لم تكن علاقة الشعب بالشرطة علاقة جيدة منذ البداية فقبل ثورة يناير انتهجت الشرطة كل وسائل التعذيب والانتهاكات غير الآدمية للمواطن، وعقب الثورة حاول جهاز الشرطة تدارك الموقف ليرسم صورة جديدة من إعادة الهيكلة والتغيير ومحاولة رسم صورة لعلاقة صداقة بين الشعب والشرطة لكن سرعان ما أزيح الستار عن الوجه الحقيقى وراء القناع، كما قال البعض، ليكشف شهر نوفمبر الستار عن فصول جديدة من تلك العلاقة غير المستقرة، حيث شهد الشهر الماضى حالات من الاختفاء القسرى والتعذيب والانتهاكات ما أدى إلى احتقان الأوضاع أكثر ما كانت عليه قبل الثورة ودفع النشطاء على فيسبوك بعمل حملة "مفيش حاتم بيتحاكم" وسط سيل من الحملات المناهضة للتعذيب داخل السجون. ولم تقف تجاوزات الأمن على التعذيب لاستخراج المعلومات وإنما امتد الأمر إلى حد الاختفاء القسرى بعد قيام جهات أمنية مجهولة باقتياد الضحية لمكان مجهول وتعذيبه، فخلف الأسوار روايات وقصص عادة ما تنتهى بموت الضحية.
الاختفاء القسرى المصير المحتمل للمعارضين أشارت تقارير منظمة دولية حقوقية إلى حالات من الاختفاء القسرى فى الفترة الأخيرة كان الضلع الرئيسى فيها جهات أمنية مجهولة، حيث كشفت التقارير عن تعرض 40 مواطنًا للاختفاء القسرى كان أغلبهم تحت سن الثلاثين، حتى وصل الأمر لعدم تواصل أهلهم أو محاميهم معهم، ووصلت الأنباء إلى أسرهم بتواجدهم بمقار قوات الأمن، حيث يتم تعذيبهم لانتزاع اعترافات منهم.
ورصدت "المصريون" بعض هذه الحالات.. وتأتى حادثة اختفاء سعد فياض، عضو المكتب السياسى بالجبهة السلفية، فى طليعة حالات الاختفاء خلال هذا الشهر، حيث تم اختطافه أثناء تسوقه مع أسرته إلى أن تم اقتياده لمكان غير معلوم ولم تتمكن أسرته من معرفة مكانه حتى الآن، وكانت حالة اعتقال سلطات مطار الغردقة للصحفى إسماعيل الإسكندراني، أحد أهم حالات الاختفاء، حيث تم اعتقاله فور وصوله من ألمانيا لزيارة والدته المريضة ولم يتم الإفراج عنه حتى الآن.
كما تعاطف البعض مع حالة اختفاء السائق الشخصى لعبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية، حيث تم اختفاؤه من أمام منزله من قبل جهة أمنية مجهولة فى ظروف غامضة لمدة يومين، على حد رواية البعض، وتعذيبه وصعقه بالكهرباء فى أماكن حساسة، وهو ما أدى إلى إصابته بأزمة عصبية أفقدته النطق، الأمر الذى دفع أبو الفتوح لكتابة تدوينة له على "تويتر" ينتقد فيها الداخلية وجهاز الشرطة.
وأشارت إحدى المؤسسات الحقوقية فى تقرير لها إلى قيام الداخلية باتهام 17 شابًا بالتسبب فى سد بالوعات محافظة الإسكندرية، وقت أزمة السيول، وعرضت صورًا للشباب وقد بدا عليهم آثار التعذيب يعترفون بعدد من التهم، وأكد أهالى الشباب اختفاءهم عقب اعتقالهم قبل اتهام الداخلية لهم.
