حين فتح المسلمون القدس عام636م كان هذا الفتح إيذانًا بهزيمة الدولة البيزنطية وإيذانًا بطى صفحة الغرب(الرومانى والإغريقى) تمامًا فى سيطرته على الشرق تلك السيطرة التى استمرت قرابة عشرة قرون من القرن الرابع حتى القرن السادس الميلادى .. الغرب كان يدرك هذه الحقيقة تمامًا وهو ينطلق أول انطلاقاته ثانية نحو الشرق حيث بدأ من القدس كان ذلك فى حقبة الغزوة الصليبية (1099م) .. بعد ثمانية وثمانين عامًا من الاحتلال الذى كاد أن يتحول إلى (واقع مليء بالعجب) كما يقال الآن على ألسنة بعض القادة العرب.. استردها صلاح الدين وأوضح فى رسالته الشهيرة إلى (ريتشارد قلب الأسد) أن هذا الاحتلال كان شيئًا عرضيًا .. (ولن يمكنكم الله من أن تشيدوا حجرًا واحدًا فى هذه الأرض طالما استمر الجهاد). لم يستمر الجهاد.. وانتهى الأمر بسايكس الإنجليزى إلى عقد اتفاق مع بيكو الفرنسى عام 1916م _هذا الشهر تمر مائة عام على سايكس بيكو_ وتم تقسيم الشرق كله بدقة متناهية.. ويدخل الجنرال (اللنبى) القدس قائلاً (اليوم انتهت الحروب الصليبية) بعدها بثلاثة أعوام يدخل الجنرال( جورو) الفرنسى دمشق ويذهب إلى قبر صلاح الدين قائلاً له بعد رقدته فيه بسبعمائة وسبعه وعشرين عامًا: (ها قد عدنا يا صلاح الدين ) وتكتمل القسمة بغرس اليهود فى قلب الشرق ويقيمون تمثالاً لسايكس فى بلدته بمقاطعة يوركشاير مكتوبًا عليه (ابتهجى يا قدس).. التاريخ خيط متصل موصول أوله بأخره و ليس مجرد سنين تتراكم بعضها فوق بعض بل هو تركيب حى مستمر فى حركته.. مستمر فى تطوره لأنه فى حقيقته (الإنسان).. الإنسان الفكرة والأحداث التى تتم وحيًا من هذه الفكرة.. يتعين علينا إذن.. أن نسمى الأشياء بمسمياتها وأن نرى الحاضر على خلفية التاريخ.. ومن وعى التاريخ فقد وعى حاضره ومستقبله.. تقول الحقائق إن فلسطين هى رمز الصراع وهى خط الدفاع الأول عن أمننا القومى كما قال العلامة جمال حمدان.. وهذا هو المشهد فى حقيقته الجوهرية.. وجود إسرائيل فى فلسطين تهديد مباشر لأمننا القومى أمس واليوم وكل يوم.. وكما يقول المستشار طارق البشرى : نحن لا نتنازع مع العدوان الإسرائيلى حول أرض غريبة يطمع فيها كلانا بمعنى أننا لسنا طرفًا فى صراع بين(متنازعين) ولكننا نحن(موضوع الصراع ذاته).. وعداؤنا مع إسرائيل عداء ذو طبيعة جوهرية.. والعقيدة القتالية لجيشنا العظيم تقول إن اسرائيل هى العدو الاستراتيجى الأول.. هى ترانا كذلك كانت ولازالت وستستمر فى ذلك.. تأملوا ما قاله (عاموس يادلين) المدير السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية ( أمان) ومدير مركز أبحاث الأمن القومى عن الدور الكبير الذى لعبه جهازه فى إشعال الفتنة الطائفية فى مصر خلال السنوات الماضية.. وهو يرى أن مصر ستظل الملعب الأكبر لنشاطات المخابرات الإسرائيلية بهدف تفكيك بنية المجتمع المصرى وتهيئته لمزيد من الانقسام خلال عقود من الزمان.. وأكد الرجل فى صراحة مدهشة أن (العمل فى مصر تطور حسب الخطط المرسومة من سنة 1979م- بعد توقيع كامب ديفيد- فقد أحدثنا الاختراقات فى أكثر من موقع ونجحنا فى تصعيد التوتر الاجتماعى لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائمًا ومنقسمة إلى أكثر من شطر فى سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل المجتمع والدولة المصرية لكى يعجز أى نظام يأتى بعد الرئيس مبارك فى معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشى فى مصر) .. (يا للعجب !!). ستشير لنا الأحداث الجارية أن سايكس بيكو _وكل