· بحاجة لإعلام قوي ومتميز، لأنها ثغرة في مشروعنا. · الصحافة النسوية فى مصر يعلو فيها الصوت العلمانى المتطرف. · دكاكين المتاجرة بموضوع المرأة هدفها مآرب خارجية · وفقت بين واجبى كباحثة وواجبى كزوجة وأم ..
منذ بداية تكوينها الفكري في سن الصبا أدركت أن واقع المرأة المسلمة في حالة يرثى لها ولهذا فقد عزمت بينها وبين نفسها أن تتحمل ولو جزءً من عبء معركة وعي تسعى لأجل انتشال المرأة المسلمة من واقعها المرير وهو ما دفعها برغم حصولها على مجموع كبير في الثانوية العامة – القسم الأدبي – إلى أن تلتحق بكلية دار العلوم حتى تحصل من العلوم ما يمكنها من خوض المعارك الثقافية والفكرية مع تيارين كل منهما لم يرد الخير للمرأة فأحدهما أفرط في الدعوة للحرية حتى تجاوز في دعوته كل الثوابت الدينية والقيم المجتمعية وآخر تطرف فجعل منها مجرد كائن ليس له حق المشاركة. سعت ومنذ اللحظة الأولى للالتحاق بكليتها إلى أن تتفوق وهو ما حصل بالفعل إذ جاء ترتيبها متقدما في الفرقة الأولى غير أنها سرعان ما انجذبت للمشاركة العملية في الأنشطة الطلابية الثقافية فضلا عن التفاعل مع الحركة الطلابية الإسلامية لتقدم نموذجا عمليا لفتاة مسلمة متفاعلة مع قضايا وهموم وطنها وأمتها وهو ما لفت نظر الكثيرين لها حتى أن أحد المفكرين الإسلاميين الحركيين الراحلين "عادل حسين" كان يعول عليها ويرى فيها النموذج الذي يجب أن تحتذيه بقية الفتيات. تخرجت كاتبتنا نهاية التسعينات من القرن الميلادي الماضي وكلها رغبة في المشاركة الفاعلة فلم تتوانى للانضمام لواحد من الأحزاب الإسلامية آنذاك حيث كانت ترى أن أطروحاته هي الأفضل ولو على المستوى النظري لكنها وبعد فترة من تجربة حزبية مريرة – وفق تأكيداتها – أدركت أن البون شاسع بين الشعارات النظرية والتطبيق العملي وأن آفات الواقع السياسي بجملته انعكس حتى على أولئك الذين يدعون أنهم يسعون للتغيير فبادرت بلا تردد لتقطع صلتها بأي تنظيم وتتفرغ للكتابة تحت شعار "الاجتماعي قبل السياسي". وانطلاقا من هذا فقد آثرت كاتبتنا أن توجه كل جهودها لتناول مشكلات المرأة المسلمة من مختلف جوانبها وأن لا تترك الساحة لهؤلاء النسويين العلمانيين الذين لا يزالون يواصلون عملية تزييف الوعي بلا هوادة فيما انشغل الإسلاميون في قضايا أخرى فتضاعفت المأساة. حوارنا اليوم مع الكاتبة والباحثة الإسلامية النسوية فاطمة عبد الرءوف صاحبة العشرات من المقالات والدراسات حول القضايا النسوية من منظور إسلامي والتي نشرت في العديد من المواقع والصحف والمجلات ومنها الشعب والمصريون ومجلات الوعي الإسلامي والصوفية وقراءات إفريقية والراصد ومواقع الإسلام اليوم ومفكرة الإسلام ولها أون لاين ولواء الشريعة ورسالة الإسلام والآلوكة .
