فى لقائه مع "قناة العربية" تحدث الدكتور أحمد هيكل، رئيس مجلس إدارة شركة القلعة للاستثمارات المالية من الملتقى العالمى لرجال السياسة والاقتصاد فى "دافوس" عن أسباب عجز الموازنة المصرية وماهية الإجراءات العاجلة لحل هذه الإشكالية الخطيرة، وقد ركز الرجل على قضية مهمة جدًا وقال: لو أنى مكان المجلس العسكرى لذهبت إلى الدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة، وقلت له عليك أن تشكل الحكومة سريعًا؛ لأن هذا سيعطى استقرارًا للأوضاع السياسية فى البلد، وسيعمل على جلب استثمارات عاجلة، وسيطمئن رجال الأعمال والاقتصاد فى الداخل!! لكن الدكتور مرسى يأبى هو والمجلس العسكرى أن يشكلوا حكومة من الأغلبية بحجة أن هذا قد يخالف الدستور والإعلان الدستور، ولا أفهم كيف لا نضع نصب أعيننا المصلحة العليا للبلد وأى دستور هذا تُعارض روحه ومقاصدُه مصالح المصريين!! إشكالية المجلس العسكرى جلية واضحة، تتمثل منذ اليوم الأول لتسلمه مقاليد السلطة فى البلاد فى أنه "مثل الفريك لا يحب الشريك"، وهو ما يحرص ويؤكد عليه حتى فى أوقات الأزمات، خاصة أزمة محمد محمود وإتيانه بالدكتور الجنزورى وإعطائه صلاحيات صورية، ثم سمى حكومته "حكومة الإنقاذ الوطنى"!! وهذه الإشكالية مفهومة من سلطة عسكرية تحكم مصر منذ قرون ولا تريد أن تخرج من قيادة البلاد إلا بأقل خسائر ممكنة فى مقدراتها ومصالحها الاقتصادية والسيادية فى البلد، فهى طبقة مثل طبقة "إقطاعيى العصور الوسطى" من العسكريين الذين كانوا يملكون الأرض ومن عليها، مستمتعين بمزايا ومقدرات رائقة رائعة ظريفة! لكن إشكالية التيار الإسلامى الذى أصبح أغلبية مجلس الشعب، والممثل الشرعى الوحيد للمصريين هى التى تظل عائقة عن الفهم والتصور والتقدير؛ فزهدهم الواضح فى تسلم السلطة والسعى لها، وهو سعى شرعى تؤيده الأمة كلها لا يمكن أن يكون إلا ضربًا للثورة وإجهاضًا لها من حيث يحسبون أنه أقل نوع من الخسائر الممكنة بينهم وبين العسكر. إن النموذج الكامن فى أعماق هذه الثورة والثورات عمومًا هو الصراع الجدلى بين الحق والباطل، بين عموم الناس من المصريين والإسلاميين الحقيقيين والوطنيين المخلصين وبين من سرقوا مقدرات البلاد، وتحكموا فى مصائر العباد عبر قرون طويلة من الاستخفاف والتنكيل، وهى قوى تقف من خلفها الولاياتالمتحدة والغرب الذى يأبى أن تهدر مصالحه أو تنتكس فى دولة محورية ومركزية مثل مصر وتصبح ذات استقلالية فى القرار السياسى والاستراتيجى على المدى القريب والبعيد، وهذا مفهوم ومعلوم بالضرورة! ومن هذا المنطلق المنطقى البسيط كيف يمكن أن يتصور عاقل أن تنجح الثورة بإعادة تشكيل العلائق والوشائج بين الجانبين ونقول للجميع إن الثورة قد نجحت وحققت أغراضها؟! كيف يمكن أن يستأنس النظامُ الجديدُ القديمَ أو العكس؟! إن تجارب التاريخ لا نرى فيها مثل هذه المسرحية الهزلية بين الغالب والمغلوب، فطالما كان المغلوب تبعًا للغالب، وطالما أنتج الصراع أو الثورات نموذجًا أو قوة واحدة متمكنة من مقاليد الأمور، حتى إن ابن خلدون (ت808ه) عنون فى مقدمته الخالدة فصلاً جاء فيه: "فى أن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب فى شعاره وزيه"، فأين ابن خلدون الذى توفى منذ ستة قرون خلت مما نحن فيه اليوم ممن يريدون عكس قاعدته الاجتماعية لتصبح "فى أن الغالب مولع بالطاعة للمغلوب والانقياد له واستئناسه والخوف منه"!!. إن القضية ليست بالقطع فى تشكيل حكومة الآن أو غدًا، القضية أعمق من هذا وأكثر جدية، إنها تتكثف حول كيف يُنحى العسكر من المشهد السياسى؟! كيف يتم قصر أيديهم، وتحييد قوتهم، وضبط غايتهم، وتعريفهم أولويتهم؟! وهل سيتم هذا بالإذعان والخوف والمساومة أم بالتطويع والتوجيه والإلزام؟! إذا كان الإسلاميون طوال تاريخهم منذ محمد عبده، بل قل منذ عمر مكرم إلى اليوم يجاهدون لإحقاق مبدأ سيادة الأمة، وأن يكون الشعب هو مناط الفعل السياسى ومقصده، فكيف سيحقق أحفادهم اليوم هذه الغاية وأيديهم مرتعشة لا تقوى على تحمل المسئولية والتبعة، وكأن السلطة نار جهنم كلما اقتربوا منها كلما لاحت لهم نارها وشررها المستطير، وهل كان نضالهم طوال العقود الماضية إلا لأجل هذه اللحظة؟ وهل إحقاق العدل والقسطاس بين الناس يتم تحقيقه دون قوة تدفعه، وسلطة تؤيده؟! أيها الإسلاميون يا من نلتم ثقة الناس: كيف فى هذه اللحظة الفارقة تقبلون بدور الشراكة مع من حاربكم وضيق عليكم وعمل على إجهاض مشروعكم منذ عقود؟ هل تظنون أن السلطة الثنائية بين النظامين القديم والجديد هى الحل لهذه الإشكالية التى وضعتم أنفسكم فيها، وهى إشكالية نفسية فى المقام الأول؟ وكيف لا تسعون للسيطرة الشرعية على زمام الأمور المفصلية فى الدولة وقد اختاركم الناس؟! أليس زهدكم هذا دليل على خيانتكم للناس؟! أليس هذا خوف وارتباك فى موضع الإقدام وتحمل المسئولية؟!! [email protected]