روى المستشار محمد سليمان، أحد قضاة "بيان رابعة" المحالين للصلاحية الأسبوع الماضي، ورئيس المحكمة الابتدائية بسوهاج، رحلة تدرجه فى السلك القضائى منذ تعيينه عام 2001 وكواليس المعارك التى قاضها حفاظا على هيبة القضاء حتى إحالته للمعاش بحكم مجلس تأديب أول درجة الصادر عن المجلس الأعلى للقضاء. وبدأ "سليمان" بيان نشره على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" قائلًا:" التحقت بسلك القضاء عام 2001 أى أننى قضيت فى سلك القضاء خمسة عشر عاما، طيلة هذه الفترة خلا ملفى من شكوى واحدة من مواطن أو متقاض أو محام أو زميل أو جار إلا أنه فى عام 2005 و بعد أربعة أعوام من تعيينى حيث كنت وكيلاً للنائب العام فى السادسة والعشرين من العمر أحالنى النائب العام المستشار ماهر عبد الواحد، آنذاك، للتحقيق بعد إدلائى بشهادتى للجنة تقصى الحقائق التى شكلها نادى القضاة حينئذ، وقت أن كان للقضاة ناد، لكشف الانتهاكات التى شابت الإشراف على الاستفتاء على تعديل المادة 76 من دستور 1971 التى عدّلت طريقة انتخاب رئيس الجمهورية من الاستفتاء إلى الانتخاب حيث لم تكن كل لجان الاقتراع برئاسة قضاة بل كان أغلبها من غير القضاة وحدث فى بعضها تلاعب". وأضاف "سليمان"، أن النائب العام، مارس حينها ضغوطًا عليه كبيرة قد لا يحتملها الآن قيادات فى النيابة العامة لإجبارى على سحب شهادتى بعد تقديمها وبعدما رفضت كل الضغوط أحالنى للتحقيق بمعرفة التفتيش القضائي" على حد قوله. وأمضى قائلًا: "سافرت إلى القاهرة ولا تفارقنى الآية الكريمة "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ" وبالفعل كان فى عبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل" صدق موعود الله، ووقف نادى القضاة حينها إلى جانبى وقت أن كان دور النادى الدفاع عن استقلال القضاة وحماية كرامة أعضائه من عسف السلطة وكان لهم فضل بعد فضل الله فى إنهاء الأزمة وأخص بالذكر المستشارين زكريا عبد العزيز وناجى دربالة وهشام جنينة وأحمد صابر، وجميعهم أحيلوا للمعاش بأحكام مجلس الصلاحية بعد 3-7-2013 بينما عُزل المستشار جنينة من منصبه كرئيس للجهاز المركزى للمحاسبات، منذ أيام. واستطرد:"طلبنى النائب العام فى مكتبه فذهبت وواجهته وخرجت من مكتبه منتصرًا مرفوع الرأس فى الوقت الذى كان فيه السادة المحاصرين لمكتب النائب العام الجليل طلعت عبد الله يخشون من مجرد المرور أمام مكتب النائب العام"، وقرر النائب العام حينها العدول عن قرار إحالتى للتحقيق". وتابع:" شاركت فى اعتصام القضاة بناديهم دفاعاً عن كرامة القضاة واستقلالهم وقت إحالة المستشارين محمود مكى وهشام البسطويسى لمجلس التأديب لمطالبتهما بالتحقيق فى وقائع تزوير انتخابات 2005 وتركنا مساكننا وافترشنا الأرض بنادى القضاة ولم نكن ندرى أنه سيأتى على القضاء أيام يبدى فيها القضاة الشماتة والفرح لعزلنا إرضاء للطغاة". وأشار إلى أن فئات كثيرة من أبناء الشعب المصرى شاركت فى مساندتنا وكانت هتافاتهم "إن فى مصر قضاة لا يخشون إلا الله"، و"يا قضاة يا قضاة خلصونا من الطغاة" وسام على الصدور، وما كنا ندرى أنه ستأتى على مصر أيام يكون فيها من بين القضاة من لا يخشى حتى الله، أو أن يكون القضاة هم من يجلبون الطغاة لا من يخلصون الناس من شرورهم" على حد البيان. وروى، المستشار محمد سليمان، أنه بعد اندلاع ثورة يناير المجيدة ونجاحها فى الإطاحة