1- ما هي الدوافع التي جعلتك تلجئين لبلاط صاحبة الجلالة ؟ الإعلام الإسلامي كان حلمي عندما فكرت في العمل بالصحافة، وكنت دائما أتذكر مقولة الشيخ الغزالي رحمه الله إن الإسلام قضية عادلة ولكنها بأيدي محامين فشلة، وكنت اعتقد إننا بحاجة لإعلام قوي ومتميز، لأنها ثغرة في مشروعنا، ومن هنا سعيت في بداية حياتي العملية بل ومنذ أيام دراستي الجامعية للإلتحاق بالعمل في الصحافة ولكن واجهتني مشكلات كثيرة متعلقة بتوجهات الصحف حيث الصحافة الورقية في نهاية القرن الماضي كانت مقيدة بشكل كبير، وبدأت اتجه للمجال البحثي، ووجدت أنه يشبع رغبتي في المعرفة أكثر كما وجدت أن هناك ثغرات كثيرة وإشكالات فكرية متعددة وتقديم إجابات لها يخدم كثيراً مشروعنا لذلك اتجهت إليه.
2 – لماذا اخترت الموضوعات النسوية بالذات وما هي أهم الموضوعات التي تلفت انتباهك؟ قضايا النساء هي واحدة من أهم القضايا الراهنة في العصر الحديث، ويمكن النظر لذلك من زاويتين ..الأولى ذلك الهجوم المنظم الذي تتعرض له الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة في الإسلام والثانية هو الواقع المتردي الذي تعيشه الكثير من النساء المسلمات والذي هو على التناقض مع الأحكام الشرعية لذلك فقضيتي هي المنظومة القيمية والحزمة التشريعية التي خصصها الإسلام للمرأة والتعاطي مع الواقع بمشكلاته وتعقيداته وتنزيل هذه الأحكام عليه . 3- كيف ترين الصحافة النسوية في مصر اليوم؟ بالنسبة للصحف والمجلات الورقية فصوت النسوية العلمانية المتطرفة أكثر وضوحا مثلا مجلة "حواء" المصرية الصادرة عن دار الهلال وهي مجلة تصدر بانتظام من منتصف القرن الماضي وتتبنى الفكر النسوي المتطرف منذ ذلك الوقت .. ولا توجد مجلة نسائية إسلامية تنافس ذلك بهذا السعر وهذه الاستمرارية؛ ولكن منذ انتشار شبكة "الانترنت" أصبح امتلاك مواقع إعلامية أكثر يسراً وسهولة من الناحية الاقتصادية والفنية ومن ناحية التصاريح الرسمية المطلوبة لإنشاء صحف ومجلات، واستطاع الإسلاميون من خلال مواقع "الويب" إنشاء مواقع نسائية إسلامية متخصصة أو صفحات نسائية تابعة لمواقع كبيرة بعضها على مستوى عال جدا من حيث الكم والكيف ولكن الكثير منها يغلب عليه اللغة الخطابية ولا يقدم حلول جديدة ومبتكرة ويقولب نفسه في إطار قديم وغير عصري وغير مناسب لفتح قلوب جديدة أو إقناع الخصوم . 4- لك بحث حول المرأة الأفريقية ...كيف استهواك هذا الموضوع؟ الحقيقة أننا دائما نتحدث عن النساء في بلادنا ونقارن بينهن وبين النساء الغربيات ..الحقيقة أن المرأة الغربية حاضرة وبقوة على المستوى التحليلي أو المقارن بين الإسلاميين وبين العلمانيين لأنها في مركز قوة والأضواء مسلطة عليها في الوقت ذاته لا يتم بذل جهد للتعرف على نساء العالم الأخريات.. فمثلا المرأة الإفريقية وكان البحث معنيا بالمرأة جنوب الصحراء تحديداً لا نكاد نعرف عنها شيئا وعلى أوضاعها ومعاناتها وهمومها والضغوط التي تتعرض لها من الحروب والنزاعات المسلحة التي تكون هي أول ضحاياها للفقر والعوز والحاجة التي تتحمل المرأة الإفريقية النصيب الأوفى منها ناهيك عن التقاليد والعادات والمعتقدات الوثنية التي تضغط على روحها كنت مهتمة في البحث بفكرة الدعوة بين النساء الإفريقيات وكيفية تكوين داعيات محليات يقمن بتصحيح العقيدة وتعليم العبادات ونشر الدعوة بين غير المسلمات. 