جاءت الأزمة التي شهدتها قرية الكرم بمحافظة المنيا، والتي تفجرت مع قيام العشرات بتعرية سيدة قبطية إثر شائعة عن إقامة نجلها علاقة غير شرعية مع زوجة مسلمة في إطار حلقات من التوتر الطائفي التي تطل برأسها من وقت لآخر. "المصريون" رصدت كيف تعامل رؤساء مصر مع الأزمات الطائفية! جمال عبد الناصر والانسجام التام مع الكنيسة بداية عصر الرئيس جمال عبد الناصر، شهدت العلاقة بينه وبين الأقباط انسجاما تامًا، واعتلى إبانها كرسي بابويتها البابا ''كيرلس السادس''، ففي 24 يوليو 1965 وضع جمال عبد الناصر حجر أساس الكاتدرائية الجديدة للأقباط، الذى أمر بصرف 100 ألف جنيه مساهمة من الدولة في البناء. وفي 25 يونيو 1968، قام ''عبد الناصر'' مع قداسة البابا بافتتاحها، وقد حضر الافتتاح الإمبراطور ''هيلا سلاسى'' إمبراطور أثيوبيا وممثلو مختلف الكنائس. السادات.. توتر ولي ذراع مع شنودة اختلف الحال تماما في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، حيث بدأت علاقات الأقباط برأس السلطة، يشوبها التوتر، بعد عدة حوادث فتنة طائفية خلال فترة حكمه، بداية من عام 1972، حينما أحرق بعض المسلمين مبنى تابعًا لجمعية مسيحية كان مجموعة من المسيحيين يحاولون بناء كنيسة على أنقاضه، وذلك في حي الخانكة بمحافظة القليوبية، بدون أي تصريح رسمي. وتكرر المشهد في منطقة الزاوية الحمراء في يونيو 1981 حين أعلن مسلمون عن حقهم في قطعة أرض اعتزم بعض الأقباط إقامة كنيسة عليها وتحول من شجار عادي بين الجيران إلى معركة مسلحة، ما أسفر عن مقتل 81 في تقديرات غير رسمية، و9 وفقًا للبيانات الحكومية. السادات تعامل مع هذه القضايا بنوع من الإنكار والحدة، وعلق آنذاك على حادث الزاوية بمقولته الشهيرة: "غسيل فى بلكونة مواطن نزلت منه ميه على غسيل فى بلكونة مواطن اللى تحتيه والظاهر أنها ميه مش ولا بد يعنى.. بس تتحول لشائعات مؤسفة ويترتب عليها أحداث تتصور للعالم أن فى مصر فتنة طائفية". وتابع: "فى ناس بينفخوا فى النار وبيستخدموا الولاد الشبان الصغيرين وقود للنار دى.. أنا بحذرهم جميعاً وبقولهم إن الديمقراطية لها أنياب وتقدر تحافظ على نفسها". تعامل السادات مع الأزمات بحدية جعل هناك صدامًا مع البابا شنودة، خاصة بعد إعلان البابا قراره الذي قال فيه: "لن تراني الشمس آكلا أو شاربا حتى تحل المشكلة"، وغضب السادات ورد: "شنودة يريد أن يلوى ذراعي، ولن أسمح له أن يفعل ذلك". واستمر الصدام واستشاط السادات غضبا من احتجاجات أقباط المهجر ضده أثناء زيارته للولايات المتحدة، ما دفعه لإلقاء كلمة تحت قبة البرلمان قال فيها: "أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة"، وتحدث بنبرة صدامية غاضبة. وكان الصدام على أشده على خلفية رفض البابا الاعتراف بمعاهدة السلام التي وقعها السادات مع إسرائيل في 1979، ورفضه مرافقة الرئيس في زيارته للقدس، وتفاقم الأمر فوصل ل''عزل'' البابا شنودة، ونفيه للإسكندرية فيما عُرف ب''اعتقالات سبتمبر''، ولم يعد إلا بعد أيام قليلة من اغتيال السادات. مبارك يتنصل ويسند الملف لأمن الدولة الرئيس الأسبق حسني مبارك أراد أن يتنصل من المسئولية المباشرة وأسند الملف برمته لجهاز أمن الدولة، بعد أن تكررت الحوادث بشكل غير مسبوق، والذي أصاب العلاقة مع الأقباط بالفتور، واكتفى مبارك بالحلول الأمنية دون غيرها، بل وتجاهل حتى التعليق على الحوادث المتواترة خلال فترة حكمه. وقدر مراقبون حوادث العنف بين الأقباط والمسلمين في عهد مبارك حتى يناير 2010 ب53 حادثًا في السنة، أي بمعدل حادث كل أسبوع، توزعت بين 17 محافظة من أصل 29، وتراوحت بين حادث واحد مثل محافظة الشرقية وبين 21 حادثا في محافظة المنيا. ومن أكثر الحوادث إثارة ما شهدته قرية الكشح في ديسمبر 1999، التابعة لمحافظة سوهاج في صعيد مصر، حيث أدت الاشتباكات بين مسلمين ومسيحيين لسقوط21 قتيلًا معظمهم من المسيحيين، فيما أصيب 33 آخرون بجروح. وتم إحراق عشرات المنازل والمحال التجارية، نتيجة خلافات تجارية بين مسلم ومسيحي، بينما تقول الرواية المسيحية إن التوتر الطائفي في القرية كان متصاعدًا منذ عام نتيجة قيام الشرطة باحتجاز 1000 مسيحي وتعذيبهم أثناء تحقيقات. وآخر الحوادث في عهد مبارك كان حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية في ديسمبر 2010 عشية احتفالات رأس السنة، مخلفًا ما لا يقل عن 23 قتيلا. المجلس العسكري العصر الأكثر حدة ودموية شهد عهد المجلس العسكري في أعقاب ثورة 25 يناير، أكثر من حادثة جعلته الأكثر حدة ودموية، بداية من أحداث ماسبيرو الشهيرة في أكتوبر 2011، التي تم فيها الاعتداء على تظاهرة لأقباط في منطقة ماسبيرو للاحتجاج على هدم بناية يصر المسيحيون على أنها كنيسة في أسوان من قبل قوات الأمن والجيش، أدت إلى مقتل 26 قتيلًا وإصابة حوالي 343 آخرين. وأعقبها حادث فتنة إمبابة بين مسلمين وأقباط على خلفية هروب فتاة قبطية مع شاب مسلم للزواج منه، وراح ضحيتها 12 قتيلاً وقرابة 250 مصابا، وحرق كنيسة السيدة العذراء بإمبابة. وكلف المجلس العسكري حكومة عصام شرف آنذاك، بتشكيل لجنة "العدالة الوطنية بمجلس الوزراء" لصد محاولات الفتن الطائفية ولتهدئة الغضب القبطي، وتم تكليف اللجنة بإعداد مشروع قانون يجرم كل أنواع التمييز بين كل المواطنين المصريين عملا بنصوص المواد الواردة في الإعلان الدستوري، وذلك لضمانة حقوق وحريات الجميع وتكليف هذه اللجنة بدراسة مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة، وبموافاة رئاسة مجلس الوزراء بنتائج التحقيقات في أحداث الفتنة الطائفية في كنيسة القديسين بالإسكندرية، وكنيسة صول بأطفيح، والمقطم، وقرية البدرمان بالمنيا، وأحداث أبو قرقاص، وإمبابة؛ والإعلان عنها دون الإخلال بسرية التحقيقات، وترميم وبناء كنيسة السيدة العذراء بشارع الوحدة في إمبابة، ومطرانية مغاغة والعِدوة بالمنيا. الاعتداء على الكاتدرائية.. الأبرز في عهد مرسي الرئيس الأسبق محمد مرسي، لم يستمر إلا عامًا واحدًا، ولأنه محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، والتيار الإسلامي، كانت العلاقة بين الأقباط وبينه يشوبها بعض الفتور على الرغم من محاولاته طمأنة الأقباط ووعدهم بتغيير الأمور. وتصاعد الموقف بشكل كبير بعد جريمة الخصوص وسقوط عدد من الأقباط ضحايا اعتداءات عدد من المجهولين عليهم، ثم الاعتداء على الكاتدرائية لأول مرة منذ تأسيسها، وقام مرسي بالاتصال بالبابا تواضروس يؤكد فيه أن الاعتداء على الكاتدرائية هو اعتداء عليه شخصيا، دون أن يتخذ إجراءات محددة. السيسي.. علاقات أكثر دفئًا مع الأقباط "أعتذر لكم واللي اتكسر يتصلح.. لم ننس للأقباط أو لقداسة البابا الموقف الوطني العظيم والمشرف خلال الفترة السابقة".. كانت تلك أولى تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي لجموع الأقباط المحتفلين داخل الكاتدرائية وسط تصفيق حاد. واعتذر عما تعرضت له الكنائس من تدمير وإحراق خلال الفترة الماضية، مؤكدًا أنه سيتم ترميمها جميعًا خلال الفترة المقبلة، مضيفًا: "لن يوجد بيت واحد من بيوتكم ولا كنيسة لم يتم إصلاحها"، مشددًا على أن هذا ليس تفضلًا على الأقباط ولكنه حق". وحرص السيسي على تأسيس علاقات أكثر دفئًا مع الأقباط، منذ صعوده على رأس السلطة، حيث بادر بحضور احتفالات الأقباط بعيدي الميلاد والقيامة عدة مرات. وتعليقا على الحادثة الأخيرة في المنيا، قالت رئاسة الجمهورية، في بيان، اليوم الخميس، إن الرئاسة تتابع باهتمام بالغ الإجراءات المُتخذة حيال الأحداث المؤسفة، التي شهدتها إحدى قرى محافظة المنيا في أبوقرقاص. وذكر البيان أن الرئيس عبدالفتاح السيسي أصدر توجيهاته لكل الأجهزة المعنية بالدولة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لحفظ النظام العام وحماية الأرواح والممتلكات في إطار سيادة القانون، ومحاسبة المتسببين في هذه الأحداث وإحالتهم للسلطات القضائية المختصة، كما وجه محافظ المنيا بالتنسيق مع القوات المسلحة لمتابعة إعادة إصلاح وتأهيل كل المنشآت المتضررة جراء هذه الأحداث خلال شهر من تاريخ اليوم مع تحمّل الدولة كل النفقات اللازمة. وتابع: "يؤكد رئيس الجمهورية أن مثل هذه الوقائع المثيرة للأسف لا تُعبر بأى حال من الأحوال عن طبائع وتقاليد الشعب المصرى العريقة، والذى أسس الحضارة البشرية وحارب من أجل نشر السلام والذى اتحد نسيجه على مدار التاريخ، فباتت وحدة المصريين وتوحدهم واصطفافهم الوطنى نموذجاً يُحتذى به للعبقرية الوطنية وضامنا حقيقياً لبقاء وطننا العزيز، كما ستظل المرأة المصرية العظيمة نموذجاً للتضحية والعمل من أجل رفعة مصرنا الغالية وستبقى حقوقها وصيانة كرامتها التزامًا علينا إنسانيًا ووطنيًا قبل أن يكون قانونيًا ودستوريًا".