بمبارك تملكنى الإحساس أن مصر التى كنا نحلم بها قد أقبلت فعزمت على ألا أكون أبداً إلا مديناً لتلك الثورة و محققاً لآمال و تطلعات شعبها قدر استطاعتي" . وأمضى قائلًاً:" شاركت فى الإشراف على انتخابات مجلس الشعب فى نهاية عام 2011 و كانت الانتخابات الأنزه فى تاريخ انتخابات المجالس النيابية وحرصاً منى على نجاح التجربة الديمقراطية الوليدة ولضمان عدم التلاعب فى صناديق الانتخابات ولطمأنة الناخبين فقد قررت المبيت فى لجنة الانتخابات التى كنت أشرف على الانتخابات بها فى إحدى قرى محافظة أسيوط فى أجواء شديدة البرودة فطلبت من أحد موظفى اللجنة وسادة ومفرش للنوم وافترشت الأرض بعد تشميع الصناديق فى وجود مندوبى المرشحين وسعادتهم وانبهارهم بتركى فندق المبيت ذات الخمس نجوم والعشاء الفاخر وتفضيل المبيت باللجنة ولكنه كان الأمل فى غد مختلف أُغتيل قبل مولده". تم ندبى للعمل رئيساً بنيابة النقض عام 2012 بعد ثلاث سنوات فقط من جلوسى على المنصة بعدما كان لا يُنتدب أحد لنيابة النقض إلا من يجلس على المنصة أربع سنوات، والمفارقة أن أحد أعضاء اللجنة التى أجرت المقابلة معى ووافقت على ندبى لنيابة النقض كان من ضمن المبلغين عن قضاة البيان مطالباً بعزلهم. جاء الثلاثين من يونيو وبمقتضاها تمت الإطاحة بأول رئيس مدنى منتخب انتخابا نزيهاً حقيقياً شهد له العالم وتم تعطيل العمل بدستور 2012 وإلغاء مجلس الشورى المنتخب وبدأت أنهارا من الدماء تسيل فى شوارع قاهرة المعز وبعض الأقاليم. عقب ذلك ظهرت فى الأفق بادرة إصدار بيان باسم قضاة تيار الاستقلال لإدانة إهدار سيادة القانون وإلغاء نتائج الاستحقاقات الانتخابية التى أشرف عليها القضاة ويعلمون صدق نتائجها، ولأن إعلان نتائج انتخابات يشرف عليها القضاة هى بمثابة حكم لا يملك أحد أن يلغيه بجرة قلم لمجرد أنها لم تكن نتائجها على هوى البعض . سعيت على الفور للمشاركة فى إصدار البيان ووضع أسمى عليه لما تضمنه من الدعوة لاحترام الدستور والقانون واحترام إرادة الأمة التى أفرزتها الصناديق والدعوة لنبذ العنف وحقن الدماء وإجراء مصالحة وطنية تضمن الخروج بالوطن من أزمته التى أحدثتها المؤامرة وتم إلقاء البيان من المركز الإعلامى بشارع الطيران يوم 24 / 7 / 2013. لم تكن مشاركتى فى إصدار البيان من قبيل حرية الرأى وإنما كان دفاعاً عن حق وجهر به فالرأى يحتمل الوجهتين وكلاهما له سند أما الحق فمعارضته باطل، فمعارضة الدعوة لاحترام الدستور والقانون هى دعوة لشريعة الغاب ومعارضة الدعوة لحقن الدماء هى دعوة لسفكها وللاحتراب ومعارضة الدعوة للمصالحة هى دعوة للاحتراب الأهلي. فى ذات يوم إلقاء البيان اجتمع المستشار أحمد الزند، وزير العدل المقال، ورجاله فى نادى القضاة وأصدروا قرارًا بشطب عضويتى وباقى قضاة البيان من نادى القضاة وحرماننا من خدماته. فى اليوم التالى لإلقاء البيان قدم الزند ورجاله بلاغاً للنائب العام ومجلس القضاء الأعلى تعبر كلماته عن أشخاصهم و تنضح بما فيهم. بعد يومين من إلقاء البيان اتصلت بى مديرة مكتب السيد المستشار مدير نيابة النقض تبلغنى برغبة المستشار فى مقابلتى فى اليوم التالى فأدركت أنه سيخبرنى بإنهاء ندبى وعودتى للمحاكم فتوجهت له وطلب منى مذكرة بشأن ورود أسمى بالبيان وما إذا كنت شاركت فعلاً أم لا فحررت له مذكرة أقر فيها بالمشاركة فى البيان إيماناً منى بأن عماد عمل القاضى هو الدفاع عن