(أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر) هذه الجملة قالها صلاح خلف _أبو إياد_ الذى قتلته إسرائيل فى تونس عام 1991م فى عملية منظمة لم يغب عنها أحد من أجهزة المخابرات الصديقة والشقيقة.. وأبو إياد هو الأب الروحى للانتفاضة الأولى 1987م.. وكان اغتياله وتصفيته ضرورة لتهيئة الأجواء لأوسلو ومنتجاتها حتى يأتى محمود عباس ليقول(المقاومة أصبحت عبثية وتضر أكثر مما تنفع ) هكذا مرة واحدة!!. الرجل لا يعبر عن جهله بحقائق السياسة والتاريخ فقط لكنه يعبر عن جهله بالمعلومات العامة فليس هناك شعب قاوم احتلال أرضه واغتصاب عرضه إلا وانتصر فى نهاية المطاف.. الشهيد مهند حلبي ترك لأمثال عباس(بوست)على الفيس قبل استشهاده يقول فيه (حسب ما أرى فإن الانتفاضة الثالثة قد انطلقت ما يجري للأقصى هو ما يجري لمقدساتنا ومسرى نبينا وما يجري لنساء الأقصى هو ما يجري لأمهاتنا وأخواتنا فلا أظن أن شعب يرضى بالذل الشعب سينتفض .. بل ينتفض ..). اعتقلونى إن أردتم .. ولكننِي سأبقى أُمارس وطنيتي.. وأهتف بالحريةِ وقوميتي ..
وأهز الأرضَ بالقدمِ..
وأُمطِرها عليكم بشعلةِ الحجَرِ..
عباس دعا المجتمع الدولي الأربعاء الماضى للتدخل لوقف جرائم الاحتلال بحق(شعبنا قبل فوات الأوان!!) قائلاً: (إن الهجمة العدوانية الإسرائيلية التي تتصاعد على شعبنا وأرضه ومقدساته بشكل يهدد السلام والاستقرار ينذر بإشعال فتيل صراع ديني يحرق الأخضر واليابس ليس في المنطقة فحسب بل ربما في العالم أجمع الأمر الذي يدق ناقوس الخطر)الشعب الفلسطينى الذى يتبرأ منك ومن جيلك لا يريد منك ولا من المجتمع الدولى سوى الابتعاد.. وتركه يهز الأرض بالقدم ويمطرها على الغاصبين بشعلة الحجر .. أحد قادة منظمة الجهاد الإسلامى(نافذ عزام) وصف المشهد الذى نراه هذه الأيام بأنه(حقبة جديدة تتكون مع هذا الجيل الذي يواجه الاحتلال اليوم ويؤسس لاستمرار مشروع المواجهة والانتفاضة.. مخططات الاحتلال للنيل من جيل الانتفاضة أو محاولة كسره لن تتحقق وأن مسيرة الكفاح ستستمر حتى دحر الاحتلال).. المواجهات تتصاعد وحصيلة الشهداء حتى الآن 34 شهيداً و أكثر من 1300 جريح. التاريخ يقول، أيها المناضل الكبير إن النيل من الشعب الفلسطينى وكسره يأتى من الداخل لا من الخارج بدأً من مقاومة ثلاثينيات القرن الماضى حتى تصريحات عباس الأربعاء الماضى.. الذى يحدثنا عن العبثية.. أين أنت يا كافكا لترى ما فعل عباس بعبثيتك !؟. ستظل فلسطين وستظل القدس رمزًا للصراع بين الشرق و الغرب.. الشرق بكل مكوناته.. والغرب بكل مكوناته حين فتح المسلمون القدس عام636م كان هذا الفتح إيذانا بهزيمة الدولة البيزنطية وإيذانا بطى صفحة الغرب(الرومانى والإغريقى)في سيطرته على الشرق التى استمرت قرابة عشرة قرون أول انطلاقات الغرب ثانية نحو الشرق بدأت من القدس كان ذلك فى حقبة الغزوة الصليبية (1099م) .. سيذكرنا بوتين بهجومه القيصرى على الشعب السورى بخيالات أجداده الذين تسموا بنفس الاسم السابق للدولة البيزنطية(القيصر)فى ميراثهم لها وللعالم الغربى /المسيحى.. لكنه فى هذا التداول أرثوذكسى لا كاثوليكى..استمرارًا خياليًا أيضًا لاتفاقية قينارجى التى يبسط بها حمايته على الأقليات فى الشرق لكن مسيحى الشرق أشرف من أن يقترب منهم بنجاسته المعروفة. بعد ثمانية وثمانين عامًا من الاحتلال الذى كاد أن يتحول إلى(واقع) كما يقال الآن على لسان عباس وفريق المترهلين.. بعد كل هذه السنون استردها صلاح الدين وأوضح فى رسالته الشهيرة إلى (ريتشارد قلب الأسد)أن هذا الاحتلال كان شيئًا عرضيًا..(ولن يمكنكم الله من أن تشيدوا حجرًا واحدًا فى هذه الأرض طالما استمر الجهاد) تذكروا هذه الكلمة جيدًا.. (طالما استمر الجهاد)..
