قد يظن بعض الناس أن الشخصية العسكرية مستبدة لكونهم يسمعون عن طاعة الأوامر بلا تردد وعدم التراجع عن القرار , ولذلك أكتب هذا المقال الكاشف لحقيقة الثقافة العسكرية المؤهلة للضابط , إذ أن منهج الكلية الحربية يتضمن كتاباً عن فن القيادة ويوضح أنواعها ( إرغامية – إقناعية ) وفي نفس الوقت يبرز حسنات القيادة الإقناعية ويحث عليها , كما ينبغي أن نعلم أن تدريب القائد على دراسة مهمته واتخاذ قراره قد يصل في النهاية إلى القول أنه جاهز لتنفيذ المهمة , أو أنه غير قادر على التنفيذ مع طلب إمكانيات إضافية لاستيفاء هذه القدرة . ولا شك أن في تقدير الموقف إستماعاً كاملاً للتخصصات قبل القطع في القرار , وأن محصلة هذه الآراء الفنية هي محل تقدير والتزام من القائد وليس له أن يستبد برأي مخالف لما وصلت إليه اللجان الفنية , ولقد رأيت في حياتي العملية ما يؤكد وجود شخصيات عسكرية تخلو من الطبع الاستبدادي وكان من بينهم على سبيل المثال اللواء / قدري عثمان بدر حيث عملت تحت قيادته وكنت آنذاك برتبة الرائد فأمرني بأمر معين في مجال تخصصي فراجعته مبيناً له الأسباب , فما كان منه إلا أن عدل عن قراره بلا حرج , ولقد كان من المحافظين الناجحين كمحافظ لأسوان بعد إحالته إلى التقاعد , ولعلي أيضاً في هذا الصدد أذكر أنه لما اجتمع المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي أثناء ثورة 25يناير تم التصويت بالإجماع على عدم تصدي القوات المسلحة لشعب مصر بأي حال من الأحوال وهو مايحسب للمشير طنطاوي والمجلس في دعم الثورة المصرية وإنجاحها . وما أقصده أن استبداد المسئول بالقرار لا يقتصر على بعض العسكريين فقط بل إن الاستبداد قد يشمل قطاعات آخرى يشعر بها المواطنون في مؤسسات الدولة ويدركون ذلك تماماً , ويبدو لي أن فكرة إلصاق الاستبداد بالشخصية العسكرية جاءت نتيجة أن معظم الذين حكموا مصر من العسكريين , فلقد استبد الرئيس عبد الناصر في فترة حكمه مما أدى إلى كوارث أهمها ( قرار التأميم – قرار غلق مضيق تيران – قرار المشاركة في حرب اليمن ) . وكذلك السادات كان مستبداً حين عقد معاهدة كامب ديفيد دون مشاورة لرفقاء السلاح وعلى نفس طريقة الاستبداد كان يسير حسني مبارك وتاريخه غني عن ذكر المواقف ويكفينا ثورة الشعب بأجمعه في 25 يناير للتدليل على فداحة استبداده , ومما لاشك فيه أنني أستثني بوضوح من العسكريين الرئيس محمد نجيب رحمه الله وهو الذي كان حريصاً على المال العام وحريصاً على عودة الجيش إلى ثكناته بعيداً عن السياسة كما أنه كان يريد أن تعود للشعب إرادته الكاملة في إدارة شئون الحكم . ولما جاء الرئيس محمد مرسي رئيساً مدنياً للبلاد ظننت أن مرحلة الاستبداد قد انتهت ولكني فوجئت باستبداد القرار عندما لم يستعن بالمستشارين أو المساعدين ولكنه اقتصر على فريق محدود من جماعة الإخوان , ولاشك أن الإعلان الدستوري بتحصين قرارات الرئاسة كان أيضاً في غاية الاستبداد وكذلك حين رفض فكرة الاستفتاء على الانتخابات المبكرة والتي عرضها الشركاء من باب مصلحة الوطن. ولما تولى الرئيس المؤقت عدلي منصور أصدر الكثير من القوانين والقرارات دون مشورة القوى الوطنية وهو رجل مدني قانوني , كما أنه لم يقبل بفكرة الاستفتاء على خارطة الطريق كمخرج للوطن من دائرة الصراع الخطير . ومما لا شك فيه الآن أن السلطة التنفيذية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي تتمتع بقدر كبير من الاستبداد حيث أن هناك مشروعات استراتيجية كبرى لم تطرح على الحوار المجتمعي رغم أهمية مشاركة الشعب البناءة في ذلك ( قناة السويس – العاصمة الجديدة – المليون ونصف فدان – الجسر البري ) وهي أمور أصبحت محل خلاف نتيجة عدم التشاور علاوة على المعالجات السياسية الخاطئة لقضايا هامة أغفلت فيها الحكومة وصادرت حق المواطن في الفهم والمعرفة منها ( الطائرة الروسية – الطالب الإيطالي – الجزيرتين ) . فالخلاصة أن الاستبداد لا يتعلق بالعسكريين وحدهم , أو بالمدنيين وحدهم , ولكن هي حالة تصيب بعض الأشخاص من هنا أو هناك هذا ونسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى عبور هذه المرحلة الحرجة حتى يسترد فيها الشعب حقه في المشاركة والتوجيه والمساءلة . والله المستعان