العاصفة التى فجرتها تصريحات عضو لجنة المراقبة العربية للأوضاع فى سوريا "أنور مالك"، والتى كشف فيها عن جانب من الجرائم التى ترتكبها قوات الرئيس السورى بشار الأسد وشبيحته ضد الشعب السورى وتورط البعثة العربية فيما يشبه التغطية على تلك الجرائم وأن النظام السورى يحاول رشوة أعضاء البعثة والسيطرة عليهم بكل السبل بما فيها النساء، هذه العاصفة التى فجرها "مالك" لم تكن وحدها التى أثارت القلق من تورط الجامعة العربية فى التستر على الجرائم المرتكبة فى سوريا، ولكن أتت تصريحات رئيس اللجنة الجنرال محمد الدابى، المطلوب أساسًا للعدالة الدولية، والتى سارع فيها إلى نفى تصريحات مالك ومهاجمته بقسوة شديدة، بل واتهمه فى ذمته المالية ملمحًا إلى أنه استولى على أدوات العمل وإشارته إلى أنه "نكث باليمين" ونحو ذلك من ألفاظ وهجوم عنيف، كشف بوضوح عن ميل عاطفى واضح للجنرال السودانى تجاه النظام السورى، ورغبته فى الدفاع عن نظام بشار الأسد والشبيحة، وأكدت سرعة رد فعله وانتقاده الجارح لمن ينتقد النظام السورى على أنه شخص غير جدير بهذه المهمة، وأنه منحاز فعلا إلى النظام السورى، وبالتالى فلن ينتظر السوريون ولا العالم منه أن يكون أمينًا أوعادلا فى تقريره الذى يفترض أن يقدمه للجامعة العربية. الأمر الخطير الآخر هو تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد "نبيل العربي"، والتى بدا فيها وكأنه يهدد العرب والعالم بأنهم ما لم يحافظوا على النظام السورى فإن سوريا سوف تنزلق إلى حرب أهلية، وقال العربى بأن هذه الحرب سوف تهدد كل دول الجوار وتهدد السلام فى المنطقة، وتأتى تصريحات العربى هى الأخرى لتكشف عن انحياز قطاعات مؤثرة فى جامعة الدول العربية للنظام السورى بصورة لا تقبل الشك، وأن المخطط الآن هو إعطاء النظام السورى المزيد من الوقت للقتل والتنكيل بالشعب السورى ومحاولة تحطيم مفاصل المعارضة فيه على أمل أن ينهى انتفاضة هذا الشعب الذى طال ليله، فلما بدا أن بشار عاجز عن إنجاز المهمة، وبالتالى أصبحت الجامعة العربية أمام "فضيحة" بدأ أمينها العام يخوف العالم من أن انتصاره للثورة السورية سيؤدى إلى فوضى وإلى حرب أهلية وإلى تهديد دول المنطقة، بما يعنى أنه يدعم بقاء الأسد ونظامه ويحاول حشد العالم للابتعاد عن الشعب السورى وتركه لمصيره أمام دبابات بشار وشبيحته. لا أحب أن أذهب بعيدا إلى ربط بعض الميول العاطفية لأمين عام الجامعة العربية بمصالح اقتصادية لبعض أصهاره، ليست بعيدة عن النفوذ السورى، ولكنى أعتقد أن الجامعة العربية برهنت من جديد على أنها ليست الجهة المؤهلة فى تلك اللحظة لحماية شعب من الشعوب العربية، لأن الشعوب العربية هى التى أزالت أبرز أركان هذه المنظومة من أول حسنى مبارك إلى زين العابدين بن على إلى القذافى إلى على صالح، وفعلت ذلك رغمًا عن الجامعة وعن مصالح وأهواء بعض قادتها، وبالتالى فلا نتصور أن تكون الجامعة بوضعها الحالى هى نصير الشعب السورى، ولا أى شعب عربى آخر، لأن قادتها أعلنوا من قبل بكل صراحة أنها جامعة "للدول"، وليست للشعوب، ومع الأسف الشديد لم يعد أمام الشعب السورى المقهور سوى نقل ملفه إلى المجتمع الدولى ومجلس الأمن، هذا هو الحل الوحيد الآن. [email protected]