لكن الأمور جرت على غير ما يرام ويرجى.. وإذا بسايكس الإنجليزي يعقد اتفاقا مع بيكو الفرنسى 1916م وليتم تقسيم الشرق الإسلامى ويدخل الجنرال(اللنبى)القدس قائلا(اليوم انتهت الحروب الصليبية) بعدها بثلاثة أعوام يدخل الجنرال( جورو) الفرنسى دمشق ويذهب إلى قبر صلاح الدين قائلاً: له بعد سبعمائة وسبعة وعشرين عامًا:(ها قد عدنا يا صلاح الدين) وتكتمل القسمة بغرس(اليهود) فى قلب الشرق ويقيم الغرب تمثالاً لسايكس فى بلدته بمقاطعه يوركشاير مكتوبا عليه(ابتهجى يا قدس) وينجح الغرب فى التخلص من(شايلوك) الذى طالما أزعجهم وطالما كرهوه وينجح فى إحكام قبضته على رمز الصراع وبوابة الانتصار طوال التاريخ.. (القدس).. وشايلوك لمن لا يعلم هو التاجر اليهودى فى مسرحية(تاجر البند قيه) لشكسبير الذى أراد استرداد القرض الذى اقترضه منه أنطونيو المسيحى المهذب فى صوره كيلو لحم من جسده وهو حى !!!. التاريخ خيط متصل موصول أوله بآخره ليس مجرد سنين تتراكم بعضها فوق بعض بل هو تركيب حي مستمر فى حركته.. مستمر فى تطوره لأنه فى حقيقته (الإنسان).. الإنسان الفكرة والأحداث.. القدس هى بوصلة الصراع كما قيل بحق.. وهذه حقيقة الحقائق فى هذا الصراع التاريخى.. بداهة أن تسمى الأشياء بمسمياتها وأن ترى الحاضر على خلفية الماضى.. الحاضر لم يهبط علينا بالبراشوت فجأة.. الحاضر جاء من ماضى موصولا به تواصلا طبيعيا فى كل مكوناته.. القدس هى رمز الصراع وهى أيضًا بوابة الانتصار وإسرائيل هى ذيل الأسد الرابض غربًا.. وهذا هو المشهد كما فى حقيقته.. وتذكروا كلمة صلاح الدين إلى ريتشارد (طالما استمر الجهاد) هذا هو معامل الضرورة كما يقول علماء السياسة والتاريخ . ولأن صلاح الدين قال هذا القول النافذ من مصر سندع العلامة العبقرى جمال حمدان يصف لنا موقف مصر القدرى من قصة فلسطينوالقدس وقد قال كلامًا يكتب بمداد الذهب عبر كل العصور ليس للقيمة المادية للذهب ولكن لقيمته الأصيلة كونه لا يصدأ ولا يتغير.. قال:(مصر بالذات محكوم عليها بالعروبة ولكن أيضاً بتحرير فلسطين وإلا فبالإعدام فمصر لا تستطيع أن تنسحب من عروبتها حتى لو أرادت وهي إذا نكصت عن استرداد فلسطين العربية كاملة من البحر إلى النهر وهادنت وخانت وحكمت عليها بالضياع فقد حكمت أيضاً على نفسها بالإعدام بالانتحار وسوف تخسر نفسها ورصيدها الماضي والمستقبل والتاريخ والجغرافيا.. إن مصير مصر ومكانتها في العالم سيحدده مصيرها ومكانتها في العالم العربي ومصيرها ومكانتها في العالم العربي سيحدده مصير فلسطين.. الاختبار النهائى لزعامة مصر يرفد من أن ترتقي إلى