"عام الانتهاكات الشرطية " هكذا وصف الحقوقيون والمعنيين بحقوق الإنسان والمجتمع المدنى ذلك العام، الذى شهد وحده 3913 حالة اختفاء قسرى ووفاة عشرات المتهمين داخل أقسام الشرطة ومقار الاحتجاز . ومع اقتراب أعياد الشرطة فى 25 يناير، قضت المحكمة الإدارية لشئون الرئاسة، ببطلان جميع الأحكام العسكرية الصادرة ضد رجال الشرطة، ملزمة فى حكمها وزارة الداخلية بإعادة المحاكمات أمام محاكم الجنايات العادية ومن ثم عودة العديد من رجال الشرطة إلى الخدمة، بالرغم من ارتكابهم جرائم جنائية خطيرة منها الرشوة والاختلاس، والاغتصاب، والقتل فى بعض الأحيان . ليدق الحقوقيون ناقوس الخطر ويطالبون بإعادة هيكلة الداخلية والتصدى لانتهاكات الشرطة تجاه المواطنين . حقوقيون: الشرطة وراء حالات الاختفاء فى الوقت الذى أكد اللواء أبو بكر عبد الكريم مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة والإعلام، أن وزارة الداخلية ردت على 70 شكوى من أصل 101 شكوى عن الاختفاء القسرى، وتبين أن هناك أشخاصًا محبوسين احتياطيًا، وسيدة هاربة إلى خارج مصر، موضحًا أن الوزارة لا دخل لها فى شكاوى الاختفاء القسرى وهناك حالات هروب وأخرى لأسباب عائلية، وثقت المنظمات الحقوقية والمنظمات المهتمة بهذا الشأن خلال عام 2015حالات متعددة من الاختفاء القسرى وراءها الشرطة المصرية. أعد المجلس القومى لحقوق الإنسان، قائمة ضمت 101 شخص يفيد أهاليهم باختفائهم قسريَا عقب إلقاء الأمن القبض عليهم دون تحديد أماكن احتجازهم. كما رصدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، 340 حالة اختفاء بين أغسطس ونوفمبر الماضيين، بمعدل 3 حالات يوميًا. وبنهاية شهر مايو عام 2015، أصدرت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، تقريرًا أكدت أن حالات الاختفاء القسرى فى مصر منذ بداية 2015 وحتى أغسطس بلغ 1250 حالة. بينما تحدثت المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن 132 حالة اختفاء قسرى مضى على اختفائها أكثر من سنة. كما سجلت هيئة التوثيق والرصد بالمركز المصرى للحقوق والحريات 617 حالة اختفاء قسرى عام 2015. ووثقت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، 44 حالة اختفاء قسرى فى مصر من شهرى مارس إلى مايو من عام 2015. وكذلك رصدت مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان، اختفاء ألف شخص منذ بداية 2015. وأشار التقرير إلى تعرض 1023 مواطنًا للإخفاء القسرى خلال الفترة من 1 يناير حتى 30 يونيو 2015. وفى تقرير آخر أعده "مركز النديم" بلغ عدد حالات الاختفاء القسرى 38 حالة بينهم 17 طالبًا. أما المجلس القومى لحقوق الإنسان، فأصدر تقريرًا قال فيه إن حالات الاختفاء بلغ عددها 163 حالة. ورصدت المنظمة، 41 حالة اختفاء قسرى فى شهر يناير، بينما رصدت فى فبراير 62 حالة، وفى مارس نحو 60 حالة اختفاء تمت على يد الشرطة. وخلال شهر إبريل، اختطف نحو 114 مواطنًا، وشهد شهر مايو 216 حالة اختفاء قسرى، ووثق التقرير 82 حالة اختفاء قسرى خلال يونيو 2015، بالإضافة إلى قيام المنظمة فى تقريرها برصد 582 حالة اختفاء خلال النصف الأول لعام 2015، شمل هذا العدد نحو 378 رجلاً، وأكد التقرير تعرض 23 سيدة للاختفاء القسرى، بالإضافة إلى 56 قاصرًا، و128 طالبًا وطالبة. فيما وثقت حملة "الحرية للجدعان" وقوع 163 حالة إخفاء قسرى، منذ شهر إبريل وحتى يونيو. الناشط الحقوقى محمد أبو ذكرى، مدير مركز المناضل للحقوق والحريات، أكد أن الاختفاء القسرى ازدادت وتيرته فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى، موضحًا أن التشكيك فى عمليات الاختفاء القسرى ليست مبررة