1- يعتبر سد الموصل هو أحد أكبر السدود العراقية المقامة على نهر دجلة وتم بنائه عام 1983 ويقع على بعد 450 كم شمال العاصمة بغداد وقرابة 30 كم من شمال غرب مدينة الموصل, وهو سد ركامي يصل طوله لقرابة 3200 متر وإرتفاعه الإنشائي يصل 131 متر وبينما أقصي إرتفاع للماء أمامه تصل ل113 متر. كما يحجز السد أمامه كمية مياه تصل ل 11 مليار متر مكعب كآقصي سعة حجمية. غالبا ما تصل بحيرة خزان السد لأعلى سعة لها بعد منتصف شهر مارس وإلي حتى بداية مايو من كل عام. ويعتبر سد الموصل من السدود متعددة الأغراض حيث أنه يستخدم لحجز الفيضانات التي كانت تغرق قري شمال العراق في فصل الربيع بالإضافة لتوليد الطاقة الكهربائية حيث تصل طاقته لقرابة 35% من طاقة السد العالي بمصر أي 750 ميجاووات, كما يروي قرابة 7500 كم مربع من الأراضي الزراعية القريبة منه. 2- وصلت تكاليف إنشاء سد الموصل عام 1983 قرابة 1.5 مليار دولار أمريكي إلا أنه بعد ثلاث سنوات من تاريخ إستلامه من الشركة الإيطالية المنفذة بداء يستنزف مئات الملايين من الدولارات لصيانة جسم السد ومنع إنهياره. حيث تبين للحكومة العراقية عام 1986 أن الشركة الإيطالية المنفذة لبناء السد قد إختارات موقعا ذات طبيعة جولوجية لا تتناسب مع طبيعة عمل سد كمثل سد النهضة. حيث تم بناء السد بمنطقة قاعها الجولوجي يتكون من الصخور الجبسية. ولكن هنا لابد أن نذكر انه لايجب أن تلام الشركة الإيطالية بشكل تام بشأن إختيار الموقع الجيولوجي الغير مناسب . حيث كان هناك مساحة تداخل كبيرة بين القرار الهندسي والقرار السياسي خلال حكم الرئيس السابق صدام حسين. ففي البداية تم إختيار 4 مواقع مختلفة لسد الموصل إلا لكل موقع ميزاته وعيوبه. حيث أصرت الإدارة السياسية حينذاك أن يتم إختيار موقع للسد يكون قادر على ري مساحة (2500) كيلومتر مربع تشكل أراضي مشروع الجزيرة الشمالي والجنوبي والشرقي بالإضافة لمساحات جديدة للإرواء في محافظات الموصل وبغداد والكوت والعمارة والناصرية والبصرة بحيث أصبحت المساحة الكلية (7500) كيلومتر مربع، وبالتالي فقد تغير موقع السد عدة مرات ليكون الموقع الحالي يحقق الأهداف الزراعية من السد ولكنه لايحقق شروط الإستقرار الهندسي. 3- تتمثل المشكلة الأساسية لسد الموصول في الطبيعة الجيولوجية الحاملة لجسم السد, حيث أنها تتمثل في طبقة من صخور الجبس بسمك يصل لقرابة 18 متر وتداخل هذا الطبقة مع طبقات طينية وأخرى صخرية متأكلة. ومن المعروف علميا ان الصخور الجبسية هي عبارة عن أملاح كبريتات الكالسيوم القابلة للذوبان في المياه وخاصة في حالة تلوث المياة بأي مواد عضوية ناتجة عن تلوثات تربية الأسماك أو اي مصادرتلوث طبيعية أخرى والتي تغير قيمة الPH لأقل من (7) مما يجعل المياه تتفاعل مع أملاح كبريتات الكالسيوم لتغسل (أيونات الكالسيوم) تاركة الصخور الجبسية مغوغة هشة مثل قطعة الأسفنج بعد فقدان ما