مسئوليتها عن استرداد فلسطين للعرب..) انتهى كلام العلامة جمال حمدان فى نظرته لمصر العظيمة العبقرية . العالم الجليل المستشار طارق البشرى- حفظه الله - يزيد فى المعنى اقترابًا ويقول (نحن لا نتنازع مع العدوان الإسرائيلي /الغربي حول أرض غريبة.. يطمع فيها كلانا بمعنى أننا لسنا طرفًا فى صراع بين(متنازعين) ولكننا نحن (موضوع الصراع ) ذاته.. نحن موضوعه وأحد طرفيه فى ذات الوقت وهذا الوضع يعطينا مزية لا تكون لغيرنا قط، وهى مزية لا ينفد معينها وما من بلد غلبه المعتدون على أمره وانتهى جهاده ضدهم إلا برد الاعتداء. و(يضيف، لا مهرب من استخدام (العنف)عند مواجهة استعمار استيطاني قائم على كسب الأمر الواقع بالقوة أو يتوسل لذلك بإبادة أصحاب الحق وأصحاب الأمر الواقع القائم بالطرد أو بالقتل.)
يروون فى إسرائيل حادثة طريفة حدثت مع أحد الكتاب الإسرائيليين والتي تعكس مدى انعدام الأمل(ببقاء إسرائيل) فقد ذهب هذا الكاتب إلى طبيب فسأله الطبيب السؤال التقليدي عن مهنته فأجاب: أنا كاتب فسأله الطبيب: ماذا تكتب الآن؟ قال:عن مستقبل إسرائيل فضحك الطبيب وقال: آه إذن أنت تكتب القصة القصيرة. هذا هو المزاج العام السائد في إسرائيل الآن.. مزاج الشعور بالنهاية.. أو نهاية القصة القصيرة على حد تعبير الطبيب الكل يكابر ويغالط لكن الجميع يشعرون بأنها أتيه أتيه.. والنصر لا يأتى إلا من أجل أولئك الذين يعرفون كيف ينتظرون. الشعور بالأمن لليهود الذين يعيشون فى إسرائيل أصبح موضوعًا للنقاش الواسع.. وهذا هو رهان النصر لإخوتنا فى فلسطين الآن .. حرمانهم من مجرد الشعور بالأمن لا تتركوهم يهنئون بلحظة اطمئنان واحدة بثوا الرعب من حولهم ومن تحت أرجلهم.. ولدينا فى ثقافتنا الإسلامية ما يؤيد هذا المعنى (نصرت بالرعب) كما قال الرسول الكريم .
مجرد الحديث عن (الأمن) فى حد ذاته بعد 60 عامًا من استقرار الدولة والمجتمع أمرًا مروعًا. إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي مجرد وجودها وليس أمنها فقط مثار جدل ونقاش حتى الآن.. ويكفى أن نعلم أن المفكر الأمريكي الأشهر نعوم تشومسكي(اليهودي النبيل)وصف المجتمع الإسرائيلي بأنه لم ينتج سوى (هتلرات) صغيرة مثل هتلر النازى.. وأن هذه الدولة خطر على اليهود أنفسهم- يفصد إسرائيل - وتتجه في خطى ثابتة نحو العدم.. والنصر لا يأتى إلا من أجل أولئك الذين يعرفون كيف ينتظرون .. فلتسيروا بخطى حثيثة إلى العدم أيها الأنذال .. لأننا: هنا على صدوركم باقون كالجدار/ كقطعة الزجاج كالصبار / وفى عيونكم زوبعة من نار/ نجوع.. نعرى.. نتحدى.. ننشد الأشعار.