أعترف أن استقائى للأخبار عبر الفيس بوك يُشعرنى بمزيدٍ من الصدق والمصداقية والراحة والطمأنينة عن استقائى للأخبار عبر القنوات المصرية، سواء الأرضية منها أو الفضائية. فحينما يحدث أمرٌ ما – وكثيراً ما تحدث أمور فى بلادنا فى ظل السيولة التى نعيشها منذ اندلاع ثورة 25 يناير - أجد نفسى أتوجه تلقائياً إلى الفيس بوك أكثر من توجهى إلى قنواتنا التليفزيونية. هناك ثلاثة أسباب لذلك.... أولاً، أن الفيس بوك يتيح لى الالتقاء مع الأصدقاء والمعارف والأقارب والجيران الذين يمثلون – بالنسبة لى - مصادر موثوق منها فى نقل المعلومات. فهم يتواجدون فى الميدان لا لشىء آخر سوى نهضة أمتنا المصرية؛ وهم لا يتقاضون تلك الأجور المغرية والفلكية التى يتقاضاها مذيعو القنوات الفضائية؛ ومن ثم، لا يُفرض عليهم أجندات معينة أو خطوط حمراء محددة. باختصار، هم أحرار من كل قيدٍ...قيد الكرسى، وقيد الوظيفة، وقيد الأضواء، وقيد المال. ولذلك، تخرج كلمتهم حرة طليقة صادقة. ثانياً، إن الفيس بوك يوفر فضاءً للتعددية والاختلاف؛ فهذه صديقة سلفية، وتلك ليبرالية، وذلك إخوانى، وآخر اشتراكى، وآخر "كنبى". أسمعهم جميعاً...فنتحاور ونتجاذب أطراف الحديث دون خوفٍ أو حسابات أو حساسيات. لقد حُرمنا طيلة حكم العسكر الذى جثم على قلوبنا – طيلة ستين عاماً – من الحوار والنقاش مع بعضنا البعض...فجاء هذا الاختراع "الفيس بوك" ليعوضنا عن سنوات الحرمان والشقاء والخوف. لا أقول أن "الفيس بوك" هو منتهى الآمال، ولكنه – على الأقل – خطوة على الطريق فى هذا الفضاء الإلكترونى نقوم سوياً بالتعليق على ما يحدث حولنا، دقيقة بدقيقة، وثانية بثانية؛ وفى وسط كل ذلك تشعر بالنبض الجماعى المجتمعى الذى لن يستطيع أى مذيع - مهما بلغت مهارته ولباقته - نقله أو وصفه. أنت نلمس ذلك النبض بيدك...لا بيد المذيع. نعم، لقد أصبحنا نعيش عصر المواطن الإعلامى الذى يصنع الخبر بذاته ولا ينتظر أن يُنقل إليه وهو جالس على الكنبة. ثالثاً، إن الفيسبوك لا يُهيج الأمور ولا يثير الاستقطابات كما تفعل قنواتنا الأرضية والفضائية. لا أنكر وجود أمثلة من ذلك التهييج والاستقطاب على الفيس بوك؛ إلا أن تلك الأمثلة لا تبلغ أبداً ذلك التخطيط الاستقطابى التهييجى الممنهج الذى تموله تلك القنوات بأموالٍ سخية. فالتشتيت الذى تخلفه تلك القنوات كل يوم يضيف تشرذماً مضاعفاً فوق التشرذم الكائن على أرض الواقع؛ فتُسكِب البنزين فوق النار لتزداد اشتعالاً. بمعنى آخر، الاستقطاب على الفيس بوك يأخذ شكلاً تلقائياً عفوياً على عكس الاستقطاب الممنهج والممول والمُغرِض الذى نشاهده يومياً على شاشاتنا الفضية. أعيد وأكرر: لقد أصبحنا نعيش عصر المواطن الإعلامى الذى يصنع الخبر بذاته ولا ينتظر أن يُنقل إليه وهو جالس على الكنبة. لقد صارت الجماهير هى البطل؛ صارت هى صانعة الحدث، وهى التى تنقله بإمكاناتها وأدواتها...صارت هى التى تُنقب وتبحث بذاتها.. نعم، الجماهير تحولت إلى وسائل إعلام. [email protected]