مشروع تأسيس حزب الوسط، يمثل تجربة ذات دلالات خاصة، ونتائجها سيكون لها تأثير يتعدى حدود المشروع نفسه، لتصبح جزءا مؤثرا على تجربة الحركات الإسلامية عموما. وتبدأ خصوصية التجربة من انفصال مؤسسيها عن جماعة الإخوان المسلمين، ليصبح الوسط مشروعا مستقلا وجديدا. وبهذا لا يعتبر تأسيس الحزب، تعبيرا سياسيا عن حركة قائمة، بل تعبيرا عن مشروع جديد، يبدأ سياسيا، وتلك هي المسألة المحورية في المشروع. فالحركات الإسلامية تبدأ في صورة جماعات دعوية في الأساس، ويشمل نشاطها العديد من الجوانب ومنها الجانب السياسي. ولكن في تجربة الوسط، يبدأ المشروع بطرح نفسه كحزب سياسي، أي مؤسسة سياسية متخصصة، تعمل في السياسية دون غيرها من المجالات. وهو على هذا النحو تأسيس لحركة سياسية إسلامية، لا تمارس إلا السياسة. يصح هنا ذكر الخلفية الحركية للمؤسسيين الرئيسيين، وهي تركزت في حقل العمل الإسلامي في نطاق الجماعة الإسلامية كنشاط طلابي، ثم في جماعة الإخوان المسلمين. وهي خبرة مهمة في مجال العمل الإسلامي الدعوي والاجتماعي والسياسي. ويصح أيضا التأكيد على تأثر مشروع حزب الوسط وتفاعله مع أطروحات بعض المفكرين الإسلاميين البارزين. وتلك الخبرات والأفكار تمثل الخلفية التي جاء منها مشروع الحزب، وهي تجيب عن سؤال ماهية المشروع، فهو مشروع سياسي نابع من تجربة الحركة الإسلامية المصرية. وتبقى الإجابة على الأسئلة المهمة الأخرى، رهن بالتجربة نفسها. وهناك نقاش يدور حول العلاقة بين الوظيفة الدعوية والوظيفة السياسية. وفي الحركات الإسلامية عموما، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، تم الجمع بين الوظيفتين معا في إطار جماعة واحدة. وبسبب تزايد الدور السياسي لجماعة الإخوان، أصبح من المطروح للنقاش الآن، كيفية الفصل الوظيفي بين العمل الدعوي والعمل السياسي. وفي تجربة حزب الوسط، يبدأ المشروع سياسيا، ويفترض أن يكتمل سياسيا فقط. لهذا نحن بصدد تجربة مهمة في كيفية تأسيس مشروع سياسي ذو مرجعية إسلامية، دون أن يتوفر له فرصة العمل الدعوي. وبقدر نجاح المحاولة، بقدر ما نستطيع تحديد كيفية التعامل مع المجال السياسي من خلال خطاب سياسي فقط، لا ينفصل عن مرجعيته، وفي نفس الوقت لا يحتاج لتأسيس تلك المرجعية بالخطاب الدعوي المباشر. تنقلنا هذه القضية لمسألة التأسيس السياسي ذو المرجعية الإسلامية، وهل يحتاج هذا التأسيس لجدل سياسي أم جدل فقهي؟ وهل يجري الجدل الفقهي داخل إطار مؤسسة سياسية، يفترض أن مجالها ينحصر في العمل السياسي، ويفترض أن العضوية فيها لا تقتصر على المنتمين للإسلام فقط؟ وتلك في الواقع من ضمن التحديات المهمة، والتي يمثل مشروع الوسط، تجربة مباشرة لمواجهتها عمليا. فالمطلوب من المشروع السياسي أن يكون سياسيا فقط، ولكنه في الوقت نفسه مشروع يستند للمرجعية الحضارية والدينية، ولهذا يقوم على أسس مستمدة من الإسلام الحضارة والدين. والكيفية التي سيتشكل من خلالها الخطاب السياسي للحزب، ستمثل إجابة على فكرة التمييز بين العمل الدعوي والسياسي، دون الفصل بين الدين والسياسة. وكما يقال رب ضارة نافعة، فبعد الانفصال الشديد بين جماعة الإخوان ومشروع حزب الوسط، أصبح الحزب لا يمثل جماعة أو حركة. وهنا تثار فكرة الجماعة، فكل الحركات الإسلامية، ورغم اختلاف أفكارها ومناهجها، إلا إنها تشترك جميعا في بنيتها الأساسية كجماعة. والمقصود بالجماعة، أنها مجموعة مترابطة من الناس، لهم فكر مشترك، بل ولهم حياة اجتماعية مشتركة، وكذلك لهم نشاط اجتماعي وديني واقتصادي مشترك. وتلك الصيغة الجماعية الحياتية، كانت ومازالت من أهم جوانب القوة في الحركات الإسلامية. وعندما تثار قضية تشكيل حزب لجماعة الإخوان المسلمين، تصبح القضية المحورية في العلاقة بين الحزب والجماعة، ولكن الجماعة نفسها ككيان اجتماعي توجد وتمارس دورها ونشاطها المتعدد. وبالنسبة لحزب الوسط، فالقضية المحورية تدور حول طبيعة تكوين الحزب، وهل يكفي أن يكون تجمعا لمجموعات تشترك في الرؤية السياسية، أم يحتاج لبنية جماعية داخلية؟ ففي العرف السائد، تمثل الأحزاب مؤسسات سياسية، تمارس نشاط متخصص. وأعضاء الأحزاب السياسية لا يمارسون حياتهم الاجتماعية داخل الحزب السياسي، بل يفترض أن يمارسوا نشاطهم الاجتماعي في إطار غير الحزب. لهذا نرى أن اختيار الطريقة التي يبنى عليها حزب الوسط، ستمثل تجربة مهمة، تحدد كيفية بناء حركة سياسية ذات مرجعية إسلامية في إطار حزب سياسي. نتصور أنها تختلف عن الحركات الإسلامية الدعوية الشاملة، كما نظن أنها تختلف أيضا عن الأحزاب السياسية الأخرى. وهذا ينقلنا إلى قضية محورية أخرى، فكل الحركات الإسلامية التي شاهدناها على الساحة منذ بداية القرن الماضي، ومع تأسيس حركة الإخوان المسلمين، تقوم في تكوينها وفي نشاطها، على قاعدة صلبة من المؤسسات الاجتماعية الخدمية، والتي تمثل في الواقع بنيتها الاجتماعية. ويرى العديد من المراقبين، أهمية ومحورية دور البنية الاجتماعية بالنسبة للحركات الإسلامية. وتقوم هذه البنية الاجتماعية بأكثر من دور في حياة الحركة الإسلامية. فهي في جانب منها تمثل جزء من التضامن والتكافل الاجتماعي الداخلي بين أعضاء الجماعة، مما يمثل ركيزة مهمة لتماسك الجماعة. وهي في الجانب الآخر، تمثل شبكة مؤسسات اجتماعية تربط الحركة بجماهيرها، وتوسع من دائرة جماهيرها. ومرة أخرى يصبح شكل الحزب السياسي المتخصص، أحد التحديات المهمة التي تواجه حزب الوسط. ويصبح الاختيار بين العمل بالتوازي من خلال الحزب ومؤسسات اجتماعية، أو البحث عن أسلوب لتعميق التواجد الجماهيري، لا يعتمد على العمل الاجتماعي.