5 الكل يتاجر اليوم بموضوع المرأة ...كيف تقرأين هذا المشهد؟ كما ذكرت سابقا قضايا المرأة هي أحد أهم القضايا المطروحة في هذا العصر وبالتالي نشأت دكاكين نسوية محلية مهمتها تقريب الأفكار النسوية الأممية، وهذه الدكاكين لها عدة أساليب فالإنكار وسيلتهم الأولى فمثلاً اتفاقية "السيداو" تتحدث عن المساواة المطلقة في الزواج وأمام القانون وداخل الأسرة فإذا هاجمها كاتب وقال إن "السيداو" تطالب بالمساواة في الميراث مثلاً أنكروا وقالوا أين المادة التي تتحدث عن المساواة في الميراث؟ ووسيلتهم الثانية مدح الشريعة الإسلامية ومقاصدها الكلية وأسهبوا الحديث عن عدالة الشريعة واسقطوا ذلك على المساواة التماثلية التي يدعون لها وفي الوقت ذاته هاجموا الفقهاء ووصفوهم بالذكوريين وتم اتهامهم بمعاداة النساء ومن أساليبهم استغلال الواقع المزري للنساء وتحميل الفقهاء وأصحاب الرؤية الإسلامية المسئولية. جزء من الأموال الكثيرة التي تتدفق على هذه الدكاكين يوزع على النساء الفقيرات لاستقطابهن لهذه الأفكار..أذكر احد هذه الدكاكين كانت تعمل مع نساء ريفيات..في البداية تم البحث عن الجامعيات وتم تدريبهن مقابل أجر مجزي وكان المقرر عبارة عن مجموعة من القصص المؤلمة لنساء بائسات يتم تحميل المجتمع والرجال المسئولية عن ذلك وتطالب فيه النساء بالثورة على هذه الأوضاع دون شرح نظري أو فلسفي أي بأسلوب بسيط ثم طلب من هؤلاء المتدربات تكوين مجموعات من النساء البسيطات والأميات ليتم شرح المنهج لهن ومحاولة استخراج نماذج مشابهة من الواقع وإسقاط الأفكار عليها .. أذكر قصة من هذا المقرر لامرأة التي كانت تتحدث مع ابنتها وهي على فراش الموت وتقول لها لو عاد بي الزمن ما أفنيت حياتي في خدمة البيت والزوج والأولاد دون مقابل يا ابنتي لا تعيشي مثل ما عشت ..والنساء اللاتي ينتظمن على هذه الدروس يقدم لهن هدايا عينية وأدوات منزلية هن في أمس الحاجة إليها لذلك كان الحضور جيد وهذا نموذج بسيط للاتجار بقضايا النساء وإلا فهناك الكثير والكثير من القصص التي تحكي مأساة "السبوبة " ..والمتتبع سيجد أن هؤلاء المتاجرات يفضحن أنفسهن أحيانا لأن البعض نجح في الحصول على سبوبة والبعض الآخر لم يتحقق له ذلك. 6 ماذا عن المرأة في واقع الإسلاميين؟ الإسلاميون بشر وهناك فارق بين الفكر وبين التطبيق وكلما قل الفارق كلما كان الواقع أفضل بالتأكيد والعكس صحيح والنبي صلى عليه وسلم كان خلقه القرآن ولكن حتى في جيل الصحابة كان هناك فارق بين الفكر والتطبيق لأنهم ببساطة بشر..اليوم المسئولية مضاعفة لأن الإسلاميين موضوعون تحت المجهر..مجهر الإعلام..مجهر العامة التي شحنها الإعلام فأصبحت تختبر صدق الأفكار بصدق معتنقيها..وفي مسألة المرأة تحديدا يتهم الإسلاميون بالتأصيل لمظلومية المرأة تاريخيا وآنيا ومن ثم فلا ينبغي التساهل في هذا الملف المهم ..