الدكتور أسامة الغزالي حرب لم يشأ أن يترك رسالة الدكتور حازم عبد العظيم تمر دون أن يضع عليها بصمته ، بل وختمه ، لأن المقال الذي نشره الغزالي حرب اليوم في الأهرام هو اعتراف كامل بصحة ما ذكره حازم ، من أن المخابرات هي التي شكلت البرلمان الجديد أو معظمه ، وإن كان حرب قد اعتبر حازم شابا حديث عهد بالسياسة ، لذلك فوجئ بما حدث وتصور أنه فضيحة وعار ، رغم أنه حسب كلام حرب مسألة عادية وبديهية ، والبلد كلها فاهمة إن "المخابرات" هي التي أسست البرلمان ! . الغزالي حرب في مقاله أثنى على التاريخ العلمي لحازم ، لكي يقدم بها لوصفه له بأنه "برئ" سياسيا أو غشيم بالبلدي ، واكتشافه جاء متأخرا ، يقول الغزالي حرب : (المثير فى الأمر كله هو حالة الدهشة التى انتابته، والتى تدعونى لأن أقول له وأنا أكبر منه بثلاثة عشر عاما- ياحازم، إنك وأنا وكل الناس تعرف أن قائمتى «فى حب مصر» و«دعم مصر» هما من صنع الدولة المصرية وتحظيان بتأييدها، وليس هذا سرا ولا يحزنون، ولكن ما حدث هو أنك وجدت نفسك فجأة فى وسط المطبخ الذى تجرى فيه تلك العملية فأصابتك الدهشة ثم كتبت:« قررت أن أكتب هذه الشهادة بكل مافيها من تفاعلات إنسانية عايشتها بنفسى من لحظات شجاعة وترفع وتجرد.. وأيضا بكل ما فيها من ضعف إنسانى وخوف ونفاق، وما اشهد به هنا هو كلام حقيقى وليس هزلا ...إلخ». إننى أصدقك تماما يا د. حازم، وأقدر موقفك ولكنك تبدو فى موقف طفل برىء شاهد أباه فى موقف شائن مع سيدة أخرى غير أمه، فذهب إليها- بعد تردد- يحكى لها عما شاهده، ففوجئ بأنها تعرف كل شئ، ولكنها ساكتة وصابرة. كل عام وأنت بخير يا د. حازم بمناسبة العام الجديد!) . إذن ، أمنا مصر الحبيبة ، تعرف كل الخيانات وكل الألاعيب ، ولكنها صابرة وساكتة ، حسب اعتراف الخبير "المعتق" أسامة الغزالي حرب ، ولكن بعض "الأطفال" السياسيين الأبرياء ، الذين دخلوا اللعبة متأخرا فوجئوا بما يحدث عندما عرفوا ، وهرولوا يحدثون "الأم" عن "الفضائح" التي رأوها ، ففوجئوا بأنها تقول لهم : ماما بتحبكم وبتقول لكم كل سنة وانتم طبيين بمناسبة العام الجديد ! ، حسب الصياغة التي اقتبسها حرب . مسألة اختراق الأجهزة الأمنية لفضاء والإعلام ليست جديدة بالفعل ، ومنذ تأسيس الجمهورية في 1952 ، والأجهزة تدير المشهد كله ، بصيغ مختلفة ، وترتيبات متغيرة في نفوذ هذا الجهاز أو ذاك حسب اعتماد "الأخ الكبير" ، ووفق هياكل وأدوات وديكورات تحمل عناوين مختلفة لمعنى واحد ، ولكن الجديد الآن هو تلك الفجاجة في الحديث عن السيطرة الأمنية ، وعن العمالة أيضا للأجهزة الأمنية ، والرغبة في "تطبيع" ذلك العمل الشائن ، هو سلوك شائن قطعا لأنك لا تقدم هنا جهدا وطنيا للوطن كل الوطن ضد خطر خارجي مثلا يتكاتف الجميع ضده ، وإنما تلعب في صراعات داخلية بين القوى