لا ينبغي أن يمر مرور الكرام ذلك الحكم الذي أصدرته محكمة أمريكية بإدانة إيران وتنظيم حزب الله اللبناني بالتورط مع تنظيم القاعدة في عملية تدمير برجي التجارة العالمي بنيويورك 11 سبتمبر 2001 ، ليس فقط لضخامة مبلغ التعويض الذي ألزمت به المحكمة الحكومة الإيرانية "عشرة مليارات دولار" ، وهو مرشح حسب المصادر القضائية للوصول إلى واحد وعشرين مليارا ، وإنما للحيثيات الخطيرة التي وردت في حكم المحكمة والوثائق التي استندت عليها ولم تنجح إيران في دحضها أو إثبات عكسها ، حيث كانت المخابرات الإيرانية بشكل مباشر أو من خلال ذراعها اللبناني "حزب الله" تقيم علاقات تعاون وثيقة مع قيادة تنظيم القاعدة للتخطيط والتدريب والتنسيق للعمليات الإرهابية ، وتلك معلومات كنا نعرف طرفا منها من خلال شخصيات "جهادية" عادت من أفغانستانوإيران في نهاية حكم مبارك ، وكيف كانت المخابرات الإيرانية تبسط حمايتها على قيادات وتوفر لهم ملاذات آمنة في مناطق إيرانية وتوفر لهم جوازات سفر تساعدهم على الحركة مع تعليمات للمنافذ بمنع وضع أختام المغادرة والوصول على تلك الجوازات ، ومن هؤلاء متشددون من السعودية ومن مصر وتونس وغيرها ، غير أن وثائق المحكمة الأمريكية نشرت تفاصيل مذهلة عن هذه الشبكة المعقدة من العلاقات . فقد قامت إيران وفق تلك الوثائق بتسهيل انتقال عناصر تنظيم «القاعدة» إلى معسكرات التدريب في أفغانستان، وهو ما كان ضروريًا لنجاح عملية الحادي عشر من سبتمبر ، كما قام عماد مغنية (أحد قادة حزب الله اللبناني المدعوم ايرانيا ) بزيارة المنفذين في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2000 قبل عام واحد من تنفيذها ونسق سفرهم إلى إيران بجوازات سفر جديدة لتأمينهم قبل تنفيذ العمليات ، كما أثبتت الوثائق أن الحكومة الإيرانية أصدرت أوامر إلى مراقبي حدودها بعدم وضع أختام مُبَيِّنة على جوازات سفر المنفذين، لتسهيل عمليات تنقلهم ، واستمرت إيران في تقديم دعم مادي إلى «القاعدة» (حسب الوثائق) بعد وقوع أحداث سبتمبر وقدمت ملاذًا آمنًا لقيادات التنظيم. وضمن حيثيات المحكمة، فقد أشير إلى أن العلاقات كانت قديمة بين الجانبين : القاعدة وإيران ، وأن اجتماعًا عقد في الخرطوم عام 1993 ضم أسامة بن لادن زعيم القاعدة السابق، وأيمن الظواهري، الزعيم الحالي للقاعدة مع عماد مغنية ومسئولين إيرانيين لإقامة تحالف للتعاون المشترك ودعم الإرهاب ، سافر على إثرها عناصر بارزة في «القاعدة» إلى إيران لتلقي تدريبات على استخدام المتفجرات. وأدى الاجتماع الذي عقد بالخرطوم إلى سلسلة من الاتصالات والتدريبات والعمليات المستمرة التي جمعت بين إيران و«حزب الله» و«القاعدة». وأرسل أسامة بن لادن المزيد من عناصره من بينهم سيف العدل، (الذي أصبح بعد ذلك الرجل الثالث في «القاعدة» وقائد التنظيم العسكري) إلى معسكرات تدريب «حزب الله» التي يديرها مغنية والحرس الثوري الإسلامي في لبنانوإيران. ومن بين الأساليب التكتيكية الأخرى، درّب «حزب الله» عناصر «القاعدة» التابعين لأسامة بن لادن على تفجير مبان ضخمة، كذلك قدم لهم تدريبات خاصة بالاستخبارات والأمن. واستمر تدريب