كانت مصر من أوائل الدول العربية التى ظهرت فيها الصحافة الأدبية، وكانت الصحف تخصص صفحات أدبية وكانت هذه تنشر قصائد الشعراء فى صدر صفحاتها الأولى وفى مكان بارز متشحة بصورة باهرة للشعراء، ثم ظهرت المجلات الأدبية المتخصصة مثل :"المقتطف" لفؤاد صروف، و"الرسالة" و"الرواية" لأحمد حسن الزيات، و"الثقافة" لأحمد أمين، و"الكتاب"عن دار المعارف، و"الكاتب المصرى" لطه حسين، و"أبوللو" لأحمد زكى أبوشادى و"الكشكول" وبعض هذه المجلات حجبت ثم عادت للظهور مرة أخرىبعد ذلك ولعب الملحق الأدبى لجريدة المساء دوراً رائداً فى الحقل الثقافى والأدبى إذ خرج منه معظم رواد الحركة الأدبية فى هذه الفترة، وقد تضاءل اليوم دور الصحافة الأدبية بفعل عدة عوامل سوف نناقشها مع الأديب الصحفى يسرى حسان نائب رئيس التحرير والمشرف على صفحة المساء الأدبى، وهو قبل هذا وذاك شاعر له أربعة دواويين وناقد وكاتب مسرحى له نصان مسرحيان، وقد كتب أشعار العديد من المسرحيات لمسرح الدولة والثقافة الجماهيرية والجامعة والفرق المستقلة .. والشاعر يسرى حسان من مواليد 13/1/1963 وتخرج فى كلية الآداب جامعة عين شمس قسم التاريخ، وعمل بالصحافة منذ عام 1985 وظهر تميزه وتم اختياره واحدا من أفضل الصحفيين بجريدة المساء عام 1989، شارك فى عضوية العديد من لجان التحكيم فى المهرجانات المسرحية شارك فى العديد من المؤتمرات الثقافية والمهرجانات الفنية فى مصر والعديد من دول العالم ومنها فرنسا، والمكسيك، والمانيا، والنمسا، واليونان، وبلغاريا ،واليابان، والولايات المتحدةالأمريكية، وكندا، وسويسرا، وروسيا، والهند، والكويت، وتونس، والمغرب، وليبيا، وسوريا، والاردن، وعمان، والامارات، والبحرين، والبوسنة والهرسك، والسعودية، وغيرها ترجمت أشعاره إلى الإنجليزية، والفرنسية، واليونانية.. يرأس تحرير جريدة "مسرحنا" التى تصدر عن وزارة الثقافة.. (المصريون) أجرت معه هذا الحوار عن هموم الصحافة الأدبية وعوامل تراجعها فى هذا التوقيت واسباب هذا التراجع وهذا ما سنطالعه خلال هذا الحوار: *كيف ترى الصحافة الأدبية فى مصر والعالم العربى اليوم؟ - اعتقد أن الصحافة الأدبية فى مصر على وجه الخصوص (بعافية) وتعانى الوهن الضعف، وكانت هذه الصحافة فى فترة من الفترات نافذة للأدباء لنشر إبداعاتهم أو نشر دراسات نقدية عن هذه الإبداعات، وكانت الوسيلة لهم، ونذكر على سبيل المثال ملحق المساء الأدبى الذى كان يشرف عليه الأديب الراحل عبدالفتاح الجمل..هذا الملحق الذى قدم نجوم الأدب لجيل الستينيات، منهم على سبيل المثال وليس الحصر: إبرأهيم أصلان، وجمال الغيطانى، وأمل دنقل، وإبراهيم عبدالمجيد، ومحمد جبريل، ويوسف أبورية، ومحمد البساطى، ولا يوجد أديب من أديب الستينيات إلا وللملحق الأدبى للمساء عليه فضل... هو نافذته التى أطل منها على جمهور القراء بالإضافة إلى أنه كانت هناك صفحة يقدمها الأديب الراحل محسن الخياط بعنوان "نافذة على أدباء الأقاليم"، وقدمت العشرات منهم، وهناك صفحات أخرى فى جريدة الأهرام، و هناك الصفحة الأدبية فى جريدة الأخبار تصدر كل أربعاء، ومازالت موجودة للآن، إلا أنها ليست بنفس الجودة التى كانت عليها فى الماضى. *لماذا تراجع دور الصحافة الأدبية المقرؤة؟ - هناك سببان لتراجع هذا الدور، أولهما: غياب هؤلاء القادة الرواد الذين أسسوا هذه الصفحات أو تأسسوا فيها..وغياب أغلبهم عن الساحة.. إما بالتقاعد أو الرحيل ..هذا الغياب فى الحقيقة لم يستطع الجيل التالى له تعويضه بشكل جيد..هناك مجموعة من الإعلاميين المثقفين الذين دخلوا الصحافة من باب الأدب والعكس ..مازال هؤلاء يحاولون .. مازالت صفحاتهم مقرؤة، ولكن الغالبية العظمى من الأدباء تنتشر فى القنوات الفضائية والثقافية ربما لإثارة بعض الموضوعات الخلافية أكثر من الحديث عن الإبداع... السبب الآخر وعلينا أن نعترف الطفرة التى حدثت فى وسائل الاتصال جعلت الأدباء يستغنون فى الغالب عن النشر فى الصحف الورقية لأن كل أديب اليوم أصبح لديه صفحة على "مواقع التواصل الاجتماعى" ينشر فيها ما يريد وقتما يشاء على صفحته، ويتلقى الإعجاب والتعليق.. لأنها الأسرع فى ايصال إبداعاته وكتاباته وأفكاره ورؤيته النقدية والأدبية والثقافية.. وهذا يرضى عنده جانب كبير من التحقق والرضا، ومن هنا أقول أن "الفيس بوك" جنى وسيجنى على الإبداع الحقيقى لسبب بسيط جداً ما من شاعر أو قاص أو تشكيلى ينشر عملاً إبداعياً على صفحته إلا ويتلقى العشرات وربما المئات من التعليقات والإعجابات التى تشيد بهذا العمل وهى فى مجملها لا تعدو مجاملة من صديق على "الفيس بوك"، وهذا فى حد ذاته تزييفاً، وأنا اتابع وأقرأ للأجيال الجديدة، وأنا أول من أنشأ صفحة على الفيس بوك"، صديق يقدم ديواناً لصديقه فيقول أن هذا الديوان لا قبله ولا بعده.. من أراد أن يقرأ شعراً فليقرأ لفلان.. وهذا فتح جديد فى الأدب العربى المعاصر، وأحرص على قراءة هذا الفتح فاصاب بالصدمة لأنه أحياناً أو غالباً ما يكون شعراً رديئاً فأصبح هناك سطوة للفيس بوك حتى على القراء أنفسهم، لأنه غير المتخصصون يتأثرون بمثل هذه الإشادات فيظنون أن الشعر هكذا .. *هل اسطتاعت الصحافة الأدبية تحقيق الطموحات المطلوبة ووجود أديب يوثر فى المجتمع ويتاثر المجتمع به؟ - لا نستطيع أن نقول انها حققت الطموحات المطلوبة، الصحافة الأدبية زمان فعلت هذا كانت الشعراء يطبعون آثارهم فى الصفحات الأولى للصحف، ومنها جريدة الأهرام وأذكر أن الشاعر الأديب محمد عبدالغنى حسن كان يطبع فى الأهرام فى الصفحة الأولى وهو مازال طالبا فى دار العلوم، وكانت هناك المجلات الأدبية كالمقتطف والثقافة، والرسالة، وحتى مجلة العربى كان أول رئيس تحرير مصرياً، هو الدكتور أحمد زكى وخلفه الأستاذ أحمد بهاء الدين، ثم بعد ذلك كان الملحق الأدبى للمساء كما بينا سلفا يطبع كل أنماط الأدب والفن.. *دور الإعلام نجاه الأدب والفن فى الوقت الحالى؟ - الإعلام المصرى الحالى وجنايته على الأدب والثقافة عموماً تتمثل فى الرغبة فى صناعة النجم بمعنى أن شاعر ما .. تستضيفه مذيعة ما .. فيقول كلاماً أشبه بالشعر هذه المذيعة أو تلك وانبهارها بهذا الشاعر فى وجود مجموعة من الشباب مجلوبين للتصفيق، وتلتقط الأمر مذيعة أخرى وتطلب من فريق إعدادها استضافة هذا الشاعر، ثم تتوالى الاستضافات، ويصنع هذا النجم، ويصبح عنوانا للشعر فى حين أن هناك شعراء كبار أفضل بكثير لكن رغبة الإعلام لصناعة النجم وصناعة "الإفيه" تجنى على الأدب وتزيف وعى الناس، وهو ما يحدث أيضاً على سبيل المثال فى المسرح، حيث يقدم فناناً ما مسرحيات هى أشبه ب(النمر) والاسكتشات الهزلية، وتحقق انتشاراً واسعاً يظنها الناس أن هذا هو المسرح، ويرسخ فى أذهانهم أن المسرح هو الشىء الذى يضحك..الكوميديا نوع من أنواع المسرح وهو نوع محترم، وليس ما يقدم هو الكوميديا هى مجرد (نمر وإفيهات) غير مترابطة.. فعندما يعرض عليهم نصوص أدبية راقية أجنبية أو محلية لكبار الكتاب يستثقلون هذا المسرح، لأنه ترسج لديهم أن المسرح هو الشىء الذى يضحك، وأنا بصفتى عاملاً فى مجال الأدب لا أعفى الإعلام من جنايته على الأدب والفن والثقافة عموماً..يلعب الإعلام الآن فى غالبيته دوراً سلبيته إزاء الفن والأدب .. *كيف السبيل إلى استعادة مجد الصحافة الأدبية عما كانت عليه من قبل؟ - حتى لا نجلد أنفسنا أن لدينا بعض المجلات الجادة والرصينة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مجلة "فصول" التى تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب وهى مجلة متخصصة فى النقد الأدبى، ومجلة "عالم الكتب" التى تنشرها هيئة الكتاب أيضاً وقد تطورت كثيراً، وهناك جريدة هى الوحيدة فى العالم العربى التى تهتم بشئون المسرح وهى "مسرحنا"، وتصدر عن هيئة قصور الثقافة، وجريدة "القاهرة" التى تصدرها وزارة الثقافة، لكن للآسف الشديد وعلينا أن نعترف أن هناك قصور فى التسويق وفى التوزيع فى الترويج لهذه الجهود، الذى يجيدها غيرنا من الدول التى تطبع مجالات أدبية فى الخليج.. *وماذا عن تجربة جريدة مسرحنا؟ - هى تعد أول جريدة متخصصة من نوعها فى تاريخ الصحافة العربية حيث لم تسبق إصدار جريدة من قبل، وهى جريدة تهتم بمتابعة الظواهر المسرحية فى الجامعات، والمدارس، وقصور الثقافة، ومسرح الدولة، وفرق الهواة، والمستقلين كما تتابعها فى الدول العربية والاجنبية عن طريق شبكة مراسلين فى هذه الدول، وقد نشرت الجريدة فى خلال 8سنوات أكثر من 700نص مسرحى مترجم وعربى ومصرى، ونشرت مئات الدراسات النظرية والتطبيقية، وقدمت عشرات النقاد الموهوبين الذين أثروا حركة النقد فى مصر والوطن العربى، والمشكلة الوحيدة التى تعانى منها الجريدة هى بيروقراطية الموظفين وعدم تقديرهم للدور المهم الذى تلعبه ...