كما أصدرت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات تقريرًا أكدت فيه 228 حالة اختفاء قسرى فى شهر أبريل، وأن 50% من الحالات التى رصدتها فى شهر مارس مازالوا رهن الاختفاء القسري، وأكدت أن الحالات التى تم التوصل إلى مكان احتجازها بدا عليها آثار تعذيب واضحة. أما المنظمة العربية لحقوق الإنسان فى بريطانيا تحدثت عن نحو 132 حالة مضى على اختفائها أكثر من عام من بينهم نساء وأطفال وطلاب، وأشارت منظمة أخرى إلى أن 600 مواطن تعرض لعملية الاختفاء القسرى خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2015.
جدير بالذكر، أن أغلب هذه الحالات يكون الموت النهاية الحتمية لها إما تحت وطأة التعذيب إذ سجلت منظمات حقوقية قرابة مائتى حالة لقيت حتفها نتيجة التعذيب المستمر فى أماكن احتجاز مجهولة تابعة لقوات الأمن، أو لتوريط الضحايا فى تهم ملفقة بعد قتلهم لكى لا يتمكنوا من إنكارها.
مسلسل التعذيب عرض مستمر.. وكان آخر هذه الحالات حادثة هاجر، طالبة بالمرحلة الثانوية، مقيمة فى منطقة شبرا، قامت قوات الأمن بإلقاء القبض عليها من منزلها لاتهامها بالسرقة، والتى أكدت أنها تعرضت للتعذيب الجسدى والنفسى داخل قسم ثان شبرا الخيمة، حيث أجبرها الضباط على خلع ملابسها والتحرش بها، لإجبارها على الاعتراف بواقعة سرقة لم ترتكبها.
وروت هاجر ما حدث معها لتكون روايتها بمثابة صاعقة على جبين كل مسئولى الدولة، حيث قال لها أحد الضباط "اركعى قدامي" ثم صفعها على وجهها، وبعد وصلة من التعذيب والضرب ب"شومة" بمنطقة الصدر والظهر وباقى الجسم، وقال لها معاون المباحث: "بقولك إيه ما تقلعى كدة خلينا نتفرج شوية".
ولم تخرج هاجر من القسم رغم صدور قرار من النيابة بالإفراج عنها، أما الأم التى كانت تنظر لطفلتها خلال سرد قصتها، والدموع تملأ عينيها، أصرت على توجيه رسالة للرئيس عبد الفتاح السيسى قائلة: "يا ريس شرف بنات مصر ضاع على يد الشرطة.. أنا بنتى شرفها ضاع فى القسم حسبى الله ونعم الوكيل، ووالدها يتعهد بأن يقتص لابنته بنفسه لأنه يئس من القانون وليس لديه أدنى ثقة فى التحقيق مع الضباط".
ولم تقتصر حالات التعذيب على المواطنين الأصحاء فقط إنما وصلت الانتهاكات إلى تعذيب ذوى الاحتياجات الخاصة، حيث تم تعذيب محمد عبده معوض، 20 عامًا، يعانى من إعاقة ذهنية تدهورت حالته الصحية داخل حجز قسم شرطة المطرية، جعلته يتقيأ دمًا من فمه ويفقد وعيه على فترات متقطعة، حتى أجريت له عملية استئصال جزء من معدته وتركيب أنبوبة صدرية.
وفى الإسكندرية تعرض نادر صابر فتوح، وهو متهم فى قضايا تظاهر، إلى التعذيب الشديد على أيدى ضباط جهاز الأمن الوطني، وضرب مبرح لإجباره على محضر ملفق له، ما أدى إلى كسر بالحوض وفقدان القدرة على السير، إضافة إلى وجود دم كثيف بالبول.
"سناء سيف" تروى قصصًا للتعذيب بقسم مصر الجديدة نشرت سناء سيف، شقيقة الناشط السياسى علاء عبد الفتاح والتى تم حبسها فى قضية مسيرة الاتحادية قبل الإفراج عنها بموجب العفو الرئاسى، تعليقًا على انتهاكات الداخلية فى الفترة الأخيرة من خلال صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي، عدة وقائع لحالات تعذيب شهدها قسم مصر الجديدة.
