منذ تنحى الرئيس السابق وتخويف المصريين أصبح سياسة مستمرة,هى أقرب للفزاعات التى تلقى يوميا فى وجه المواطنين الغلابة,بداية من فزاعة الانفلات الأمنى وانتشار البلطجية,مرورا بفزاعة انهيار الاقتصاد بسبب الثورة المستمرة فى الميدان ثم فزاعة الخارج المتربص بنا الذى لايريد مساعدتنا بسبب الفوضى المستمرة فى بلادنا,لعل آخر تلك الفزاعات ماقامت به وسائل الإعلام الرسمية والخاصة وبعض القوى السياسية والأحزاب والائتلافات المصنوعة والمحسوبة على المجلس العسكرى, عندما جرى تخويف المصريين من النزول يوم 25يناير الماضى,بحجة أن السلطة رصدت ما يؤكد وقوع أعمال إرهابية وبلطجية واقتحام لمنشآت مملوكة للدولة مثل مبنى الإذاعة والتليفزيون ووزارتى الداخلية والدفاع. وقد سرت حالة من الخوف والهلع الشديدين عند غالبية المواطنين,وتعطلت مصالح العباد,وبات الجميع فى انتظار ما سوف يقع فى هذا اليوم,حتى إننى لمست هذا الفزع لدى بعض الشخصيات العامة السياسية والإعلامية والاقتصادية بعد أن رفع الجميع شعار ربنا يستر,المفاجأة أن اليوم ظهر كأجمل ما تكون الأيام ولم يستجب المصريون لتلك الفزاعات ونزلوا ميدان التحرير ومختلف ميادين الجمهورية,وسقطت الأكاذيب والفزاعات التى سادت الفترة الأخيرة قبل حلول الذكرى الأولى للثورة. وقد اخترت التوقف أمام الفزاعة الاقتصادية التى ما إن أعلن الرئيس السابق تنحيه إلا وجرى إطلاقها,حيث تستحق تلك الفزاعة مزيدًا من التحليل لأكثر من سبب مثل أنها الأكثر استمرارًا مقارنة ببقية الفزاعات حيث انطلقت تلك الفزاعة عقب ظهور ماعرف بالاضرابات الفئوية ولم تتوقف منذ إطلاقها حتى الآن رغم خفوت فزاعات أخرى مثل الفزاعة الأمنية,وإذا جرى تأمل الفزاعة الاقتصادية فإننا يمكننا ملاحظة مايلى: 1-الفزاعة الاقتصادية ظهرت فى عهد الحكومات الأربعة التى أعقبت ثورة يناير,وقد حرصت كل حكومة جديدة قبل حلف اليمين التأكيد على قرب حدوث الانهيار الاقتصادى,جرى ذلك فى حكومات شفيق وشرف (الأولى والثانية) والجنزورى دون أن يسأل أى من رؤساء تلك الحكومات نفسه عن دوره الذى يجب أن يفعله لتحسين أحوال الاقتصاد,والذى وإن كان سيئا,فمن أجل هذا جرى تكليفه بتشكيل الحكومة. 2- جميع الفزاعات التى جرى إطلاقها على المصريين منذ الثورة تحمل فى ظلها عبارة الرئيس السابق قبل التنحى:(أنا أو الفوضى) فكان يجب تأكيد تلك المقولة فظهرت الفوضى الأمنية والفوضى السياسية والفوضى الاقتصادية والأخيرة ظهرت فور تنحى مبارك مباشرة. 3-إذا حصرنا الفزاعات فى ثلاثة أنواع (أمنية وسياسية واقتصادية) فإن السلطة التى أدارت البلاد منذ تنحى رأس النظام السابق وحتى الآن قامت بعقد أكثر من لقاء شمل كبار المتخصصين والنخب وذلك لإيجاد حلول ومخارج للفزاعتين السياسية والأمنية باستثناء الفزاعة الاقتصادية,فلم تضبط الحكومة أو المجلس العسكرى مرة واحدة وقد دعيا إلى عقد مؤتمر (أو لقاء) اقتصادى موسع (أو مصغر) لمناقشة الأزمة الاقتصادية وتداعياتها وأسبابها ثم انتهاء بروشتة العلاج وكيفية الخروج منها,ورغم أن المسألة الاقتصادية شغلت حيزا كبيرا من اهتمام النخب وعبروا عن اقتراحاتهم عبر مختلف وسائل الإعلام إلا أن اهتماما من الحكومات المتعاقبة أو العسكرى لم نجده,مما يطرح مزيدا من علامات الاستفهام. إذا انتهيت من قراء الملاحظات الثلاث السابقة فإن السؤال الذى ينبغى الإجابة عنه الآن هو:هل أحوالنا الاقتصادية سيئة إلى هذه الدرجة؟..وهل نحن مقبلون على كارثة ثم هل المخرج الوحيد هو الاعتماد على القروض الخارجية بحجة أن حجم اقتراضنا مقارنة بإجمالى الناتج المحلى ضئيل؟. بداية يجب التأكيد بأن الثورة لم تكن يومًا ما سببًا فى سوء الحالة الاقتصادية,وسبب ذلك أن الثوار لم يتولوا السلطة حتى يمكنهم التأثير سلبا أو إيجابا بقرارتهم فى الحالة الاقتصادية ثم –ثانيا- إن الحالة الاقتصادية المصرية لم تكن على هذا النحو من الكمال والازدهار فى عهد النظام السابق بل عانى الاقتصاد مشكلات مزمنة من عجز دائم ومتزايد فى ميزان المدفوعات مع ارتفاع المديونية الداخلية,ثم هاتوا لنا بلدًا فى العالم جرت فيه ثورة ولم يضطرب أو يتأثر اقتصاده,وإذا افترضنا جدلا أن اقتصادنا عانى مشكلات بعد الثورة (وهذا غير صحيح بسبب الثورة) فهل لايستحق إسقاط رأس النظام السابق تلك التضحية؟. سؤال أخير:هل جرى التراجع فى كل القطاعات الاقتصادية؟..المفاجأة أن القطاع السياحى هو الوحيد الذى تراجعت إيراداته بنسبة 30% أى خسر ماقيمته 3.6مليار دولار لكن فى نفس هذا العام حدث الآتى: 1-زادت تحويلات المصريين العاملين فى الخارج بمقدار 30% فارتفعت من 9.6مليار دولار إلى12.5مليار دولار. 2-زادت عائدات قناة السويس من 4.8مليار دولار إلى 5.6مليار دولار. 3-زاد حجم الصادرات للخارج بمقدار 4مليار دولار (من 106 إلى 130مليار جنيه) 4-فى العام الأخير الذى قامت فيه الثورة زادت إيرادات وزارة المالية من الضرائب بمقدار 40مليار جنيه. خلاصة القول:نعم حدث اضطراب فى أحوال الاقتصاد المصرى مثلما يجرى فى أى بلد اندلعت فيه ثورة شعبية لكن لم (ينهار) اقتصادنا أو يتأثر بتلك الصورة التى يصدرونها لنا خاصة أن الاقتصاد المصرى ممتلئ بالتشوهات التى تحتاج علاجا جريئا..فقط ارحموا الثورة التى لو كانت قد تأخرت قليلا لكانت مصر قد اختفت من فوق خريطة العالم بعد أن سيطرت عليها تلك العصابة. [email protected]