فى ظل وجود حالات مادية وملموسة. وأضاف أبو ذكرى، فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن الاختفاء القسرى أصبح نمطًا تتعامل به الحكومات المصرية مع المعارضين والناشطين، مشيرًا إلى تزايد هذه الظاهرة منذ تولى وزير الداخلية مجدى عبد الغفار. وتابع، أننا نتحدث عن جريمة تسمح بجرائم أخرى، فعندما يختفى شخص قسريًا يتعرض للتعذيب، موضحًا أنه إذا تمت عملية الاختفاء القسرى بشكل منظم تعتبر جريمة ضد الإنسانية، مطالبًا بالتكاتف من أجل وقف تلك الظاهرة.
فيما قال الباحث الحقوقى أحمد مفرح، إنه توجد فى مصر سجون سرية لا تستطيع النيابة العامة الوصول إليها، وأضاف، أن النيابة العامة شريك فى إخفاء المعارضين. وفى السياق نفسه، انتقد الناشط الحقوقى جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، الاختفاء القسرى قائلاً: "مصر أصبح فيها اختفاء قسرى.. ده حتى أسوأ دول العالم فى احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون مفيهاش اختفاء قسرى مثل مصر". السجون تتحول لمقابر شهد عام 2015، العديد من الاعتداءات التى قامت بها الشرطة ضد المواطنين، أبرزها وفاة طبيب بمحافظة الإسماعيلية إثر هبوط حاد فى الدورة الدموية وتوقف فى عضلة القلب، بعد القبض عليه بتهمة بيع مواد مخدرة. واتهمت أسرة الطبيب المتوفى أحد ضباط شرطة قسم أول الإسماعيلية، بضربه وتعذيبه، ما تسبب فى وفاته إذ يعانى من أزمة قلبية. كما تم اتهام ضباط شرطة قسم شرطة الأقصر، بالقبض على طلعت شبيب الرشيدى،عامل، واصطحابه إلى القسم بحجة حوزته لمواد مخدرة، وتعذيبه حتى الموت مما أدى إلى احتجاج الأهالي. وما زاد من تأزم الموقف، إصابة الشاب مروان أحمد عبد الوهاب، بطلق نارى فى البطن، إثر فض الشرطة لتجمهرات أمام القسم. كما أطلق ضابط شرطة، الرصاص على مدير شركة أعلى طريق المحور، بسبب مشادة كلامية بينهما وأصيب الضحية بطلق نارى فى الكتف وتم نقله إلى المستشفى حيث طلب الضابط من المواطن الركوع أمامه ليتركه لحال سبيله إلا أن الثانى رفض. وفى مدينة السادس من أكتوبر أمر المستشار أحمد حامد رئيس نيابة أكتوبر، بحبس ضابط شرطة بتهمة التعدى على سائق، واستغلال النفوذ، وحيازة مواد مخدرة، والتزوير والتلفيق وذلك بعد الخلاف بينهما حول أولوية المرور. أيضا شهدت مدينة الكوثر التابعة لحى عتاقة بالسويس، حالة من الشغب إثر اعتداء قوات الشرطة على المواطنين هناك لاعتراضهم على ضرب مسنة أثناء حملة لإزالة الإشغالات، كما اعتدت الحملة على أيمن حمدى مصور البديل فى موقع الحادث وحطمت الكاميرا الخاصة به بسبب تصوير انتهاكات الشرطة للمواطنين وتهديده بالاعتقال فى حالة نشر أى معلومات من الانتهاكات التى شهدها. اعتدى نائب مأمور مركز شرطة فارسكور فى دمياط، على المحامى عماد فهمى بعد مشاجرة كلامية بينهما، وعندما دخل المحامى لتقديم الاعتذار قال للضابط: "أنا مبعرفش أنام وحد زعلان مني"، خلع المأمور حذاءه من قدمه وألقاه فى وجه المحامى قائلًا: "أنتو ما بتجوش غير بضرب الجزم". فيما شهدت محكمة محرم بك، اعتداء أفراد شرطة الترحيلات على محام عقب مشادة كلامية بينهما، قام على إثرها أمين شرطة بالاعتداء على المحامى بكلابش حديدى أسفر عن جرح غائر بالوجه وكدمات بالجسم. كما تعدى أمين شرطة بالضرب على مواطن فى محطة دار السلام بالشلاليت والكفوف والشتائم. أيضا تداول نشطاء موقع " الفيس بوك" مقطع فيديو لشاب يستنجد بأحد أفراد الشرطة لإبعاد المتحرشين عن خطيبته، ولكن لم تتم الاستجابة له، فدخل فى مشادة مع أمين الشرطة الذى استعان بباقى أمناء الشرطة ليتعدوا على الشاب. وقال أمين الشرطة للمواطن "لو العسكرى مجبلكش