على أي حال يمكن تصنيف الإسلاميين بوجه عام إلى مدرستين كبيرتين المشترك بينهما أن المرأة مكرمة ومساوية للرجل في الثواب والعقاب والجزاء، ولكن المدرسة الأولى تطالب المرأة بالتزام البيت التزاما شبه كاملا لتستطيع أداء دورها كزوجة وأم على أحسن وجه وفي هذا السياق نستطيع فهم موقفهم من مشاركة المرأة في الحياة العامة والسياسية والمدرسة الثانية تهتم أيضا بدور المرأة الأساسي كزوجة وأم ولكنها أكثر انفتاحا على الحياة العامة بدرجات متفاوتة بدءا من المشاركة البسيطة وحتى الاشتراك في قمة المسئولية ولكل منهما أدبياته الشهيرة ..الشيء البالغ الأهمية أن المرأة المسلمة مطالبة بالتفاعل أكثر وأن تكون مشاركة وليس مجرد متلقية فهي الأكثر قدرة على الاجتهاد في القضايا التي تخصها. 7 هل تعتقدين أن هناك أزمة وعي لدي النساء؟ نعم هناك أزمة ضخمة جدا لها أكثر من صورة فمن ناحية الكثيرات لا يعرفن حقوقهن التي جاء بها الإسلام أو يعرفنها بطريقة مشوهة ودون إدراك لمقاصدها الكلية ..بعضهن خدعن فعلا بالمشروع النسوي الذي سخر كثير من الأقلام للدفاع وتبنته الدراما والسينما فأصبح يمس الوجدان والعواطف خاصة أن الواقع ملئ بالمظالم الموجهة للنساء والكثيرات فعلا يعشن في حالة من الإقصاء والتهميش فكان رد الفعل هو تبني الأفكار النسوية التفكيكية التي يطرحها المشروع العلماني المتغرب أو الانغماس في الدور التقليدي النمطي للمرأة حيث مشاعر الكيد والحسد ..سأضرب مثالا واحدا لتوضيح أهمية الوعي وخطورة التلاعب به ..المشاركة الكثيفة للنساء في الحياة السياسية وإحجام الشباب عن المشاركة بعد أحداث 3 يوليو أمر لا يمكن تفسيره إلا بغياب الوعي والتلاعب به والبحث عن دور بطولة وهمي للكثير من النساء اللاتي لا يملكن لا الخبرة السياسية ولا مهارة تحليل الحدث فانسقن وراء الأبواق الإعلامية العطنة . 8- السؤال الأخير ..كيف حققت التوازن بين عملك البحثي وأسرتك وأبنائك؟ التوفيق هو منحة من الله سبحانه وتعالى ..عملي البحثي والفكري مرتبط أشد الارتباط بحياتي الأسرية فكانت القراءة والبحث إضافة نوعية ساعدتني على فهم كل مرحلة عمرية يمر بها أحد أبنائي فلم يكن هناك تناقض بين العمل والتربية فكلاهما صقل الآخر وتبقى مشكلات وصعوبات التربية موجودة حتى لو كان هذا هو مجال التخصص فالتوفيق هو أمر إلهي ومنحة ربانية ..الأمر الأخير الذي كان له دور محوري في تحقيق هذا التوازن هو زوجي الكاتب الصحفي أسامة الهتيمي الذي ساعدني كثيرا جداً ..ففي بداية حياتي العملية كان هو أول من لفت انتباهي لأهمية دراسة الفكر النسوي ونقده ومقارنته بالأطروحة الإسلامية للمرأة وساعدني كثيرا في توصيل أفكاري ونشرها ولا يزال وكنت دائما أرى سعادته الحقيقية عندما أنجز عمل ما وينال إعجابه وبشكل عملي داخل نطاق الأسرة فهو شريك كامل في تربية الأبناء بل ويساعدني في شئون المنزل الأخرى حسب استطاعته وربما يتجاهل بعض نقاط الضعف التي قد تحدث خاصة في حالة ضغط العمل ..الحقيقة أنني بدون مساندته وتفهمه ما استطعت تحقيق التوازن والانسجام بين البحث والكتابة والحياة الأسرية خاصة مع وجود أربعة من الأبناء أكبرهم في مرحلة المراهقة وأصغرهم لا تزال في مرحلة الطفولة المبكرة.