تعرفت على المصريون بعد صدورها بفترة قصيرة، عبر تنويه من أحد الأصدقاء العاملين في جريدة الأهرام، وقد وصفها حينها بأنها الصحيفة الأهم حالياً من وجهة نظره ، والتي يحرص على قراءتها يومياً كل مهتم بالعمل العام وقطاع واسع من الصحفيين والسياسين في مصر والمنطقة العربية وبالرغم من اعتقادي في البداية ان زميلي هذا قد بالغ في وصفه الا ان هذا لم يمنعني من زيارة موقع الصحيفة وقراءة المصريون في نفس اليوم بتدقيق غير معتاد و.بمشاعر متضاربة، متصوراً أنني سأجد صحيفة من طبيعة الصحف السيارة في مصر..اما ناطقة باسم الحاكم الأوحد في مصر ، أو متحيزة لأحد أحزابها.أو رجال أعمالها .أي من تلك الصحف الناطقة بإسم شخص أو تيار أو مصلحة .سلطوية أو معارضة ..لا يهم فالولاء الأول للصحيفة هو المعيار . لكن ما رأيت عليه المصريون، جعلني أعيد التفكير مرة أخرى، فقد وجدت أمامي صحيفة مستقلة بهذا المعني الذي افتقدناه ونفتقده منذ أكثر من نصف قرن في مصر..فهي وان كانت معارضة لنظام الحكم الا ان معارضتها تصب من كافة زواياها في حضن مصر..الوطن والشعب، وليس في حضن رئيس الحزب، أو رئيس الشركة أو رئيس التحرير الليبرالي، أو القومي ..أو اليساري، أو المسلم.. نمت قناعتي بمرور الوقت في ان المصريون صحيفة نجت من سرطان تأليه الرئيس..سواء كان رئيساً للجمهورية أو رئيساً للحزب، أو رئيساً لتحرير جريدة أو مجلة ..وتحررت من سطوة الأنا وقسوتها..فوجد الشرفاء من اصحاب الرأي ملاذا لأقلامهم فيها، وبغض النظر عن قرب أو بُعد آرائهم عما يدور في خلد رئيس التحرير والقيميين على الصحيفة..وكتب المسلم المعتدل مقاله في هذا الجانب ليتصدر مقال المسيحي الليبرالي ذاك الجانب، أو اليساري الماركسي الاشتراكي، أو القومي العروبي ولتصدر في النهاية وصباح كل يوم صحيفة تحمل باقة من الآراء ذات الألوان والتوجهات المختلفة، ولتبرهن – وربما للمرة الأولى منذ خمسين عاماً على امكانية ان يجمعنا حب الوطن برغم تباين وجهات نظرنا في المسائل التفصيلية الأخرى..سياسياً أو اجتماعياً فتحت المصريون الصحيفة بوابة رحبة لكل من يعشق هذا الوطن، وأنارت للكثيرين طرقاً ومسارات صحفية واعلامية كانت – بل وما زالت أغلبها – مظلمة بفعل فاعل..مظلمة بالخوف والهلع وسطوة الأمن وتدخل اصحاب المصالح الفئوية والحكومية الضيقة والبغيضة ونسيان الوطن لصالح مخلوق يعيش ويموت مثله مثل أي كائن حي آخر، وفي حين نسى الكثيرون من العاملين في تلك المهنة ان الحاكم الحالي مثله مثل كل الحكّام السابقين عليه سيموت ويُدفن تحت الثرى ولن يتبقى لهم سوى الحسرة على بيع انفسهم واقلامهم لوهم زائل – وفي حين نسى هؤلاء ذلك – تصدى رجال آمنوا بربهم، وبحق هذا الوطن وشعبه في العيش بكرامة وانفة، مقْدمين على ما هرب منه الآخرون. باذلين كل ما في استطاعتهم لاعلاء صوت الحق مهما كانت التضحيات الواجبة، في اعتقاد راسخ بأن لحب الوطن ضريبة يجب دفعها حقاً وليس بالكلمات والمشاعر فقط ، وحري بنا الا نساهم في سرقة الوطن ، وعدم دفع الضريبة المطلوبة في سبيل رفعته شرعت المصريون ابوابها للجميع، بشرط واحد هو البرهنة على الصدق في حب الوطن وشعبه، واعلاء اسم مصر مهما كان الثمن..