منذ الإعلان عن عزم القوات البحرية الإيرانية إجراء مناورات عسكرية – مازالت مستمرة حتى الآن - وتهديدات القادة الإيرانيين بإغلاق مضيق «هرمز» ومنع عبور نفط الخليج إلى الأسواق العالمية لم تنقطع.. فى المقابل رفضت الأوساط السياسية الغربية هذه التصريحات، وتعهدت بالحيلولة دون عرقلة حركة مرور النفط من خلال المضيق الحيوى، فيما تأثرت أسعار النفط بشكلٍ طفيف. هدَّد الإيرانيون فى السابق بإغلاق المضيق فى حال تعرضهم لضربة عسكرية من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالتالى كانت معادلة الردع التى ارتضتها إيران لصرف الأمريكيين عن القيام بعمل عسكرى ضدها هى: أن توجيه ضربة للبرنامج النووى نساوى ضرب خمس إمدادات النفط وحرمان الأسواق العالمية منها بإغلاق هرمز، وبالتالى تعرض الاقتصاد العالمى وفى القلب منه الاقتصاد الأمريكى لمخاطر شديدة. إلا أن المعادلة بالنسبة لحكام إيران تغيرت كما تظهرها سلسلة التصريحات الأخيرة، لتصبح كما جاءت على لسان النائب الأول للرئيس الإيرانى: «إذا فرض (الغرب) عقوبات على صادرات النفط الإيرانية فلن تمر نقطة نفط واحدة من مضيق هرمز».. وبالتالى فوفقًا لتصورات المسئولين الإيرانيين أصبح كافيًا إقدام الدول الغربية على فرض حظرٍ على النفط الإيرانى كى تتحرك القوات البحرية الإيرانية لإغلاق المضيق. لا شك فى قدرة إيران على إحداث فوضى فى هذا الممر الاستراتيجى، ولكن مع الوجود العسكرى الواسع للأسطول الخامس الأمريكى الذى يتمركز فى البحرين، والذى أكد المتحدث باسمه أن الأسطول لن يسمح بأى تعطيلٍ لحركة الملاحة فى المضيق، فإن الإغلاق التام والمستمر للمضيق من قبل إيران يبدو أمرًا مستبعدًا. على أية حال فإن هذه النبرة التصعيدية فى أوساط القيادة الإيرانية قد تجد جذورها فى توابع تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية -الذى صدر أول الشهر قبل الماضى- والذى وفرَّ شرعية للتحرَّكات الأوروبية والأمريكية لتشديد العقوبات على إيران؛ بإفصاحه بوضوح عن سعى إيرانى لتصميم سلاحٍ نووىّ. وفى هذا الصدد تحرَّكت الولاياتالمتحدة لتوسيع العقوبات التى فرضتها من جانب واحد، وقرَّر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى كذلك فى الأسبوع الأول من الشهر الماضى تشديد العقوبات، ولم يكتف رئيس الحكومة الإيطالية بما اتجه إليه الوزراء الأوروبيون من ترك احتمال فرض حظر على النفط الإيرانى مفتوحًا، بل أعلن تأييد بلاده صراحة ًللحظر على صادرات النفط. يأتى إذًا التهديد الإيرانى بإغلاق المضيق، فى سياقٍ جديدة ومختلف عن ذلك الذى أطلقت فيه مثل هذه التهديدات سابقًا؛ فالغرب يتخذ إجراءات لتشديد العقوبات المفروضة أصلًا على إيران، ويسعى إلى توسيعها، فيما تلمح السلطة الإيرانية تهديدًا أكبر، وهو حظر النفط الذى يعتمد اقتصاد الإيرانى عليه بقوة. وهذا الملمح المتمثل بالقلق الإيرانى المتصاعد إزاء العقوبات هو ما وظَّفته الخارجية الأمريكية سياسيًّا فى ردِّها على التهديدات الإيرانية؛ حيث اعتبرت أن المسئولين الإيرانيين باتوا «عدائيين» لأن العقوبات باتت تؤتى أكلها خصوصًا منها الذى يتصل بقطاع النفط.