نعم حلب تحترق.. وضمير العالم مرفوع من الخدمة.. فكلما قرأنا أو شاهدنا عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها أزمة جديدة تلف جزءا مدميًا وحزينا من وطننا العربي والإسلامي الفسيح استدعى الذهن حال الضعفاء من الأطفال والنساء والشيوخ في هذه المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية، ففي شتاء سوريا تواردت الأنباء عن سقوط مئات الطيور الخضراء من الأطفال نتيجة البرد في مخيمات الجوار لوجودهم في بيئات ربما تكون أقرب للعراء! وجاء الصيف لتحترق معه حلب ويكتفي العالم بمصمصة الشفاه وهز الرءوس ويفزع العرب لصنع هشتاج يعبر عن تضامنهم مع المصيبة الجلل ويظل السفاح ليزيد في غيه.. فماذا تراه يريد؟ وماذا ترى سيحكم من بعد.. الشجر.. أم الحجر؟ وبالرغم من الجهود الإنسانية المتمثلة في "الإغاثة الاجتماعية والاقتصادية"! التي تبذلها بعض الحكومات العربية ومن قبلها الجمعيات الأهلية، وبالرغم من جهد الأهالي الذين يمدون يد المساعدة لإخوانهم، ويفسحون لهم من بيوتهم وقلوبهم. فإن قرارا رسميا عربيا يبدو مترددا في الحسم على أرض المعركة، وذلك في اعتقادي يعود للموقف الدولي شرقا وغربا والذي يتلكأ قسم كبير منه في معاقبة سفاح سوريا، ويتصدى قسم آخر للدفاع عنه، وهو ما يفاقم أزمة الشعب الممزق والمشرد في صورة لم نكن نتخيلها.. والقسم الثالث يقفمتفرجا بلا حول ولا قوة! فهذه الصورة المؤلمة التي نشاهدها ونعيش فصولها يوميا في مدن سورية التي انزوت وأبيدت وصارت كأنها لم تكن..، نرى فصلا جديدا منها في حلب بدعوى محاربة الإرهاب! إذن.. نحن بصدد شدة واحدة تتكرر عبر الأزمان متمثلة في تكالب الغرب علي الوطن العربي والإسلامي، بماساندة داخلية ممثلة في الصمت أو تقديم القدر الذي يضمن بقاء الضحايا على قيد الحياة! إن الجديد في هذه الأزمة والشدة القديمة الجديدة، أنها تحمل شدة واحدة وتقدم لنا فائدتين، أما الشدة فمتكررة منذ زمن كما قلت. وأما الفائدتان؛ فالأولى أن الأجيال الجديدة سيتولد لديها رفض موقف هذه الدول الاستعمارية، وقطع الصلة النفسية والأبوية التي تم تكرسيها عبر ثقافتنا حين تم تقديم الدول الغربية كنموذج للحرية والعدل والمساواة؛ بل والجمال المطلق، لأننا نكتشف يوما بعد آخر حجم القبح الذي يلف هذه البلاد، وحجم الظلم المجحف ضد الآخر "العرب والمسلمين". الفائدة الثانية وهي الأهم أن الشعوب العربية ربما تصحو لتتوحد على موقف واحد، وعقيدة واحدة، وتقدم إرهاصات الصرخة الواحدة في وجه كل من يريد شرا بها في أي مكان على وجه الأرض. لتجعل من قيم العدل والمساواة والرحمة، التي ينشدها العالم المعذّب، أسلوب حياة.. والتي لطالما ضلّلنا عنها العالم الغربي الذي لم تمت بداخله رغبة الفناء والهلاك للعرب ويثبت كل يوم أنه نظام إقصائي تمييزي يرى بعين واحدة، ويعصف بالضعفاء سواء في العراق أو حلب أو في دول الواق الواق!