمي وحذر بحيث تتم مراعاة كل الظروف والابعاد والحذر من المساس بالعلاقة بين الملاك والمستأجرين وضرورة العدل بحيث نحقق للمالك قيمة ايجارية بلا مغالاة وفي نفس اوقت نحقق الاستقرار والطمأنينة لكل الاطراف خاصة اننا في أشد الحاجة إلي معالجة هذه القضية بكياسة وحذر بعيدا عن أي مشاكل تثير القلق والزعزعة وكفانا هموما واثارة لنوازع الغضب. اعتقد انه قد حان الوقت لتعديل هذا المشروع المثير للقلق.