اطلعت على الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرتها جريدة يولاندس بوسطن الدنمراكية في يوم الجمعة ( 30/9/2005 )، وكلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتملكني غض عارم واسى عميق، لما في هذه الرسوم الكاريكاتيرية الاثنى عشر من طعن فاحش للنبي الأعظم، وتهجم دنئ على شخصه الكريم، وأوصاف بالغة البذاءة لخلقه ومسلكه ودينه صلوات الله وسلامه عليه. غير أن الخطورة الحقيقية للأمر، هو أن رسم هذه الكاريكاتيرات ثم نشرها، لم يكن سلوك شخص منحرف ولا ممارسة شاذة لحرية الرأي، وإنما هي – كما شرح رئيس تحرير الصحيفة الدنمركية في افتتاحيته - خطة متعمدة لتوجيه أشنع البذاءات للنبي الأكرم، وقصد مبيت للحط من قدره والطعن في خلقه والإزراء بدينه صلوات الله وسلامه عليه، لمجرد أن رئيس التحرير – كما قال - ناقم كل النقمة على القداسة والتبجيل الذي يحيط به المسلمون نبيهم، وضائق كل الضيق – كما أوضح – بهؤلاء الذين يتجنبون الإساءة للإسلام ونبيه مراعاة لمشاعر المسلمين!؟! * * * يقول رئيس تحرير الصحيفة الدنمركية: " لقد أزيلت قطعة فنية من متحف عريق بسبب الخوف من المس بمشاعر المسلمين، وخاف بعض النقاد والكتاب من الإعلان عن أسمائهم عند نشر مقالات لهم للسبب نفسه، كما أن الرسامين الدنمركيين يمتنعون عن رسم أغلفة ساخرة تحسبا لردة فعل المسلمين، وان أحد نجوم الفكاهة المشهورين قال بأن الخوف من استفزاز مشاعر المسلمين يمنعه من السخرية بالقرآن على الهواء مباشرة"، ويختم رئيس التحرير الدنمركي بقوله: " سيكون الأمر مسعدا حقا لو تمكنا من إزالة هذا الخوف وهذا الهراء الكامن وراء جنون العظمة عند هؤلاء" ( أي المسلمين )، كما يقول: " سيكون شيئا مباركا لو أن الغالبية العظمى من المسلمين والتي نعتقد أنها ترغب بالعيش بسلام وأمن مع نفسها وجيرانها، اتخذت موقفا رافضا للإبقاء على هذا التاريخ المظلم". * * * هل أصبح التهجم البذئ على الإسلام ونبيه والسخرية المنحطة بهما، هو المقياس الوحيد لحرية الرأي والتعبير في الحضارة الغربية المعاصرة، وصحافتها الحرة؟ في كل مجتمع إنساني قديما وحديثا، رموز مبجلة محترمة، لا يقبل أحد المساس بها أو التهجم المنحط عليها، فلا يقبل المسيحيون ذلك على سيدنا عيسى ومريم البتول عليهما السلام ولا على بابا الفاتيكان، ولا يقبل الآسيويون الحط من قدر بوذا؟ ألا تكون هناك حرية إلا إذا بدأت حثالات البشر بالتهجم على رموز الخير والبر والقداسة لدى الناس؟! ومن المصاب بجنون العظمة؟ المسلمون الذين يبجلون محمدا والمسيحيون الذين يعزرون عيسى وأمه، أم أهل البذاءة ومرضى النفوس من كتاب الصحافة ورسامي الكاريكاتير؟! وهل يستطيع رئيس التحرير الدنمركي هذا أن يتعرض لليهود أو الصهيونية بشئ؟ أو أن يمارس حرية التعبير التي يتغنى بها في مقال عن المحرقة النازية لليهود؟ دون أن يجد نفسه في السجن أو في شوارع كوبنهاجن على أحسن تقدير؟! نحن لا نتحدث هنا عن نقد موضوعي علمي لتعاليم الإسلام ورسوله العظيم، ولكننا نتناول بذاءات قذرة واتهامات شخصية دنيئة، لا يقبلها الناس على إنسان عادي فضلا عن نبي مرسل أو شخصيات إنسانية مبجلة؟! ومن الطبيعي أنه إذا سمح لكاتب أو رسام كاريكاتير أن يفعل ذلك، وقبلنا أن تدخل البذاءة والانحطاط والولوغ في أعراض الناس، والتحقير والحط من أقدار رموز الخير لدى الشعوب، تحت مظلة " حرية التعبير"، فإننا نفتح بذلك أبوابا مغلقة للشر والكراهية والفتنة، ونوفر دعما غير محدود لتنظيمات وزعامات الإرهاب، ونغذي كل اسباب التطرف والعنف عند الشباب. * * * لقد بادر رئيس وزراء الدنمرك بدعم موقف الصحيفة ورئيس تحريرها، ورفض قبول احتجاجات سفراء الدول العربية والإسلامية، بل رفض استقبال 22 دنمركيا من السفراء والدبلوماسيين السابقين الذين رغبوا في أن يوضحوا له مدى خطأ وخطورة ما حدث، مما شجع صحفا دنمركية أخرى وصحيفة ماغازينت النرويجية على إعادة نشر هذه الكاريكاتيرات القذرة، بل لقد دعت صحيفة دنمركية الى مسابقة بين الرسامين للتنافس في رسم صورة معبرة عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وتم نشر هذه الرسوم المنحطة. لقد قامت الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بتحركات سريعة على كافة الجبهات الدولية، وكذلك تحركت الجامعة العربية ورابطة العالم الإسلامي، لكن ما نحتاجه الآن هو تحركات الحكومات العربية والإسلامية جميعها، واتخاذا إجراءات مقاطعة شاملة لكل تعامل مع الدنمرك، لأن ما حدث هو جريمة بحق الإنسانية بكل المقاييس، وحض على الكراهية وتشجيع للإرهاب والعنف، وهو سلوك يدل على انعدام المسؤولية وتأصل الحقد – بدون مبرر - على الإسلام والمسلمين. [email protected]