... أسمع طحناً ولا أرى طحيناً, وأسمع خطاباً مؤثراً ومبكياً وقوياً ولا أكاد أرى ورقاً وأدلة وقرائن ولغة يقبلها القضاة, وكل من تأثر بخطاب النيابة الرائع, فليعلم أن كل الطرق تؤدى إلى البراءة أو إلى أحكام مخففة, أو حتى أحكام شديدة وبعدها السكة سالكة على النقض وعلى البراءة أيضا. وتبقى النيابة بصفتها العامة ممثلة للشعب أو هى ضمير الشعب, ولكن القانون لا يعرف "زينب", والقانون يعرف حقائق مثبتة أو منفية. وقد اجتهدت النيابة, ولكن الأدلة لم تسعف القضية, ويمكن أن نصرخ جميعاً بأن مبارك مسئول عن قتل المتظاهرين, ولكن هل من بيننا مَن يستطيع أن يقدم إثباتاً على ذلك. ويمكن أن تقول إن مبارك أتلف أكباد المصريين وأصاب الملايين بالسرطان, لكن هل تستطيع أن تقدم دليلاً واحداً تعتد به هيئة المحكمة. فما بالك أيضا لو أن بعضاً ممن يحاول إدانة مبارك, لا تهمه الإدانة بقدر ما يهمه الظهور فى الصحف والفضائيات, وموسم الإعلانات المجانى. إذاً, لا ورق ولا حيثيات ولا أدلة, ولا أداء يؤثر فى مواجهة دفاع المتهمين, فماذا إذاً تنتظرون. والقضاة كما قرأنا عنهم ثلاثة, واحد فقط من الثلاثة ناصع البياض, ويحكم بالعدل والعلم وبما بين يديه من حيثيات وحقائق وقرائن وأوراق, كل تلك الأشياء غير موجودة فى قضية القرن المتهم بها مبارك ونجلاه ووزير داخليته ومساعدوه, والملياردير الهارب حسين سالم. وأسوأ ما فى تلك القضية, أو للدقة أكثر نقاطها ضعفاً هى أن البعض ممن يمثلون الدفاع عن مصر المسروقة والمنهوبة, ويقفون فى وجه دفاع مبارك, من بين المدعين بالحق المدنى. وفى الجلسة الثانية رأينا ما لم نكن نتخيله, كانت هناك وجوه محترمة, لكن أيضا كانت هناك وجوه غريبة وأصوات أشد غرابة, حتى لتشعر أن هناك من يدافع عن مبارك أكثر من محامى مبارك شخصيا, وكان الهرج والمرج والصراع على الظهور أمام الكاميرا من بعض الأشخاص تثير الريبة والشك. وراجع ما قاله المحامى عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط، من "أن غياب نقابة المحامين كان ذا تأثير سلبى على أداء المدعين بالحق المدنى وقد قابل ذلك أداء فنى مهنى متميز لدفاع المهنيين". وأيضا انتقد المستشار محمود الخضيرى، نائب رئيس محكمة النقض السابق، أداء المدعين بالحق المدنى من محامى أسر الشهداء والمصابين، ووصفه بالضعيف ودون المستوى. وبالمقابل فى تلك الجلسة الثانية التى بدأت الساعة الحادية عشرة, رأيت المحامى فريد الديب يجلس فى الثامنة صباحا بمكانه هادئا, لا يتكلم مع أحد ويرفض التحدث للإعلام, بينما كانت المعارك والمشادات فى الجانب الآخر. مع طلبات رد المحكمة. واسأل من تعرف من خبراء قانون وسيقولون لك إنها قضية بلا ورق أو هى قضية بلا قضية, فهل بعد ذلك مازلت منتظرا حكما. يا صديقى الحكم لله الذى وحده يملك أدلة وكتابا لا يدع صغيرة ولا كبيرة. فاطمئن. محمد موافى [email protected]