فك جميع الأرصدة المجمدة.. العودة للعمل السياسى.. رفع أسمائهم وعائلاتهم من قوائم الترقب.. إلغاء جميع الأحكام الصادرة ضدهم.. وغلق جميع القضايا المنظورة أمام المحاكم قانونيون: أموال مبارك ورجاله سفينة نوح للسيسى.. اقتصاديون: 12 مليار جنيه دخلوا خزينة الدولة فعليًا.. وخبراء: اللى اختشوا ماتوا.. اتصالحوا مع شباب الثورة أولاً
"تجرى الأمور على غير العادة" في المصالحة مع نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك, فمنذ خمسة أعوام, كان رجال أعمال مبارك في موقف "لا يحسدوا عليه", فما بين "منبوذ ومسجون وهارب" قبعوا خلف أسوار ممتلكاتهم وأموالهم التي نهبوها وسرقوها بطرق عدة من دماء المصريين, متمنين التصالح مع الحكومة في مقابل أي شيء, ولكن مع ما توصلت له البلاد من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية ومع التدهور الواضح للجنيه المصري، أما الدولار لم يجد نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي بدًا من وضع يده في يد رجال مبارك لحل هذه الأزمات الكارثية والقبول أيضًا بشروطهم لقبول التصالح. "وتحت شعار إللى أوله شرط آخره نور"، بدأت المفاوضات لقبول التصالح, هذه المفاوضات التي رهنت "بخمسة شروط مباركية"، أهمها "العودة لمعترك الحياة السياسية بشكل كامل وغلق جميع القضايا المنظورة أمام المحاكم وغيرها", وبما أن وضع البلاد في مأزق حقيقي يبدو أن الحكومة قررت الموافقة، فعلى الفور تم تعديل قانون الكسب غير المشروع ليسمح للتصالح مع رجال الأعمال المتهمين بقضايا كسب غير مشروع والتصالح مع مسئولين سابقين تربحوا من خلال مناصبهم التنفيذية, ليتضمن "أنه يجوز التصالح في الجريمة المنصوص عليها بالمادة 18 من هذا القانون خلال سنة من تاريخ سريانه، كما يكون التصالح برد ما تحصل عليه المتهم من كسب غير مشروع والفوائد القانونية المستحقة على مبلغ الكسب حتى تمام السداد، بسعر أقصى فائدة للمركزي، بالإضافة إلى 2% غرامة اتساقًا مع ما هي مقررة بالقوانين. ومع تعديل القانون فتح الباب أمام أكثر من 38 شخصية أعلنت الموافقة على التصالح كان أبرزهم الرئيس الأسبق حسنى مبارك وزوجته سوزان ثابت ونجلاه وعلاء وجمال، وصفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى الأسبق، وأحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب الأسبق، وزكريا عزمي، رئيس الديوان الأسبق، ورشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة الأسبق، وشقيقته حسنة رشيد، وأنس الفقي، وزير الإعلام الأسبق، ويوسف بطرس غالي، وزير المالية الأسبق، ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، بالإضافة إلى محمود الجمال الذي تصالح قبل ودفع 283 مليون جنيه ورجل الأعمال صلاح دياب في القضية المعروفة باسم أرض «نيوجيزة» وآخرين ممن هرولوا بتقديم طلبات تسوية لجهاز الكسب غير المشروع ليصل إجمالي المبلغ الذى تنتظره الخزانة المصرية 106 مليارات جنيه. شروط رجال أعمال مبارك و"تحت شعار الصلح خير"، بدأ رجال مبارك المفاوضات الرسمية والتي جاءت مشروطة, للانتهاء بشكل سليم من المصالحة, حيث تقدم محامون وعدد من الوكلاء "أمثال حسين سالم وحسنى مبارك ورشيد محمد رشيد "بعدة شروط للانتهاء من المصالحة, وحتى: "لا تضحك علينا الحكومة"، على حد تعبير بعضهم، أهمها "فك جميع الأرصدة المجمدة ببنوك سويسرا والاتحاد الأوروبي, العودة للعمل السياسي, رفع أسمائهم وأسماء عائلتهم من قوائم ترقب الوصول, إلغاء الأحكام الصادرة ضدهم, تسديد المبلغ المهرب فقط دون فوائد. ومن أول مَن استجاب لقرار المصالحة رجل الأعمال حسين سالم والذي سدد ما يقرب من 4 مليارات جنيه للدولة، عبارة عن أصول يمتلكها داخل مصر وأموال سائلة، تم وضعها في خزانة الدولة لحين إتمام التسوية, وأيضًا رجل الأعمال محمود الجمال صهر الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي سدد مبلغ 238 مليون جنيه، لإغلاق ملفات الفساد الخاصة به. أما دفاع رجل الأعمال رشيد محمد رشيد، فقد تقدم بطلب تصالح مقابل سداد الأموال المستحقة عليه للدولة وقيمتها 1.5 مليار جنيه، إلا أن الجهاز أحال طلبه إلى هيئة الفحص والتحقيق لبيان ما عرضه وإعادة تقييم ما يمتلكه رشيد داخل مصر من أصول وحسابات مجمدة، وفي حال انتهاء التقييم سيتم استدعاء محاميه بتوكيل خاص للتنازل عن الأصول التي يمتلكها وإيداعها في خزينة الدولة
