قرار انسحاب البرادعى من سباق الرئاسة أثار كثيرًا من الجدل واللغط خلال الأيام الماضية على الساحة السياسية بين مؤيد ومعارض ومشكك، لكن من الضرورى أن نعترف - رغم اختلافنا الكامل مع البرادعى فى توجهاته الفكرية- إلا أنه شخصية وطنية، حركت الماء الراكد فى مصر قبل الثورة، بل وشاركت وساعدت على الثورة ضد نظام مبارك، فالرجل لا يمكن تخوينه بأى حال من الأحوال، ويكفيه مشاركته فى جمعة الغضب فور عودته للتو من سفر بالخارج رغم ضبابية الموقف، حيث لم يكن أحد فى الدنيا يتنبأ بنجاح الثورة على هذا النحو. فالرجل جازف بحياته يوم جمعة الغضب، وكان من السهولة أن تصيبه رصاصة طائشة من الأمن الكثيف، والقنابل التى ملأت سماء ميدان الجيزة، بل كان يمكن لأى غادر أن يطعنه فى ظل الفوضى، والرجل لم يكن يحرسه أحد، بل كان وسط شباب الثورة، الذين التحموا فى معركة تاريخيّة نادرة مع قوات الأمن، وانطلقت ثورة الشباب يومها إلى ميدان التحرير. نقص ذلك لنؤكد على أن البرادعى - الذى بيننا وبينه بُعد المشرقين فكريًا - نحترمه لوطنيته، ومشاركته فى الثورة، خاصة أنه من الرموز القليلة التى كان لها دور مؤثر فى نجاح الثورة"، فانسحابه من السباق الرئاسى يعتبرُ خسارة كبيرة للانتخابات الرئاسية، لأنه رمزٌ ليبرالى ، ووجه يقبله الغرب، مما كان سيحقق التوازن فى العملية الانتخابية, فمن مصلحة مصر أن يتنافس الجميع فى سباق الرئاسة، تنافسًا شريفًا وديمقراطيًا، يصبُ فى خانة مصر الحضارية. ومن الإنصاف أيضًا القول بأن البرادعى تعرض لظلم وتشويش إعلامى بالغ، من قبل فلول الحزب الوطنى المنحل وبقايا النظام البائد، بل ومن بعض الإسلاميين، وهذا التشويش الإعلامى أثر سلبًا فى شعبية البرادعى ، والحضور الجماهيرى له فى الشارع قد تقلص كثيرًا فى ظل الانتخابات البرلمانية والتى حقق فيها الإسلاميون نجاحات باهرة فلم يعد البرادعى يحظى بنفس الزخم الذى كان عليه قبل الثورة، وربما هذا الأمر كان دافعًا لانسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية، لكن البعض يرى شيئًا آخر وهو توقيت انسحاب البرادعى، والذى يحمل تحريضًا صريحًا للشباب على الثورة يوم 25 يناير القادم، باعتبار أن الثورة المصرية لم تنجح فى عامها الأول وباتت فى حاجة إلى ثورة جديدة. لو صح هذا الكلام فالبرادعى مخطئ فى تصوره، وتصرفه هذا غير ديمقراطى بالمرة، ويعد انسحابه انقلابا على العملية الانتخابية التى شاركت فيها الجماهير المصرية وتمخض عنها برلمان مصرى نزيه جاء من خلال الصندوق الانتخابى وإرداة جماهيرية حرة، فمصر قطعت شوطا كبيرا فى سبيل بناء دولتها الحديثة.. وإن كانت هناك سلبيات عديدة فى المرحلة الانتقالية فالشعب كله ينتظر بفارغ الصبر زوال الفترة الانتقالية للعسكر بنهاية شهر يونيو القادم. الثورة لم تفشل بل هناك عراقيل توضع أمامها تجب إزالتها .. ومن المهم أن نؤكد أن فشل بعض ائتلافات الثورة فى تأسيس أحزاب أو تحقيق نتائج ملموسة فى الانتخابات البرلمانية لا يعنى فشل الثورة، بل يعنى أن شباب الثورة يحتاجون لكثير من النضج السياسى والعمل بين الجماهير لقبولهم شعبيا، لكن الانقلاب على العملية الديمقراطية فى مهدها جريمة لا تُغتفر. [email protected]