أصابتنى الدهشة وأنا أقرأ أن مصر تحتل رقم 120 فى الترتيب العالمى من بين 157 دولة فى العالم من حيث مؤشر السعادة.. وذلك بمناسبة اليوم العالمى للسعادة والذى مرّ فى العشرين من مارس دون أن يشعر به أحد! لم يكن اندهاشى لمروره هكذا بلا لمحة سعادة.. ولكن من هذا الترتيب العجيب الذى احتلته مصر، فالبلد العريق الذى اشتهر شعبه بخفة دمه وجمال نكاته وسرعة بديهته وقفشاته، ذلك الذى اخترع الضحك والكوميديا والذى إن لم يجد ما يضحك عليه.. ضحك على همومه وآلامه. فما الذى حدث لتتغير سيكلوجية ذلك الشعب الشهير بالبشاشة وطلاقة الوجه وحب الحياة؟ فلا أظن أن الأسباب والضغوط الاقتصادية والاجتماعية وحدها هى المسئولة عن حالة النكد البغيضة التى باتت تسيطر عليه، ولا أظن أن ما يلاقى من هموم وآلام واضطرابات واقعية تقف مثل "الخازوق" الذى يعرقل مجرى حياته هى المسئولة عن حالة الكآبة التى صارت ملاصقة لسمته! لقد كان الفرح جزءًا أصيلا من مكونات شخصية الإنسان المصري، كان لا يعكر صفو حياته شيء سوى عوارض الحياة من مرض وفراق بموت! فما الذى جعل الضحكة تخبو؟ والبسمة تتبدل لترتسم تجاعيد غائرة فى قلوب محزونة مليئة بمشاعر القسوة والألم. أتذكر أن النكسات التى مرّ بها المصريون كانت أكثر الفترات التى كثرت فيها النكات والأعمال الدرامية الفكاهية والكوميدية والساخرة فهو فى أحلك فترات حياته كان قادرا بالفعل على تحويل الأحزان إلى أفراح.. ولحظات مواجهة الموت إلى كوميديا، ويحضرنى ما حدث من ركاب الطائرة المخطوفة فى قبرص منذ أيام.. فأحد الركاب المصريين حين اكتشف أحد أفراد طاقم الطائرة تهريبه لدجاجة مجمدة فصرخ قائلا: "أنتم عديتم حزام ناسف وجايين تتحكموا فى فرختي"؟ وآخر هاتف أهله صارخا: أنا اتخطفت يا محمود.. أنا اتخطفت يا فاطمة، وقام آخر بالتقاط صور "سيلفي" مع الخاطف! ما الذى حدث لشخصية المصريين المرحة؟ ولماذا صارت خفة الدم "غلاسة" والأمل "إحباط" والضحك "بكاء" والإقبال على الحياة "اكتئاب" والطرفة البريئة "نكات خادشة للحياء"، والأغانى العاطفية "مهرجانات" والحب "مصالح" والصداقة "بزنس". نعم بكل أسف.. تحتل مصر المرتبة رقم مائة وعشرين فى ترتيبها الدولى من حيث مؤشر السعادة العالمى من بين 157 دولة فى عامنا هذا 2016، فى حين جاءت الدنمارك فى المرتبة الأولي، فهل سمع أحدنا نكتة دنماركية ودمعت عيناه ثم قبل أن يتوقف قلبه يقول: اللهم اجعله خيرا؟ أخير.. هل نحن شعب يخاف من الفرح؟ أخشى أن نكون كذلك!!