ما حدث يوم الجمعة.. من المفترض أن يعيد الوعي إلى الجماعة الوطنية المصرية، ويجعلها أكثر احساسا بالمسؤولية.. فلا يجوز مطلقا، أن ندعو إلى التظاهرات بدون تحمل مسؤولية حماية المنشآت العامة من الاعتداء عليها. أنا على يقين بأن الثورة لا زالت ترواح مكانها.. ولا حل إلا في أن يظل الشارع محتفظا بوهج الثورة.. والقدرة على الحشد المليوني.. بشرط أن لا تختطف قوة سياسية واحدة المشهد السياسي المصري في جملته.. وأن لا ينفرد تيار سياسي معين بالدعوة إلى الاحتجاجات الكبيرة.. فالنجاح مشروط ب"المشاركة" وليس بمنطق "المغالبة" واستعراض القوة.. وهذا كان خطأ ما يسمى ب"القوى المدنية" وتورطها شاءت أو أبت في أحداث الجمعة الدامي والمخزي أيضا.. حيث انفردت وحدها بالتحضير والحشد والتحريض، فتحملت وحدها أيضا فاتورة "الفضيحة" وطفقت تعتذر للرأي العام المحلي والدولي أيضا. ما حدث يوم الجمعة كانت رسالة مفادها : أن مسؤولية الشارع من الخطأ أن يتحملها تيار سياسي واحد.. فالمسؤولية ينبغي أن يتقاسمها الجميع.. وأن من خرجوا إلى الشوارع عليهم أن يحافظوا على منشآت الدولة.. وإلا باتوا شركاء للبلطجية فيما يحدث من اعتداءات وعمليات سطو وترويع للمواطنين. ولعل ذلك ما دفع التيارات السلفية يوم أمس الأول إلى تشكيل لجان شعبية للخدمة في عمليات تأمين مؤسسات الدولة.. وهي خطوة "ذكية" أحرجت إلى حد كبير القوى التي تدعي "المدنية" .. ففي حين كان المنتسبون إلى الأخيرة ينتهكون حرمة الدولة ومؤسساتها.. كان السلفيون يسهرون على حمايتها.. وهي مفارقة بالتأكيد، أضافت إلى رصيد السلفية المصرية فيما كانت في الوقت ذاته خصما من رصيد القوى التي تدعي "المدنية". على التيار الليبرالي المصري أن يعترف بهذا الخطأ الجسيم.. والذي أظهره في صورة "التيار الهمجي" و"العدواني" فيما بدا منافسوه من القوى السياسية الدينية هم الأكثر تحضرا ورقيا في نظر الرأي العام. ما حدث يوم الجمعة.. كان مفيدا لكل القوى المعادية للثورة.. حين بدت الأخيرة.. وكأنها الرحم الذي لا يستقبل إلا نطف "البلطجة" و"الفوضى".. وعززت القوى الأكثر تطرفا داخل النخبة السياسية والأمنية.. والتي بدت قوتها أكثر حضورا قبل أحداث الجمعة بأيام.. وخلال الأحداث وبعدها.. حيث عادت مصر مجددا للعيش تحت مقصلة الأحكام العرفية ومحاكم أمن الدولة.. وربنا يستر. [email protected]