هناك إجماع على أن التيار السلفي كان مفاجأة الانتخابات المصرية الحالية ، وذلك بسبب حداثة عهده بالسياسة وحداثة فترة تكوينه الحزبي ، ومع ذلك نجح في أن يحصد ما يقرب من ربع مقاعد البرلمان ، والحقيقة أن إنجازات حزب النور السلفي على سبيل المثال تكشف أكذوبة هؤلاء الذين حاولوا إلغاء الانتخابات أو تأجيلها بحجة أن الأحزاب الجديدة تحتاج إلى فترة للتكوين واكتساب الخبرات ، تجربة حزب النور تؤكد على أن القضية ليست خبرات ولا فترات تكوين حزبي ، المسألة في جوهرها وجود القبول الشعبي من عدمه ، هل لديك قاعدة شعبية كبيرة تؤمن برسالتك وتدعمك أم لا ، ولو بقيت بعض الأحزاب عشرين عاما وليس فقط عاما واحدا فقط فلن تتقدم شيئا مذكورا ، حزب النور في تجربة حزبية تمتد لحوالي خمسة أشهر فقط نجح في حصد أكثر من مائة مقعد في انتخابات شفافة ورائعة . لغة الأرقام هي التي تحدد بوصلة العمل في الديمقراطية ، وعندما نستحضر لغة الأرقام في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، فسنجد أننا أمام مشاركة شعبية تصل إلى حوالي 32 مليون مواطن ، وحصول حزب النور على نسبة 25% تقريبا من هذه الأصوات يعني أن القاعدة الشعبية التي انتخبت الحزب تقترب من ثمانية ملايين مواطن مصري ، يؤمنون برسالة هذا الحزب وبخطابه السياسي والاجتماعي والثقافي والديني ، وهي أرقام بكل تأكيد تضع الجميع أمام تحد صعب ، لأنك لا تتعامل مع حركة هامشية أو حزب صغير أو من أحزاب "بير السلم" كما عهدنا فيما سبق ، وإنما نتحدث عن حزب قوام أنصاره ثمانية ملايين مواطن ، وكما قلت من قبل في ما كتبت وفي الحوارات التليفزيونية ، ليس أمام القوى السياسية الأخرى من حل سوى أن تتعامل بواقعية وحكمة مع هذه الحقيقة العلمية والاجتماعية والديمقراطية ، وإذا كنت لا تستطيع أن تفكر في إلقاء ثمانية ملايين مصري في البحر مثلا ، فإن عليك أن تحترم اختيارهم وتحاول التواصل معهم . يضاف إلى ما سبق أن الأشهر الأخيرة التي شهدت حراكا سياسيا وإعلاميا كبيرا ، شارك في مساحة واسعة منه التيار السلفي ، كشفت عن تطور وقابلية للتطور السياسي والفكري مدهشة جدا لدى السلفيين ، وأي مقارنة بين الخطاب السلفي قبل ثمانية أشهر والخطاب السلفي الآن ستكشف عن نقلة نوعية كبيرة وإيجابية للغاية في إطار تطوير الخطاب السياسي والحراك السياسي المصري كله ، وهذا ما يدعونا جميعا إلى العمل على فتح جسور التواصل بين القوى السياسية التقليدية وبين الأحزاب السلفية ، لأن هذا الحوار المفتوح والجاد هو الذي يمكن عن طريقه إعطاء خريطة سياسية مصرية ناضجة ، وتحقيق توازن قوى برلماني وسياسي يمثل حماية للتجربة الديمقراطية ، وأنا على يقين ، وعلى علم ، بأن هناك جهودا تبذل الآن لصناعة جسور من التواصل بين التيار السلفي وقوى سياسية أخرى ، ليبرالية وإسلامية ويسارية . [email protected]