مائة عام وأنتم بخير_ ليست الأخيرة هناك الكثير من (السايكوسات) موضوعه على طاولات القرار ويجرى الآن تنفيذها على قدمين وساقين.. المشهد فى طور التشكل لازال.. وستجد هناك إسرائيل.. وإسرائيل دائمًا.. .............. لكنهم فى إسرائيل لهم رأى آخر .. وتأمل هذه الطرفة التى يتداولها المفكرون والمثقفون وعلماء المستقبليات.. تقول الطرفة أن أحد الكتاب الإسرائيليين ذهب إلى الطبيب فسأله الطبيب السؤال التقليدى عن مهنته فأجاب: أنا كاتب.. فسأله الطبيب: ماذا تكتب الآن؟ قال: عن مستقبل إسرائيل.. فضحك الطبيب وقال: آه.. إذن أنت تكتب القصة القصيرة.. هذا هو المزاج النفسى والاجتماعى السائد فى إسرائيل الآن.. مزاج الشعور بالنهاية.. أو نهاية القصة القصيرة على حد تعبير الطبيب.. الجميع هنا وهناك يكابرون ويغالطون ويريدون لنا أن نشرب الشربة ونحن مغمضو الأعين.. (يا للعجب!!) لكن الحقيقة تقول إن النهاية قريبة.. وهم فى قلب إسرائيل يشعرون بأنها آتية آتية.. الكاتب الإسرائيلى الشهير يورى افنيرى كتب عام 1983 بعد غزو بيروت مقالة بعنوان (ماذا ستكون النهاية) وذكر أن الممالك الصليبية احتلت رقعة من الأرض أوسع من تلك التى احتلتها الدولة الصهيونية وأنهم كانوا قادرين على كل شيء ومع ذلك فقد ذهبوا مع الريح.. (يا للعجب!!) إبراهام بورج (نجل يوسف بورج أحد المؤسسين الأوائل للدولة الإسرائيلية والذى كان قائدًا للحزب الوطنى الدينى المفدال ووزيرفى حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ العام 1951 وحتى 1988) قال إن نهاية المشروع الصهيونى على عتبات أبوابنا.. جيلنا سيكون آخر جيل صهيوني. (يا للعجب!!).. كل هذا فى جانب والأخبار التى تحدثت عن أن الوكالة اليهودية اتخذت قرارًا بالتوقف عن محاولة إقناع اليهود فى أرجاء المعمورة بالهجرة إلى إسرائيل.. فى جانب آخر.. نحن الآن نتحدث عن فشل أكبر قوة دفع على الإطلاق للحركة الصهيونية والتى تعتبر الهجرة اليهودية إلى إسرائيل وتحويلها إلى مركز الذاكرة اليهودية والثقافية والملجأ الأمن لكل اليهود من أهم مهامها..! اليهود فى أرجاء العالم باتوا يرون أن مخاطر العيش فى إسرائيل أكبر من أى مخاطر أخرى قد تتهددهم فى الخارج! هناك من اليهود الأمريكيين من لم يزوروا إسرائيل قط.. ولا يعتزمون زيارتها 70% منهم متزوجون زواجا مختلطًا.. ولا يهمهم إذا زالت إسرائيل من الوجود.. نسبه الهجرة العكسية من إسرائيل إلى الخارج تزايدت فى الفترة الأخيرة بشكل كبير والذى يظهر فى سعى أعداد متزايدة من الإسرائيليين للحصول على جوازات سفر أوروبية لاستخدامها فى الفرار من الدولة عند الحاجة..(يا للعجب!!). أحد أخطر مظاهر التحلل التى يتحدثون عنها هناك بخوف حقيقى هو ضعف (روح التضحية) من أجل(إسرائيل) والذى يظهر فى تزايد حالات الهروب من التجنيد الأمر الذى جعل عبء العمل العسكرى يقع على كاهل نسبة قليلة من المجتمع.. غالبية الإسرائيليين يسألون أبناءهم أين يتوقعون أن يعيشوا خلال ال25 عامًا المقبلة ؟؟ ويصدم الآباء حين يجيبهم الأبناء بأنهم لا يعرفون. وأضيف إليه.. الشاعر الإسرائيلى الشهير حاييم جورى يقول (كل إسرائيلى يولَد وفى داخله السكين الذى سيذبحه).. سيقول لنا المفكر الأمريكى الأشهر نعوم تشومسكى (اليهودى النبيل) إن المجتمع الإسرائيلى لم ينتج سوى هتلرات صغيرة(نسبة الى هتلر).. وأن هذه الدولة خطر على اليهود أنفسهم - قاصدًا إسرائيل – وهى تتجه فى خطى ثابتة نحو العدم .. فلتذهبوا إلى العدم مصحوبين بكل الخيبات والعباطات.. وسترون هناك العجب..!!