يزعجنى جدًا ما يقوله البعض عن شباب ثورة 25 يناير عن كونهم شبابًا بدون خبرة أو عن كونهم ذوى صفحاتٍ بيضاء خالية من كل شىء وأى شىء. سمعت هذا الكلام كثيرًا من قبل أناسٍ مسئولين – ذوى الشعر الأبيض الكثيف؛ سمعتهم يرددون هذا الكلام ليلاً ونهارًا على شاشات الفضائيات... التهوين من قدر أولئك الشباب، والاستهانة بقدراتهم، يكاد يكون هو الخيط الناظم والمشترك فى أحاديث أولئك المسئولين "الكبار". وعلى تلك الأحاديث لى تعقيبان... لعلهما يصلان يومًا إلى أىٍ من أولئك "الكبار". أولاً، أود أن أتوجه إلى أولئك "الكبار" بأسئلةٍ عدة، وهى: ماذا فعل ذوو الخبرة فى مصر على امتداد ثلاثة عقود؟ هل استفاد الشعب المصرى من خبراتهم؟ هل ساعد ذوو الخبرة الشعب المصرى المنكوب ليخرجه من محناته المتعددة؛ الفقر والمرض والجهل؟ هل استطاع ذوو الخبرة أن ينتشلوا نصف الشعب المصرى من تحت خط الفقر، وأن يعيدوا له كرامته التى اغتصبها وانتهكها "مبارك" وأعوانه؟ الإجابة ببساطة: لا بل ألف لا. لماذا؟ لأن ذوى الخبرة ركنوا خبراتهم على جنبٍ لينعموا ويستمتعوا بالسلطة، ولينهلوا من "خيراتها" و"ملذاتها" على قدر المستطاع. نعم، لقد عطل ذوو الخبرة خبراتهم وبخلوا بعلمهم لإنهاض هذا الشعب، وآثروا رغد الحياة تحت سقف الفساد والاستبداد إذن، المسألة مسألة إخلاص أولاً وآخراً. إذا انتفى الإخلاص انتفى كل خير؛ فالعلم والخبرة يصيران عدماً إذا انتفى الإخلاص وحل محله عبادة الذات والدوران فى فلكها. وقد تعاملت شخصياً مع العديد من هؤلاء الشباب المصرى الثائر – الذى أشعل فتيل ثورة 25 يناير والذى لجأ إلى الشعب ليحتضن ثورته – ولمستُ فيهم هذا الإخلاص والتجرد؛ وواثقةٌ من أن الله سيثيبهم ويكافئهم بمدده من الحفظ والرعاية والحكمة والبصيرة؛ وسيرشدهم إلى اختيار الأفضل لصالح أمتهم المصرية وأمتهم العربية. وقد رأينا بأم أعيننا مشهداً واقعياً من ذلك المدد الإلهى فى أثناء ال18 يوماً للثورة المصرية؛ حيث أقام هؤلاء الشباب، ومعهم الشعب، بتدشين "المدينة الفاضلة" فى داخل ميدان التحرير؛ تلك "المدينة" التى تم تجهيزها وإدارتها أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وتربوياً وثقافياً ليحيا فيها كل فئات الشعب المصرى حياةً كريمةً، تقاسموا فيها لقمة العيش وشربة الماء، حتى خلعوا الرئيس المستبد. لقد قاومت تلك "المدينة الفاضلة" - التى لم يكن لها سابق خبرة فى المقاومة - قوات الأمن الباطشة ذات الخبرة فى البطش وإزهاق الأرواح. لقد نجحت تلك "المدينة الفاضلة" فى مقاومتها بسبب إخلاصها وسعيها المخلص للتحرر من العبودية، فألهمها الله بالحكمة والبصيرة فى التعامل مع أعتى جنود إبليس. ثانياً، إن ما مر به شباب الثورة – على مدى 11 شهراً - قد أكسبهم من الخبرة والدراية الميدانية ما لم يكتسبوه طيلة حياتهم. بمعنى آخر، لقد ضُغطت خبرة السنوات فى عدة أشهر. لقد نزل هؤلاء الشباب إلى الشارع، حاملين أرواحهم على أكتافهم؛ فرأوا من الأهوال ما لم يره "ذوو الخبرة" الجالسون على الكنب الوثير. وتعاملوا مع تلك الأهوال – وهم واقفون على خط النار – بمنتهى الشجاعة والبسالة....وما لاقاه هؤلاء الشباب فى "موقعة الجمل" و"مجزرة محمد محمود" خير دليل على ذلك. لقد تخطوا مذبحتين بمعنى الكلمة....وأثبتوا أنهم رجال؛ وأثبتوا أنهم أصحاب موقف...أثبتوا أنهم ليسوا عيالاً. والأكثر من ذلك، صار لديهم خبرة فى التعامل مع الحكومة والمجلس الأعلى العسكرى....... [email protected]