كما بدأ الدكتور محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان الأسبق، بالفعل في إجراءات التصالح مع الدولة، حيث تقدم للتصالح مع الدولة، وسداد مبلغ 2 مليار جنيه، إلا أن الجهاز قرر تشكيل لجنة لفحص الطلب المقدم من إبراهيم سليمان. أيضًا تقدم وزير السياحة الأسبق، زهير جرانة، بطلب للتصالح في القضية 2437 لسنة 2011 جنايات الجيزة، المتهم فيها بالتربح وإهدار المال العام، وامتلاك وحدات سكنية وقطع أراض وأموال سائلة ومنقولة بالبورصة والشركات والبنوك، التي تبين حصوله عليها باستغلال نفوذه من خلال عمله كوزير للسياحة، وتربيح الغير من خلال استغلال منصبه الوزاري. وفى السياق نفسه، تقدم عمرو النشرتي، رئيس مجلس إدارة شركة المجموعة المصرية العقارية، بطلب للتصالح في القضية رقم 3011 لسنة 2004 جنايات العجوزة, فيما كان، رجل الأعمال وليد توفيق صادق ضمن المتقدمين بطلبات للتصالح في القضية المتهم فيها بالاستيلاء على مبلغ 11 مليونًا و188 ألف جنيه من بنك مصر. وفى السياق ذاته، تقدم طارق عبدالقادر أبو المجد، مدير قطاع العقارات ببنك الإسكندرية بطلب للتصالح في القضية المتهم فيها بالاستيلاء وتسهيل الاستيلاء لصالح الغير على مبلغ يقدر ب4 ملايين و183 ألفًا و35 جنيهًا والمستشار جميل سعيد، محامى زكريا عزمي، فأكد أنه تقدم بطلب لإنهاء إجراءات تصالح موكله مع الحكومة، وتسلم جهاز الكسب غير المشروع، بشكل رسمي طلب التصالح وصورًا من محضر جلسة محاكمة موكله، الذي طالب فيها دفاعه بالتصالح وهو ما وافقت عليه المحكمة، ويقدر المبلغ المستحق للدولة لديه، مليونًا و812 ألفًا، حسبما أفادت تقارير خبراء وزارة العدل. أيضًا تقدم رجل الأعمال منير ثابت، شقيق سوزان مبارك، زوجة الرئيس الأسبق، المتهم بالفساد المالي وتحقيق كسب غير مشروع بطلب للمصالحة مع الدولة مقابل سداد نحو 5 مليارات. وفي حال تصالح الدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، مع الدولة، تقدر قيمة الأموال المستحقة للخزينة العامة بنحو 46 مليون جنيه، فيما بلغت قيمة الأموال التي طالب وزير الإعلام الأسبق أنس الفقي، ردها للدولة مليونًا و800 ألف جنيه، وذلك في مقابل التصالح. قانونيون من جانبه، قال الدكتور صلاح فوزي، أستاذ القانون الدستوري، إن لجنة الإصلاح التشريعي حين طرحت تعديل قانون الكسب غير المشروع كان هدفها الأول تحقيق مصلحة الدولة، خاصة بعد مرور سنوات من التقاضي لم تحصل فيها مصر على أموالها المنهوبة وأرهقت الدولة في منازعات قضائية بلا مكاسب في النهاية, قائلاً: "ثم أن التصالح ليس بدعة وهناك جرائم جنائية تنقضي الدعوى فيها بالتصالح. وأضاف فوزي في تصريح خاص ل"المصريون" أن عملية التصالح تفيد الدولة بشكل كبير على المستوى العام والدولي، فداخليًا سيتم ضخ المليارات لخزينة الدولة، مما سيكون له أثر إيجابي في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها مصر الآن، وعلى المستوى الدولي فإن تبنى وجهة النظر التي يظهر فيها القضاء المصري قدرًا من التسامح في تسديد المبالغ المالية التي هى محل نزاع وتنقضي عنه الدعوى الجنائية عن المتهم سيكون له أثر إيجابي في عودة الأموال المنهوبة في بنوك الخارج. وأشار إلى أن هناك وجهة نظر كانت معارضة للقانون التي رفضت فكرة سقوط أحكام الإدانة عن المتهمين لتحقيق الردع العام, مشيرًا إلى أنه عقب تصديق مجلس الشعب على القرارات بقوانين التي صدرت في غيبة البرلمان ومنها هذا القانون أدى إلى إحداث طمأنينة لدى المتهمين والمدانين بقضايا المال العام، ولذا فمن الطبيعي أن العديد منهم سيتوجهون لإقرار التصالح بالمال مقابل انقضاء الدعوى. ومن جانبه، قال الدكتور محمود كبيش، محامى حسين سالم، إن موكله سدد جزءًا كبيرًا من قيمة التسوية التي اتفق عليها مع الدولة للتصالح في قضايا الكسب غير المشروع، مقابل التنازل عن 78 % من ثروته، أي نحو 5 مليارات و600 مليون جنيه، مشيرًا إلى أنه جارٍ سداد باقي المبلغ. وأوضح كبيش أن جهاز الكسب غير المشروع قام بفحص الطلب المقدم من حسين سالم للتنازل عن جزء من ثروته، وتشكيل لجنة من الخبراء لإعادة تقدير الثروة التي يمتلكها رجل الأعمال، وتبين أن قيمة ما سيتنازل عنه نحو 5 مليارات و600 مليون جنيه، وبالفعل قام موكله بسداد جزء كبير من المبلغ للخزينة العامة للدولة. وأشار إلى أن التصالح جاء بناءً على اتفاق مسبق بين الحكومة وموكله تضمن تسوية القضايا المتهم فيها وحفظها ورفع اسمه واسم أسرته من على قوائم الممنوعين من السفر قائلاً: "الدولة تماطل مع موكلي وهذا ليس في مصلحة الجميع". اقتصاديون بينما أكد عادل عامر، مدير المركز المصري للدراسات القانونية والاقتصادية والسياسية، أن التصالح مع رجال الأعمال سيصب في صالح الاقتصاد المصري، وسيوفر ما يزيد على 250 مليار جنيه حصيلة أموال نحو 13 قضية في الكسب غير المشروع، تُوضع في الخزانة العامة للدولة ويمكن أن يُسد بها العجز في خزينة الدولة. وأوضح عامر، أن أغلب جرائم الكسب غير المشروع تحصل على البراءة لعدم وجود أدلة قطعية تثبت تضخم الثورة عن طريق غير مشروع، والتصالح مع رجال الأعمال المتورطين في هذه القضايا أفضل في ظل ضعف قانون الكسب غير المشروع الذي يعتمد على ما طرأ على الموظف العام من ثراء غير مقنن وبلا سبب، بينما المحاكم لا تأخذ بهذه الأسباب إلا عن طريق أوراق تثبت عمليات الفساد. ورحبت الدكتورة بسنت مصطفى، الخبيرة الاقتصادية، بخطوة التصالح مع رجال النظام السابق، وقالت إنها خطوة تحمل رسالة طمأنينة إلى رجال الأعمال والاستثمار الأجنبي في مصر وتحقق المنفعة المتبادلة، مشيرة إلى أنه خطوة تزيد الثقة فى الاقتصاد. وطالبت بسنت بأن تلزم المصالحة مع رجال الأعمال رؤية اقتصادية واضحة للحكومة لتنمية الاستثمار، وتلزم من خلالها المستثمرين الجادين في التصالح على زيادة استثماراتهم، وتوظيف عمالة جديدة، نافية أن يكون معنى "المصالحة" هو المصالحة بتسديد أموال للخزينة العامة للدولة فقط، وطالبت أيضًا بإجراء تصالح مع عدد جديد من رجال الأعمال. وأضافت أن مصر في حاجة لاستثمارات كبيرة وأن "الحل الوحيد الآن هو عقد مشاركات مع شركات أجنبية تأتى لمصر، لكن هذه الشركات ترى أن مصر عليها حل بعض المشكلات القائمة، وأبرزها مشكلة الاستقرار الاجتماعي التي تسببت في اندلاع ثورتين، وغياب العدالة الاجتماعية، والتي ليست كما يظنها كثيرون أن نأخذ أموال البعض ونوزعها على كل الشعب، هذا الأمر لا يمكن أن يحدث مرة ثانية، أما عن أسلم الآليات لتحقيقها فتتمثل في التنمية المستدامة، والتي بتحقيقها واستمرارها تنتج عدالة اجتماعية. خبراء وأشار شريف عبدالخالق، الخبير السياسي، إلى ضرورة وجود آليات واضحة ومحددة لتنفيذ هذه الإجراءات بحيث تكون بعيدة عن المواءمات والتقدير الشخصي، مشددًا على أنه لابد من حوار مجتمعي أولاً لوضع الأسس والآليات التي تضمن الشفافية والتأكد من استرداد هذه الأموال بالكامل وتجريد هؤلاء الذين نهبوا البلاد من كامل ثرواتهم. وأضاف عبدالخالق في تصريح خاص: "طالما أن فتحت الدولة باب التصالح مع رجال الأعمال الذين فسدوا ونهبوا ثروات البلاد، عليها أن توسع الدائرة وتفتح باب التصالح أيضًا مع شباب الثورة المحبوسين دون تهم غير أنهم تظاهروا سلميًا ولم يكونوا يومًا إرهابيين أو داعمين للإرهاب". وتابع قائلاً: "الدولة تقدر فقط على شباب وتقمع حرياتهم وتحبسهم، ولكنها لا تقدر على رجال الأعمال لذلك تستجديهم وتتصالح معهم مقابل حصولها على أموالها التي سرقوها، وإذا كان رجال الأعمال أكبر من الدولة فعلى الرئيس عبدالفتاح السيسي أن يستقيل".