يوم أمس عاد ميدان التحرير مجددًا إلى روح "الثورة".. الميدان "المسئول" و"التوافقى".. وليس الميدان "المتوتر" و"الإقصائى"، الذى يتصرف بعصبية.. نزلت الملايين من القوى السياسية الكبرى يوم أمس بنيات متباينة.. للاحتفال والاحتجاج والتأمين أيضًا. عشية الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة يناير.. عاد السؤال مجددًا جدل "الشرعية" بين الميدان والبرلمان.. خاصة أن أول جلسة للبرلمان المنتخب كانت متزامنة مع استعدادات الميدان لاسترداد وهج الثورة من جديد. المشهد السياسى فى مصر، حتى اللحظة، وإلى أواخر يوليو القادم، يقتضى بأن تظل "شرعية" الميدان محصنة من المصادرة أو التضييق عليها.. وأن أية محاولة لإقصائها ستكون كارثية على مستقبل نقل السلطة فى مصر. السلطتان "التنفيذية" و"التشريعية".. بعد الانتخابات، يسيطر عليهما قوتان كبيرتان: الأولى ل"الجيش" والثانية ل"الإسلاميون".. وهو الوضع الذى يثير مخاوف مشروعة وقلقًا لا يمكن إخفاؤه إزاء هذه القسمة "المرعبة". من الثابت سياسيًا وفق الخبرات التاريخية.. أن هيمنة أية قوة كبيرة على المفاصل الحيوية فى الدولة، تعتبر وضعًا بالغ الخطورة، حتى لو كانت قوى دينية تحظى باحترام مجتمعى واسع.. إذ سيظل تغليف "توحش" السلطة حال حدوثه ب"القدسية الدينية" احتمالا واردًا قد يعيدنا إلى دولة القمع الثيوقراطى الموروث من الخبرة السياسية المسيحية فى أوروبا، وهى العقدة التى ما انفكت القوى المدنية تحذر منها، وربما تكون محقة فى قلقها إذا كانت حسنة النية فى هذا الإطار. أعلم أن مصر تغيرت.. وأعلم أن الأغلبية السياسية التى خرجت منتصرة من الانتخابات الأخيرة.. هى قوة ديمقراطية أو على الأقل جاءت بطريقة ديمقراطية، ولن تكون شبيهة لنظام حكم مبارك المؤسس على النخبة العسكرية والأمنية وتحالف رجال الأعمال الفاسدين، غير أن مراحل التحولات الكبيرة عادة ما تكون "هشة" وقابلة للانكسار أو الاختطاف لصالح القوة الأكبر، إذا غابت "الشرعية الثورية" عن الشوارع. ومن هنا تأتى قيمة ميدان التحرير.. وفى هذه اللحظة التاريخية، كرقيب على القوتين الكبيرتين: المجلس العسكرى.. والأغلبية فى البرلمان.. ولعل "شرعية" الميدان ستظل محتفظة بتلك القيمة السياسية المفصلية، إلى أن تنتهى تلقائيًا، بانتفاء وجودها، حين يفى الجيش بوعده ويسلم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة.. وإلى أن يطمئن الرأى العام إلى تمسك الأغلبية فى مجلس الشعب، بشعار "المشاركة" وليس "المغالبة".. فعلا لا قولا أو شعارات.. وكقانون سياسى يستقر فى ضمير الجماعة الوطنية المصرية. [email protected]