الدستور القانون وتوقعت إنهاء ندبى وقبلت ذلك حسبة لله وحده ولم أكن أتوقع أن يكون الظلم أكثر من هذا رغم عدم استبعادى لأى إجراءات انتقامية أخرى كل هذا و لم أفكر لحظة فى التراجع بل زاد إصرارى على المواجهة . بالفعل تم إنهاء ندبى من نيابة النقض قبل نهاية العام القضائى فى إجراء غير معتاد، وتم ندب قاض للتحقيق هو محمد شرين فهمى بإجراء مخالف للقانون وباشر التحقيق وقام بطلبى لسؤالى فيما جاء ببلاغ الزند وصحبه، فقمت بتوكيل أحد المستشارين لطلب الحصول على صورة من التحقيقات لكى أتمكن من الرد على ما نسبه لى الشاكون إعمالاً لحقى القانونى إلا أنه تعنت وخالف القانون و رفض و عليه رفضت المثول أمامه . وأكد "سليمان" أنه تم منعه من السفر ضمن ثلاثة عشر قاضياً بدون سند قانونى ولا مدة محددة ولا بيان لسبب استبعاد هؤلاء القضاة تحديداً دوناً عن الخمسة وسبعين قاضياً الذين أصدروا البيان ولا يوجد تصور لقراره هذا إلا أنه قام بإجراء القرعة بينهم فخرج بهذا القرار. بعد منعى من السفر كنت فى مكتب أحد مساعدى الوزير الذى تركنى للوضوء وكان التلفاز بمكتبه ينقل الصلاة من المسجد الحرام فنظرت إلى التلفاز وذرفت عيناى بالدموع شوقاً لزيارة بيت الله الحرام وقبر نبيه صلى الله عليه و سلم والذى منعنى منه ذلك القاضى فدعوت الله حينها أن ينتقم منه بقدر ما حرمني، على حد قوله. تمت إحالتى للمعاش بحكم مجلس تأديب أول درجة دون سماع مرافعتى ولا مرافعة غيرى من القضاة وبعد مراوغة من رئيس ذلك المجلس بشأن إلغاء قرار المنع من السفر أو تمكيننا من الطعن بالتزوير على محضر تحريات الأمن الوطنى ظاهر التزوير والكذب . وأشار إلى أنه قام بالطعن على ذلك الحكم أمام مجلس التأديب الأعلى الذى يرأسه رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى والذى سألنى عن سبب مشاركتى فى إصدار البيان وعندما أجبته من ضمن ما قلته الدعوة لحقن الدماء ونبذ العنف فسألنى عدة مرات عن سبب دعوتى لحقن الدماء وما شأنى كقاض بذلك فقلت له "من لم يهتم بأمر المسلمين" فانتفض قائلاً " آآآه المسلمين لا دى حاجة تاني" ثم سارع بتكليف السكرتير بإثبات أننى شاركت فى إصدار البيان اهتماماً منى بأمر المسلمين وكأن الاهتمام بأمر المسلمين صار جريمة، على حد البيان . واختتم رسالته قائلًأ:"صدر الحكم بإحالتى للمعاش بعد حملة طويلة من التشويه والتدليس والأكاذيب شُنت على قضاة البيان سواء من قضاة الزند أو ممن أطلقوا على أنفسهم رجال إعلام و صحافة... حملة تنوء منها الجبال لكن الحمد لله أن منحنا القوة والثبات على مواجهتها والانتصار عليها مستشهدًا بقول الحق تبارك وتعالى "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا".. رسالتى للجميع : نعم شاركت فى إصدار البيان و أفتخر بل وسأضعه على جدران بيتي، شاركت احتراما لنفسي، شاركت لأجل نفوس قضت نحبها فى سياق عبثى مظنة ما أُطلق عليه زوراً و بهتاناً بمنهج الديمقراطية وحرية التعبير، شاركت لأجل قتل أبرياء عزل تحت نعت مكذوب بالإرهاب والتطرف. قتل أُلبس عباءة مهترأة تم نسج أوصالها بأهواء لا تركن إلى عدل ولا تتوخى موضوعية ، شاركت لما يُحاك بالوطن من مزاعم قد لا تقرها ضمائر من تلهج ألسنتهم بالترويج لها.. شاركت و أفتخر.. شاركت و لو كان بيدى لوضعت البيان فى قبرى بينى و بين كفنى حتى ألقى به ربى . توقيع: القاضى محمد أحمد سليمان.. "قاضى البيان وأفتخر".