وكانت أولى هذه الوقائع تعذيب شخص معاق ليثبت كذبه وادعاءه الإعاقة لإجباره على الاعتراف بواقعة دخول الرجل للجزء الخاص بالسيدات فى المنزل وسب المصلين، ورغم أن بعض الضباط أكدوا أنه شخص غير طبيعى إلا أن أحد الضباط أصر على تعذيبه حتى الاعتراف واستمر الضابط فى تعذيبه من الساعة الواحدة حتى السادسة صباحًا.
وتابعت سناء: "عندما تأكد الضابط من مرض الرجل تركه ولا أحد يعلم بخروجه أم عودته إلى الحجز"، مضيفة: أنها لم تكن الواقعة الوحيدة لهذا الضابط الشهير ب"كيرلس" حيث قام نفس الضابط بتعذيب فتاة لاتهامها بقضية آداب وتحريض على الفسق واستمر فى تعذيبها حتى نزفت دمًا من فمها، وعندما كانت تحاول الوصول للفتاة لمساعدتها كان يقف ضابطان دون الوصول لها.
الداخلية: نرفض تجاوزات رجال الشرطة شكلاً وموضوعًا
قال اللواء أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة والإعلام، إن الوزارة ترفض تجاوزات رجال الشرطة شكلًا وموضوعًا، مشيرًا إلى أن التجاوزات تحدث بسبب التفاوت فى مستوى الثقافة ما يتسبب فى ارتكاب البعض تجاوزات تصل لجرائم تضع صاحبها تحت طائلة القانون والداخلية تتعامل معها بكل شفافية واحترام.
وأشار عبد الكريم فى تصريحات صحفية، إلى أن الداخلية لن تحمى أى متجاوز يخترق القانون ويرتكب أعمالاً من شأنها تخل من العلاقة مع الشعب، مؤكدًا وقوف الوزارة أمام التجاوزات وإحالتها لجهات التحقيق الداخلي. حقوقى: إذا لم تحرك النيابة العامة قضايا التعذيب يضيع الحق الجنائى للضحية فى هذا السياق، قال محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، إن حالات التعذيب الموجودة تم الإعلان عنها والموضوع الآن فى يد النيابة العامة، مشيرًا إلى أنها الجهة التى تستطيع تحريك دعوى جنائية ضد المتهمين بالتعذيب.
وأشار زارع، فى تصريحات ل"المصريون" إلى ضرورة قيام وزارة الداخلية باتخاذ إجراءات إدارية بإيقافهم عن العمل ومحاسبتهم، مؤكدًا أن الأمر تجاوز المحامى أو المجالس القومية خاصة أن الجانى معلوم.
وأضاف زارع أن تدخل المجالس الحقوقية يكون حال الحوادث غير المعلومة فيقومون باقتياد الحالة إلى النيابة العامة للتحقيق فى الموضوع، مشيرًا إلى أنه حال عدم اتخاذ النيابة الإجراءات اللازمة نتجه للنائب العام ومن ثم اللجوء إلى المحاكم بدعوى تعويض وليست دعوى جنائية، لأن النيابة لم تحرك الأمر.
قانونى: التعذيب فى الأقسام جريمة دولية لا تنقضى بمضى المدة من جانبه، قال نبيل مصطفى خليل، الخبير القانونى، إن ما يحدث من انتهاكات شرطية فى حق المواطنين جريمة دولية لا تسقط بمضى المدة ويعاقب مرتكبوها حتى بعد مرور سنين حالة قيام الضحية بإقامة دعوى قضائية ليقتص من الجانى.
وأشار خليل فى تصريحات ل"المصريون" إلى قيام مصر بالتوقيع على اتفاقية دولية لمناهضة التعذيب فى 1984، وتم بدء العمل بها فى 1987 ولا يجوز التهاون فى حق الضحية لمجرد أن الجانى من ضباط الشرطة، مشيرًا إلى ضرورة التوجه للنائب العام الذى يكون مسئولا مسئولية شخصية عن التحقيق فى القضية. شاهدالصوره: