رئيس جديد.. وبابا جديد.. هكذا تحالف القدر مع ثورة 25 يناير ليرسم علاقة جديدة لم تتشكل ملامحها بعد لاسيما أن العلاقة بين البابا والرئيس تباينت علي مر العصور. اتسمت بالهدوء والاستقرار في عهد عبد الناصر بينما اشتعلت أيام السادات.. واتخذت طابعا اتسم بالسكون طوال حكم مبارك.. لكن السؤال هنا كيف تكون العلاقة بين الرئيس مرسي والبابا118 علامات استفهام عديدة تطرح نفسها في توقيت صعب.. في هذا التحقيق نحاول أن نقرا صفحات الماضي لنرسم مشهد المستقبل بداية يري سليمان شفيق الباحث في الشئون القبطية والصحفي أن المناخ الوطني هو الذي حدد العلاقة بين الرئيس والبابا علي مدي السنوات الماضية وعلي اختلاف الرؤساء, فالمناخ الذي عاشته مصر في ثورة يوليو عام1952 فرض علاقة وطنية بين جمال عبد الناصر والانبا كيرولس السادس بطريريك الكنيسة وقتها. وكانت الظروف السياسية والاجتماعية هي التي تفرض دائما الشروط الموضوعية لهذةهالعلاقة, فمصر في ثورة يوليو كانت تعيش حركة تحرر ثوري وكان الهم الاكبر تحرير الارض وتنفيذ المشروع الوطني التحرري والذي أدي لعدم ظهور أي صدامات او فتن طائفية في الافق بل علي العكس قامت الكنيسة بدور كبير مع الدولة المصرية من أجل تحرير الارض واختلطت وقتها دماء المواطن المصري سواء كان مسلما أو مسيحا في كل المعارك التي خاضوها بداية من حرب1956 وصولا لحرب1973 واستمر ت العلاقة علي هذا الحال من الاستقرار بعد تولي الرئيس السادات للسلطة بل كانت المفاجأة بارتياحه لاختيار البابا شنودة عام1971 لكن سرعان ماتغير الموقف باختلاف الظروف والشروط بعد ذلك التاريخ وخصوصا مع الانفتاح الاقتصادي وصعود المد الديني الاسلامي والمسيحي بالاضافة الي وجود العوامل الخارجية سواء الامريكية أو الاسرائيلية والذي أدي الي توتر العلاقة و الصدام بين السادات والبابا شنودة والذي نتج عن احتجاز البابا في صحراء وادي النطرون بالدير هناك عام1980 وبعد ذلك الصدام خرج البابا شنودة الثالث من الاحتجاز محاولا تحقيق معادلة بينه وبين الرئيس السابق حسني مبارك وهي أن يحكم مبارك مصر بمباركة من البابا وان يحكم البابا المسيحيين من خلال الكنيسة بمباركة من مبارك. ويري شفيق أن هذ المعادلة بين البابا والرئيس إنكسرت بأحداث ثورة25 يناير حيث خرج المسيحيون بالكنيسة للوطن وأصبح الهم الوطني هو الهم الاول لدي الثوار الاقباط. وأوضح شفيق ان العلاقة بين البابا الجديد والرئيس الحالي ستحددها ثلاث قوي رئيسية هي القوي المتشددة من الجهاديين التكفيريين وهي القوي التي ستحدد برد فعلها موقفهم من غير المسلمين, ومن ثم هذه الجماعة هي أول جماعة ستؤثر علي علاقة البابا بالرئيس أو علي عمل البابا بالسياسة. أما القوي الثانية التي ستؤثر في شكل العلاقة هم الوطنيون الثورون الاقباط وذلك من خلال موقفهم الوطني ضد التعصب والطائفية. أما القوة الثالثة هي الحرس القديم بالكنيسة والذين استفادوا وتربوا وتعايشوا من الاحتقان الطائفي. ويضاف الي كل تلك المؤثرات من القوي أن موقف الرئيس وكيفية إدارته لمشاكل الوطن بشكل عام والاقباط بصفة خاصة هي التي ستلعب الدور الاكبر في رسم شكل العلاقة بين الرئيس والبابا. وعلي جانب أخر تؤكد جورجيت قليني عضوة مجلس الشعب الاسابق أن الكينسة هي أقدم مؤسسة مصرية ولديها قواعد مستقرة منذ نشأتها عام68 ميلادي وتعاملت طوال ال2000 عام الماضية مع سلطات مختلفة فيها الصالح والطالح إلا أن الكنيسة في كل الاجواء تصرفت بحكمة وقواعد وأسس, فمبادئ الكنيسة نشر المحبة والسلام وتتلي بها صلوات معينة تدعوللبلد وتسمي صلاة الطلبة. ونطلب من ربنا فيها أن يحافظ علي مصر والنيل وان يظل علي خيره وعلي الاراضي المصرية, كما ندعو أن يساعد الحاكم العادل ويمنحة الحكمة وهناك مقولة مأثورة يد الله علي قلب الحاكم, ولها موقف بين الانبا كيرولس وعبدالناصر حينما وضع البابا يدة علي قلب الرئيس وقال أضع يدي علي يد اللة, ويد الله علي قلب الحاكم لتؤازره وتقويه وتجعله عادل وتعطية القدرة علي النجاح وتؤكد قليني أن الكنيسة مؤسسة مصرية ولكنها حينما تواجه عداء معينا ضد المسيحيين أو تستشعر القلق من التمييز وعدم المساواة فيكون للكنيسة موقف ورد فعل, وتؤكد قليني أن أهم شئ لتوطيد أواصر العلاقة بين البابا والرئيس هو أن يتصرف الرئيس علي أنه رئيس لكل المصريين ويكون علي مسافة واحدة بينهم وعلي نفس القدر وبهذا يستحيل أن تحدث مشاكل وسيتم تطبيق القانون علي الجميع وعن شكل العلاقة بين عبدالناصر والبابا يؤكد كمال أحمد عضو مجلس الشعب الاسبق ان فترة حكم جمال عبدالناصر تميزت بخلوها من النزاعات الدينية الطائفية أو الصراع والحدة وتعايش المصريين مع بعضهم علي أنهم أبناء وطن واحد والمعايير التي كانت تحكمهم هي العدالة والكفاءة وفي ذلك العهد كان يتميز بالتلاحم بين الاديان والحاكم والعلاقة كانت وثيقة بين البابا وعبدالناصر مع حرص من الجهتين علي استمرارها وخير مثال مافعله الرئيس مع البابا كيرولس عندما طلب الموافقة علي بناء كاتدرائية العباسية وإمعانا من عبدالناصر للموافقة علي طلب البابا جعل أولاده يتبرعون بمدخراتهم الخاصة وفتحوا( حصالاتهم) من أجل التبرع في بناء الكاتدرائية الدكتور نبيل عبدالفتاح الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فيؤكد أن الرئيس السادات كان ضمن المجموعة التي تميل الي إختيار البابا شنودة ليصبح بطريريكا للاقباط الارثوذكسي وذلك لعديد من الاعتبارات منها أن الانبا شنودة يملك شعبية واسعة لدي المواطنين الاقباط بالاضافة الي أنه كان جزءا من تركيبة التيار الوطني التقليدي داخل المؤسسة الدينية ويزيد علي هذا أن البابا شنودة سبق وأدي تجنيده في القوات المسلحة ثم عمل بالصحافة لفترة, وهذه التركيبة للبابا تنم عن إنغماسه في الثقافة المصرية وكيفية التعامل معها وبهذة المقومات لدي البابا شنودة لة القدرة علي التعامل مع منظومة الدولة ومعرفة أساليب عملها والذي تميز به عن غير من المرشحين المنتمين الي الرأسمالية القبطية والذين ربطتهم علاقات وثيقة مع مجلس الكنائس العالمي آنذاك. ويؤكد عبدالفتاح الي ان النظام المصري في عهد السادات رأي أن الدور الذي لعبه مجلس الكنائس العالمي في الستينيات والسبعينيات كان بمثابة أداة للسياسة الخارجية للدول الغربية وتحديدا ألمانيا والولايات المتحدةالامريكية, وهذا أمر تنافي مع السياسة الخارجية المصرية في المرحلة الناصرية والساداتية ولهذا كله كان البابا شنودة أقرب الشخصيات الي نظام السادات لفترة من الزمن لان هذا الترحيب والتوافق مع البابا لم يدم, لان هذا الاختيار المحافظ للبابا لم يستطع أن يلمح أن البطريريك الجديد لديه العديد من التطورات وحول ضرورة إعادة النظر في علاقة العلمانيين الاقباط وهم المدنيون وخصوصا أن المرحلة الشبه ليبراليه في مصر شهدت دور متعاظما وبارز المدنيين الاقباط في تسيير أمور المؤسسة الدينية الارثوذكسية من وضع للميزانيات وطرق صرفها والرقابة عليها فكان غالب العمل من أبناء الطبقة السياسية الحاكمة والاثرياء الاقباط وأدي ذلك الي تأثيرهم الكبير علي مسار العمل بالكنيسة الارثوذكسية خارج نطاق عملها الروحي بحيث أن المجلس الملي نفسه لم يكن له أي تأثير في إطار دوره المحدود ولهذا كان البابا له موقف ومن هنا بدء الصراع بين البابا شنودة والنظام المصري حيث استطاع شنودة أن يوحد الكنيسة والمواطنين الاقباط والمسيحيون عموما في مواجهة معركة مع الرئيس السادات خاصة في ظل ضعف وتهميش الدولة والرئيس للنخبة المدنية القبطية وعدم قدرتهم عن التعبير عن تطلاعاتهم. ويؤكد عبدالفتاح أن أول ملامح الصراع حادثة الخانكة الشهيرة والتي شكلت أول أزمة طائفية في عهد السادات التي أخذ علي إثرها بردود أفعال صارمة وشديدة الوطأة بالنسبة للادراك السياسي للرئيس إزاء دور الكنيسة في الحياة العامة, مما أدي الي تظاهر العديد من رجال الدين والاساقفة الاقباط في موقع الحادث الامر الذي ترتب علية مخاطبة السادات للبرلمان وتشكيل لجنة تقصي حقائق لبحث أسباب الازمة وتم تشكيل اللجنة من عدة شخصيات برئاسة الدكتور جمال العطيفي والذين أعدوا تقريرا بالغ الاهمية رصدت فيه طبيعة المشكلات التي يعاني الاقباط منها التمييز وعدم العدالة بالاضافة الي القيود المفروضة علي بناء وترميم دور العبادة المسيحية بالاضافة الي مشكلات إخري رصدها التقرير. ويري عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ المعاصر الاقتصادي والاجتماعي والعميد السابق لكلية الاداب جامعة حلوان أن مبارك لم يتدخل من قريب أوبعيد في شئون الكنيسة علي عكس مافعل السادات والذي قام بعزل البابا وبهذ العزل قد تجاوز دور الرئاسة لانة جرت العادة منذ دستور1923 أن أصحاب المناصب الدينية أمثال شيخ الازهر وبطريرك الاقباط لايعزلون ولايستبدلون الا إذا طلب صاحب المنصب الاعفاء لظروف صحية ويؤكد الدسوقي أن عهد مبارك لم ير أ ي شبه خلاف بين الرئاسة والكنيسة وكانت الاخيرة تحرص عن البعد علي السياسة وفي نفس الوقت تحرص علي أن تربط بين فصيل الشعب القبطي بالكنيسة بحيث تصبح هي قبلته وليس الدولة بحيث أن أية مشكلة تواجه الاقباط يتم اللجوء فيها للكنيسة.