والأحزاب والوزارات والشخصيات والمؤسسات وأصحاب النفوذ وتضلل الرأي العام وتخدعه وتزور إرادة الناس ، وهو عمل شائن إذا مارسه أحد في الخفاء وباستخدام التضليل ، وفي أيسر من ذلك يتم تجريم هذا السلوك ، وفي المجال الصحفي هناك قواعد صارمة تجرم اشتغال الصحفي بالإعلان مهما كان الإعلان نظيفا ، وأي مادة إعلانية لا بد أن تكون واضحة ومميزة وأن يعرف القارئ بوضوح أنها مادة إعلانية ، كما لا يصح أن يكتب الصحفي مقالا أو تحقيقا في صورة عمل صحفي وهو في جوهره لحساب جهة أو شركة أو مصلحة أيا كانت ، لأن هذا تزوير وتضليل ، لأنك تقدمه باعتباره رأيك وقناعتك المستقلة والمحايدة التي استأمنك قارئك عليها ، بينما هو تسويق لحساب جهات أخرى ، تشتري خدماتك وتدفع لك مقابل هذه الخدمة نفوذا يترجم ماليا أو برنامجا تليفزيونيا أو موقعا رسميا رفيعا ، وهذا خداع للقارئ وتضليل للرأي العام ، وكذلك في النشاط السياسي والإعلامي وما يتصل بهما ، هناك متحدث رسمي معلن باسم الداخلية أو باسم الجيش ، يعبر عن وجهة نظر المؤسسة ومعلوماتها أيضا وتقديراتها للمواقف والأشخاص أحيانا ، ويتعامل مع هذا المتحدث الرسمي الجميع باحترام وتقدير وإن اختلفوا مع وجهة نظره وروايته للأمور أحيانا ، ولكن لا يوجد أدنى احترام لإعلامي أو صحفي يؤدي نفس الدور بصيغة أخرى ملتوية وغير معلنة ، ويروج رسائل أمنية في جوهرها لحساب جهاز أو غيره ، أحيانا يكون بتدمير حزب سياسي أو تشويه شخصية معارضة أو ليست على "المزاج" أو افتعال قضية بهدف التشويش وصرف النظر عن أمر خطير ، وغير ذلك ، فهذا كله لا يليق بإعلامي "شريف" ، والإعلاميون الذين قالوا علنا أنه شرف لهم أن يكونوا عملاء لأجهزة الأمن في البلد يعرفون ذلك جيدا ، ولكن لأنهم يدركون أنهم أصبحوا "عرايا" أمام الرأي العام ، وضبطوا بالجرم المشهود ، لم يعد أمامهم إلا أن يقولوا هذا الكلام السخيف ، وهم يعرفون أنه سخيف ، ويدركون أنهم مجرد أدوات رخيصة في صراع أجهزة أو مؤسسات أو صراعات سياسية داخلية مضللة للرأي العام . أيضا ، لا يعني أن البلد كانت تدار بتلك الطريقة طوال ستين عاما تقريبا أن يتم "تطبيع" تلك الأوضاع ، فلم يقم الشعب المصري بالثورة في يناير إلا لهدم هذه المنظومة الخربة ، وتأسيس دولة ديمقراطية حقيقية ، بشفافية وفصل بين السلطات ، واستقلال حقيقي للقضاء والإعلام والتعليم والثقافة والمؤسسة الأمنية ذاتها لتكون خادمة للدولة كدولة وليس لنظام سياسي أو حزب أو جماعة ، صحيح هو نضال طويل ، ويحتاج إلى صبر ، ولكن أول خطوة فيه هو الإصرار على إدانة المنظومة القديمة العفنة ، ومنع أي تطبيع معها ، لذلك لا بد من إدانة ما كشف عنه الدكتور حازم عبد العظيم ، والتضامن مع دعوة محمد أنور السادات وغيره بضرورة التحقيق العلني على أعلى المستويات في تلك الفضيحة .