التزامن المريب بين حرق المجمع (العلمى) وتدمير موقع الضبعة (النووى) يؤكد أن الأمر ليس صدفة أو تهورًا من بعض الجهلاء. فهذه بوضوح هى السياسة الصهيونية، التى سبق أن طبقت بالعراق إبان الفوضى التى صاحبت الاحتلال الأمريكى، لحرمان العرب من كل عوامل القوة أو التميز العلمى، وتاريخ الموساد الصهيونى ملىء بحوادث مشابهة. وبالطبع فإن العدو لا يمكنه ارتكاب هذه الجرائم دون عون محلى.. وهذا يتطلب كشف ذلك الطابور الخامس الذى لا يمكن إلا أن يكون من الفلول الذين أضيروا من الثورة، ويبحثون عن (مصيبة) للتشويش على الثوار وعرقلة استكمال الثورة. والجريمة واضحة وتتطلب التحقيق الجاد لكشف الجناة، لأن استخدام الديناميت و 30 سيارة دفع رباعى وتدمير سور بطول 22 كم عملية لا يستطيع القيام بها الأهالى البسطاء دون دعم وترتيبات وخطط.. وهذا يدفعنا للقول: فتش عن اليهود، وعن مافيا الأراضى، إضافة إلى الفلول. أما عن أهالى الضبعة، المغرر بهم، وبعد أن استمتعوا بنعمة الحرية، فكان عليهم اتباع السبل الحضارية للتعبير عن رأيهم وعرض مطالبهم بدلا من هذا السلوك الهمجى الذى أضر بالمشروع وبالوطن كله (نحتاج إلى 3-5 سنوات لتجاوز الكارثة). والواقع أن إدانة أهالى الضبعة وحدهم يعتبر ظلما وتهربا من المسئولية، فالإنسان عدو ما يجهل.. وكان ينبغى القيام بجهد إعلامى وتعليمى للتعريف بالمشروع ومزاياه وطمأنة الناس بعوامل الأمان وحماية البيئة والإنسان من مخاطر التلوث الإشعاعى. ولا نظن أن أية دولة فى العالم فعلت ما فعلناه من تجاهل للسكان القريبين من الموقع، وعدم الاهتمام برأيهم.. وإذا كانت هذه سياسة الطاغية المخلوع بعشوائيته وجهله، فما عذر الهيئات النووية المتعددة التى تحلم بالمشروع؟، هل منعهم المخلوع من الجلوس مع المواطنين وتثقيفهم وإقناعهم بمزايا المشروع؟!. لماذا لا يهتم أحد بإنشاء إعلام نووى، أو علمى؟. من المهم أن يعلم الناس أن المشروع سوف يحول المنطقة إلى مجتمع حضارى متميز، ويوفر فرص عمل، ويفتح الأبواب لأنشطة تجارية وسياحية، وغيرها، مما يعود على هؤلاء الناس أنفسهم. وبالنسبة للفوائد التى تعود على الوطن فهى لا تحصى، لأن التقنية النووية ليست فقط مصدرًا نظيفًا ورخيصًا للطاقة وتحلية مياه البحر، فالعالم المتقدم ينظر إليها كقاطرة لتقنيات أخرى أساسية ومطلوبة لدفع عجلة التنمية، والحصول على مفاتيح التقدم العلمى والتقنى عموما. فالتقنية النووية تتميز بالدقة الفائقة، والحرص الزائد عن الحد، والتنوع والتكامل الواسع بين التخصصات.. والمرافق النووية هى ميدان التدريب للكفاءات العلمية والتقنية والإدارية، والتى يمكن الاستفادة منها فى كافة الميادين بما يسهم فى إحداث طفرة تنموية غير مسبوقة. وأمامنا تجارب عديدة لدول نامية سبقتنا تنمويًا بسبب الخبرة النووية التى اكتسبتها من برامجها النووية، مثل إيران وباكستان والهند، ناهيك عن كوريا والأرجنتين والصين وغيرها، وهذا يؤكد حتميتها حتى وإن كانت لدينا مصادر أخرى للطاقة.. خصوصا ونحن مقبلون على مشكلة مائية خطيرة، لا يمكن مواجهتها دون توافر مصدر رخيص ونظيف للطاقة. والمفروض أن مصر الآن من الدول الرائدة فى هذا المجال، إذ بدأت منذ ما يقرب من 60 عاما سعيها لامتلاك هذه التقنية، ونجحت فى تكوين النواة الأساسية لها بتربية جيل من الكوادر الوطنية، ثم بدأ السعى المرة تلو الأخرى لإنشاء محطات نووية. ولكن، وكأن الأقدار كانت تقف بالمرصاد لطموحاتنا النووية، إذ توقفت المحاولة الأولى بنكسة 1967، وتوقفت الثانية بعد انتصار 1973 حرصا على السيادة المصرية من التدخلات الأمريكية، والثالثة بذريعة حادث تشرنوبيل، وتزامنت الرابعة مع زلزال اليابان ومده البحرى الذى اجتاح المحطات النووية.. وتسبب فى خلط الأوراق وإحداث بلبلة حول التقنية النووية، رغم عدم وجود أوجه شبه بين مشروعنا ومثيله الياباني. وها هى الكارثة الجديدة تعطل البدء وتؤثر سلبيا على المشروع. ولكن، وعلى الرغم من كثرة تعطل تنفيذ المشروع، فقد ظل حيا فى وجدان وضمير الشعب المصرى.. ولعل الله تعالى أراد لنا أن نتريث حتى تسقط دولة الفرد، وما صاحبها من خراب وعشوائية وتخلف.. لم يكن ليهيئ الفرصة للاستفادة الواجبة من تقنية متقدمة تحتاج لدولة واعية، دولة مؤسسات. وهذا ينقلنا إلى الأوضاع الراهنة بعد مرور عام كامل على الثورة، دون تحقق أغلب أهدافها. فلا شك أن استمرار سياسة الترقيع بترك الدولة (الثائرة!) فى أيدى حكومات عرجاء غير منتخبة، وغير مؤهلة لبدء عملية واسعة للتغيير الجذرى وإصلاح (الخرابة) التى تركها النظام المخلوع.. هى التى فتحت الباب للتخريب الذى وصل إلى الجرأة على حلم مصر النووى بالضبعة. قبل الانتخابات كانت هناك حجة يمكن اعتبارها وجيهة لاستمرار الحكومات المؤقتة، إذ كان يصعب معرفة رأى الشعب فيمن يحكمه دون انتخابات.. ولكن ما هى الحجة الآن ؟!. الإدارة المؤقتة فشلت فى ضبط الأمن، وفى توفير متطلبات الحياة اليومية، وفى تهدئة الشعب وطمأنته للصبر على المطالب الفئوية، ولم تنجح فى حل مشكلة واحدة من المشكلات التى فجرت الثورة، بل زادتها اشتعالا.. فما الذى يدعوها للحرص على الاستمرار واستفزاز الناس؟. أليس من الحكمة سرعة تسليم الأمانة لمن حازوا ثقة الشعب وتحميلهم المسئولية؟. لماذا يقتطع المجلس الحاكم ستة شهور كاملة من المدة التى منحها الشعب للحزب الفائز بالأغلبية؟.. هل هو مخطط مسبق لإفشالهم؟!. إذا كانت الحجة هى الإعلان الدستورى (الذى لم يوافق عليه الشعب أصلا)؛ فما المانع من تغيير هذا الإعلان؟.. أليست الشرعية الثورية ضابطة ومكملة بل ودافعة للشرعية الدستورية؟!. مالكم كيف تحكون؟!!. [email protected]