بها من كالسيوم, وهذا يخفض كثيرا من قدرة تحمل طبقة الأساس لوزن الجسم , مما ينذر بحدوث شقوق عرضية بجسب السد نتيجة خسوف فجائي لأي جزء منه وخاصة بمنطقة أكتاف السد. 4- مع إنتهاء التخزين الأولي لبحيرة سد الموصل عام 1896, بدا يلاحظ المشرفون على السد ظهور تسريبات (Seepage) بمعدلات كبيرة تحت الأساسات وليس بجسد السد نفسه حيث تبين لهم حينذاك تغوغ وهشاشة طبقة أساسات السد والتي زادت من تصرف التسريب بطبقة الأساسات. ومنذ ذاك الحين وتقوم إدارة سد الموصل بدعم أساسات السد عن طريق حقنها بمواد من الإسمنت والبنتونايت لضمان استمرار مقاومته لضغط المياهولتعويض الإجهادات المفقودة نتيجة هشاشة الطبقة الجبسية الحاملة لوزن الجسد وأيضا لوزن المخزون المائي أمام السد. 5- منذ الإحتلال الأمريكي للعراق قبل 13 عام مضت, والحكومة العراقية تصرف قرابة 500 مليون دولار سنويا لحقن قرابة 200 طن من البنتونايت والأسمنت تحت أكتاف السد ومقطعه الأوسط. حيث وصل إجمالي ما تم حقنه منذ عام 1986 حتى عام 2015 لأكثر من 100000 طن خليط من الأسمنت والبنتونانيت, كما تم تثبيت عدة أنابيب حقن كبيرة بشكل دائم في أجزاء متعددة بجسم السد وتصل لأعماق مختلفة تحته, حتى يسهل ضخ مواد الحقن لأعماق مختلفة. فلقد تبين لإدارة السد أن مشكلة هشاشة طبقة الأساسات ليست هي وحدها المشكلة الأساسية للسد بل أيضا طبقة ما تحت الأساسات. حيث تبين من خلال المسح الجيوفيزياقي للمنطقة تخليق كهوف بأحجام مختلفة في طبقة متتالية من فيما تحت الأساسات وقد يصل عمق تلك الطبقات لقرابة 100 متر تحت قاع البحيرة وذلك بعدما تمكنت مياه السد من غسل كل آيونات الكالسيوم بتلك الطبقات تاركة ورائها كهوف قابلة للخسف في أي لحظة مما ينتج عنها خسوف أراضي فجائي كبير يؤثر مباشرة على إستقرار السد أو تعرضة للإنهيار في حالة حدوث قيم هبوط مختلفة في مناطق متعددة بجسد السد مما ينتج عنها شقوق عرضية قد تتفسخ بسرعة كبيرة نتيجة الضغوط المائية للمياه أمام السد. 6- طيلة السنوات الماضية نشر العديد من الأبحاث العربية والأجنبية بشأن توقعات إنهيار سد الموصل وكان أخرها واخطرها هي دراسة الهيئة الهندسية الأمريكية والتي إضررت لإرسال عدد من الغواصين تحت أساسات سد الموصل للتأكد من أحجام فجوات الكهوف الجبسية الموجودة بطبقة الأساسات. حيث تأكد خطورة الوضع وزيادة عدد الفجوات تزيد من هشاشة طبقة الأساسات, ولقد أصدرت عدة هيئات علمية ذات شان عدة توقعات بالخسائر المحتلمة في حالة إنهيار سد الموصل, حيث تأكد بأن حجم الخسائر والمساحة المتأذية من أضرار الإنهيار يتوقف تماما على إرتفاع عمود المياه أمام سد الموصل. حيث تم عدة سيناريوهات تبدأ عند ملء خزان السد لمنسوب 290 فوق مستوي البحر ثم 300, 310, 320 وأخير منسوب 330. ومع كل سيناريو تتغير المساحة الغارقة وحجم الخسائر المتوقعة. 7- ففي حالة السيناريو الأسواء والذي هو عند ملء بحيرة السد حتى منسوب 330 فوق سطح البحر فإنه يتوقع أن تستغرق أول موجة للفيضان لمدينة الموصل بعد ثلاث ساعات زبإرتفاع يصل لقرابة 4.5 متر. ويتوقع البروفسير/ نضير الأنصاري من جامعة لوليو السويدية أنه من الممكن جدا أن تغرق مياه الفيضان مدن تكريت وسامراء جنوب الموصل وأرياف العاصمة بغداد مما سيهدد ملايين العراقيين، ويخلف خسائر على طول ثلاثمئة كيلومتر في اتجاه مجرى النهر، عدا الأضرار التي سيخلفها على مدى أعوام على المستقبل الزراعي والصناعي والبيئي للمنطقة.وكذلك الجزء الوسطي من حوض نهر دجلة سوف يتعرضان للدمار الشامل نتيجة الموجة الفيضانية المنطلقة من سد الموصل في حالة انهياره، وسوف تكون الخسائر بالأرواح بما يزيد على النصف مليون إنسان كتخمين متواضع جداً بسبب غياب الاحصائيات الحديثة. أما الخسائر المادية فسوف تصل إلى تريليونات الدولارات بسبب تدمير الممتلكات والبنى التحتية بما تشمله من طرق وجسور ومحطات للكهرباء ومشاريع مياه ومجاري ومصانع وغيرها.إن توقيت وقوع الكارثة لا يمكن التكهن به الآن، إلا أن سد الموصل سوف يبقى قنبلة موقوتة تنبض. 8- إلا أن السيناريوهات الخمس التي تم الإعلان عنها لم تأخذ في الحسبان وقوع زلزال بالمنطقة متضامنا أي من تلك السيناريوهات الخمس. فوفقا لموقع الزلازل العالمية فإن منطقة الحدود الشمالية العراقية – الإيرانية- التركية هي منطقة ناشطة زلزاليا بشكل كبير, وان إحتمالية تعرض موقع سد الموصل لزلزال في وقت الفيضان أو قبله أو بعده هو إحتمالية قائمة جدا, بل أن نسبة حدوث الزلزال في وقت فيضان نهر دجلة والفرات خلال شهر (إبريل-مايو) هي أعلى نسبة من خلال المعلومات المتوافرة على مدار ال 50 عام الماضية. ولهذا فتكرار حدوث زلزال بالقشرة الأرضية التي تحمل سد الموصل قد يجعلنا نصل للسيناريو الأسواء مع أي منسوب أقل من 330. فمن المعروف عالميا أن أكبر إحتمالية لإنهيار السدود هي عندما تتزامن وقوع حادثان في آن واحد مثل حادث فيضان مع زلزال بغض النظر عن قوة الفيضان وقوة الزلزال.
9- قضية إستقرار سد الموصل قد تكون أهم وأخطر لدولة وشعب العراق من أي حادث مآساوي مر على العراق خلال ال 50 عا الماضية. ولقد أثير هذا الأمر بشكل مطول خلال لقاء رئيس وزراء العراق مؤخرا مع الرئيس الأمريكي ,مما يدل على أهمية الأمر وإقتراب سد الموصل من اللحظة الحرجة. وان إستمرار عملية الحقن ربما تصبح بلا أي فائدة قريبا جدا وأن لا حل لسد الموصل غير هدمه بعد بناء سد أكبر منه على مجري نهر دجلة بمنطقة ال down streamعلى بعد يزيد عن 50 كم بحيث يتم تصريف بحيرة سد الموصل داخل خزان بحيرة السد الجديد ثم يبدا هدم هذا السد والذي قد يكون سببا أساسيا في نهاية دولة العراق مثلما كان سد مآرب سببا في نهاية مملكة سبأ. وسلام دكتور مهندس/ محمد حافظ أستاذ هندسة السدود وهندسة جيوتكنيك السواحل الطينية بجامعة Uniten- Malaysia