الإرهابيين بين «القاعدة» وإيران و«حزب الله» طوال التسعينات، وقدمت إيران دعما ماديا ومباشرا لعملية النقل الخاصة بالإرهابيين الذين نفذوا أحداث 11 سبتمبر (أيلول). وكان تسهيل انتقال عناصر «القاعدة» إلى معسكرات التدريب في أفغانستان ضروريا من أجل نجاح العملية الإرهابية. وتؤكد الحيثيات التي وصلت إليها المحكمة على وسيلتين منفصلتين، ولكن بينهما رابط قامت من خلالهما إيران بتسهيل ودعم (القاعدة) فيما يخص أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. والطريقة الأولى التي ساعدت بها الحكومة الإيرانية ماديا وبطريقة مباشرة عملية سفر إرهابيي 11 سبتمبر هي إصدار أوامر إلى مراقبي حدودها بعدم وضع أختام مُبَيِّنة على جوازات سفر الخاطفين المستقبليين المسافرين من وإلى أفغانستان عبر إيران. وسافر الكثير من خاطفي 11 سبتمبر عبر إيران في طريقهم من وإلى أفغانستان، مستفيدين من عدم وضع أختام في إيران على جوازات سفرهم السعودية. وهكذا سهلت إيران انتقال أعضاء «القاعدة» من وإلى أفغانستان قبل أحداث 11 سبتمبر. وكان بعض من هذه العناصر الخاطفين الذين نفذوا عمليات 11 سبتمبر فيما بعد. أما الطريقة الثانية التي قدمت من خلالها إيران دعما ماديا ومباشرا لعمليات 11 سبتمبر، فكانت قيام عميل إرهابي من إيران و«حزب الله» بالمساعدة في تنسيق سفر الخاطفين فيما بعد. كما كشفت لجنة التحقيق في أحداث 11 سبتمبر، في أكتوبر عام 2000، زار قيادي بارز في «حزب الله» (عماد مغنية) السعودية لتنسيق العمليات هناك. وخطط لمساعدة عناصر متشددة في السعودية على السفر إلى إيران خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني). وكانت العمليات التي ذهب مغنية إلى السعودية «لتنسيقها» تتعلق بسفر الخاطفين وحصولهم على جوازات سفر سعودية جديدة، أو تأشيرات دخول أميركا لتنفيذ هجمات 11 سبتمبر، وتأمين الخاطفين والعملية. حيثيات حكم المحكمة أدانت ستة من قيادات الأجهزة الإيرانية بمن فيهم آية الله علي خامنئي نفسه ، بالإضافة إلى وزير الاستخبارات والأمن علي فلاحيان، ونائب قائد الحرس الثوري الإيراني، والعميد محمد باقر ذو القدر. بالإضافة إلى ثلاث أجهزة رسمية، وهي وزارة المخابرات الإيرانية، والحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس التابع له. هذه تطورات في غاية الخطورة ، وتكشف أبعادا لم تكن منظورة أمام كثيرين عن تورط إيران في تنسيق شبكة ضخمة للقيام بأعمال إرهابية في عدد من البلدان ، منها مصر بطبيعة الحال والسعودية وعواصم أفريقية وغربية عديدة ، يكون وجهها المكشوف والمعلن تنظيمات إسلامية سنية المذهب ، بينما التخطيط السري والتدريب والدعم والتمويل للأعمال الإرهابية هو لأجهزة أمنية إيرانية محترفة وقيادات في حزب الله اللبناني ، وكما قلت ، هذه المعلومات كانت تردنا كباحثين وصحفيين مبعثرة من خلال عناصر عائدة من أفغانستانوإيران وسوريا وتم التحفظ عليهم في السجون المصرية في العشر سنوات الأخيرة من حكم مبارك ، لكن هذه أول مرة نحصل على صورة متكاملة لما كانت تقوم به إيران في النشاط الإرهابي الذي روع العالم طوال عقد كامل على الأقل .