وقد برهنت المصريون على ذلك منذ اصدارها وحتى اليوم، وبرغم الاختلاف العقائدي والايدلوجي بين هذا القلم وذاك..الا ان المصريون كانت ملجأً وملاذاً للجميع..لم تضن على أحد ولم تبخل على مختلف في الرأي، لتصبح بمرور الوقت حقيقة، يسعى القراء للارتواء منها.. قرّاء جمعت بينهم المصريون برغم اختلاف مشاربهم بل والبلدان التي يعيشون فيها.. لذا لم يكن غريباً لقراء المصريون – ومثلما تشير الخطابات التي تُنشر في صفحة الرأي – وما يُنشر قليل من كثير – ان يلجأوا اليها بعد ان شعروا انها منهم ولهم، لجأوا اليها وكما أشار الأخ العزيز الاستاذ محمود سلطان في مقاله من كل مكان في العالم..بل لجأ اليها المصريون –بمسلميهم ومسيحييهم، لعرض ارائهم، أو شكاواهم وغيرها. وبالطبع، وبالرغم من وجود صحف معارضة كثيرة في مصر، وهي صحف عزيزة علينا ونقدر مواقف الاصدقاء الذين يكتبون فيها..الا ان تلك مرتبطة بهذا وذاك من الأحزاب أو الايدلوجيات، أو رجال الاعمال..اي ان لديها ما تتبناه وتدافع عنه إلي جوار دفاعها عن حق مصر وشعبها في العيش الكريم.. وهذا ما يُميز المصريون عن غيرها من صحف المعارضة..حيث أغلقت الباب أمام تسييد وتأليه الايدلوجيات ورؤساء الاحزاب ورجال الاعمال، بحيث لا يستطيع طرف ما ادعاء ولاء المصريون لغير الوطن ومحبة شعبه لذا ..اعتقد ان من الضروري وقوف القراء بجوار صحيفتهم المصريون لضمان استمرارها. على نفس النحو والنهج الذي التزمت به حتى الآن..وقد كان من الأسهل للمصريون الارتماء في احضان حزب أو حركة أو رجل اعمال تدافع عن مصالحه – إلي جوار الدفاع عن مصالح مصر..لكن مصر وكما يعلم الجميع أولى بكل ولاء، وأكبر وأهم من اي رئيس وسلطة ، وأشمل من كل حزب، وأبقى من كل رجال الاعمال، لذلك فليس من الشرف والانفة بيع الثمين بالرخيص والزائل.. نحن جميعاً في حاجة لصحيفة المصريون..واستمرارها على هذا النحو يُنعش ويُحيي الأمل في استمرار بقاء الشرفاء في هذا الوطن قادرين على اسماع اصواتهم لكل من حولهم.. صوت آخر، لا يبيع ولا يهادن، ولا يساوم على الجميع الوقوف الآن بجوار صحيفتهم والبرهنة على انهم على استعداد للمساهمة البسيطة في بقاء المصريون للمصريين جميعهم..فمحبة الأوطان ليست فقط بالكلمات والمشاعر الطيبة النبيلة..بل تحتاج في كثير من الاحيان لأكثر من ذلك. لقد اعتاد كل منا لسنوات وبشكل تلقائي على شراء صحيفته المطبوعة ودفع ثمنها، بل استمر في شراء تلك الصحيفة حتى حين تحولت إلي بوق صارخ للحكم، يبث السموم في كل الاتجاهات، وهو ما يعني دعم تلك الصحف، ومساعدتها على الاستمرار فيما هي فيه.. وهذا سلوك على المرء اعادة التفكير فيه..لكي لا يساهم عن غير قصد في توجيه الطعنات لأهله وناسه فلنبرهن جميعاً بشكل عملي على حبنا لمصر وصحيفتها المستقلة المصريون..فلن يكلفنا ذلك الكثير.. وخاصة وان البرهنة على هذا الحب لا ولن تكلف الكثير..ولا تنسوا ان البينة دوماً على من ادعى.