حقك أنا بقى هاجبهولك". من جانبه قال العميد محمود السيد، الخبير الأمني، إن جهاز الشرطة يحتاج إلى إصلاح جذرى لأن هذا مرض بهم، فالحاصل أن جهاز الشرطة يرتكب العديد من الأخطاء المسئول عنها سياسات الوزارة نفسها، مؤكدًا أن السبب هو فساد وزارة الداخلية، التى لا تقدم للضباط طرقًا بديلة للتعذيب لأنها تحتاج إلى نفقات ومجهود وفى حالة فشل القضية تعد هذه الأمور مفقودة. وأضاف قطري، فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن كل الظروف المحيطة برجال الشرطة تدفعهم للتجاوز فغالبية رجال الشرطة يلجأون إلى التجاوزات للحفاظ على مراكزهم الوظيفية. وتابع، أن الشرطة تحتاج إلى إعادة بناء على كل المستويات، والتشريعات التى تحكمها تحتاج إلى تغيير فلابد من وجود تشريع يحمى المواطنين من بطش رجال الشرطة. دولة حاتم انتشرت فى الآونة الأخيرة، تلقى أمناء الشرطة رشاوى من المواطنين نظير خدمة معينة أو تسهيل يقوم بها رجل الأمن للمواطن، وحبس أمين شرطة، لاتهامه بتقاضى رشاوى من المواطنين بمنطقة الهرم، وذلك أثناء ارتكاز قوة مرورية بمنطقة الهرم، حيث استوقف أمين الشرطة مواطنًا أثناء سيره بالسيارة، وطلب أوراق السيارة للاطلاع عليها وطلب أمين الشرطة من المواطن مبلغ 70 جنيها، حتى لا يحرر ضده مخالفة فأعطاه المبلغ. وثبت تقاضى أمين الشرطة رشاوى، من المواطنين أثناء استيقاف السائقين، وطلب رخص القيادة، كما ثبت تقاضيه رشاوى من السيارات المخالفة. كما تم القبض على أمين الشرطة المسئول عن الخدمة المقدمة من شباك مطابقة البصمة للسيارات الملاكى داخل إدارة مرور الدقهلية، وهو يتقاضى مبالغ مالية من المواطنين لسرعة إنهاء الأوراق، وتبين من التحريات أن طبيعة عمل الأمين هو الحصول من المواطن على خطاب به بصمة السيارة ويطابقه بالملف ويسلمه للمواطن مرة أخرى، لكن ما يحدث أنه تم استحداث نوعين من الخدمة، الأولى VIP، مقابل 10 إلى 20 جنيهًا فى يده، حيث ينتهى الورق بسرعة، ثم يسلمه من شباك آخر فى حدود 5 إلى 10 دقائق، والنوع الثانى "يتعامل معه بطريقة عادية لو لم يحصل منه على مبلغ ويجمد ورقه تحت الشباك حتى يزهق المواطن ويتخنق وفى النهاية يدفع برضه علشان يمشى". كما انتشر فيديو لأمين شرطة قسم شرطة الرمل ثان، أثناء قيامه باستيقاف إحدى المسنات، وهى فى طريقها لزيارة أحد المسجونين ليحصل منها على رشوة قبل أن يسمح لها بالمرور. كما تم القبض على أمين شرطة، لتقاضيه رشوة مقابل التغاضى عن مخالفة أحد السائقين بمنطقة البساتين، مقابل عدم تحرير مخالفة له. كما تمكنت الأجهزة الأمنية، من القبض على أمينى شرطة لقيامهما بتكوين تشكيل عصابى لفرض الإتاوات على المواطنين بمنطقة القاهرة الجديدة، حيث يستغلان قيادتهما لسيارة تابعة للنجدة، ويتم إيقاف المواطنين وتهديدهم بتحرير محاضر ضدهم أو دفع ما لديهم من أموال وتركهم. فيما تم القبض على أمين شرطة بقسم شرطة بولاق ''أبو العلا''، أثناء تلقيه رشوة للتغيير فى محتويات محضر تم تحريره داخل القسم. اللواء عبد الرحيم السيد، الخبير الأمنى قال إن هناك عدة حلول للتخلص من انتهاكات الشرطة ضد المواطنين أبرزها أنه يجب أن تكون هناك دراسة لعلم النفس من قبل رجال الشرطة، ووجود واعظ نفسى وضمير فى التعامل مع المواطنين قائلاً: "معظم رجال الشرطة الذين يمارسون انتهاكات ضد المواطنين يكون عندهم خلل نفسي". وأضاف الخبير فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن هناك فئات فى وزارة الداخلية أساءت للوزارة جميعها كفئة أمناء الشرطة لأنهم تعاملوا مع المهنة على أنها وسيلة للانتفاع منها ماديًا، مؤكدًا أنه لا يوجد نظام لمواجهة انتهاكات رجال الشرطة.