أرجو أن يعذرني القارئ إن صارحته بأني حتى الآن لم أفهم شيئا من المعركة حامية الوطيس التي شهدتها صحف خاصة وفضائيات البيزنس حول قضية كشف العذرية التي يتهمون بها المؤسسة العسكرية ، فأمس كانت هناك حالة هستيرية في الإعلام الخاص حول انتصار فتاة تدعى سميرة على الجيش المصري !! والسر في كشف العذرية ، وقد حاولت من خلال التجوال عبر الانترنت والمحامين أن أصل لشيء في الموضوع فلم أجد إلا استرسال لعواطف تبحث عن "قضية" وتبحث عن "إثارة" ، ورغم أن المجلس العسكري تستطيع أن تنتقده في أكثر من قضية وموقف جوهري كتعمد إطالة الفترة الانتقالية والغموض في بعض قراراته مما أثار اضطرابا سياسيا في أكثر من حالة والإفراط في العنف في فض المظاهرات الأخيرة ، إلا أن قضية كشف العذرية ، بصراحة ، أجدها أقرب إلى الدجل الإعلامي منها إلى الحقيقة . الفتاة قالت أنها لما اعتقلت وانتقلت إلى السجن الحربي طلب منها أطباء أو ضباط الكشف على عذريتها ومعها أخريات ، وأنا أتمنى أن يشرح لنا أحد في حملة النضال من أجل وقف كشف العذرية عن معنى معقول أو مفهوم للكشف عن عذرية معتقلات ، ما هي الإضافة التي ستحدث للجيش أو الأحزاب أو العالم إذا كانت الفتاة المعتقلة عذراء أم غير عذراء ، كما أن المظاهرات والمصادمات تتم طوال اثني عشر شهرا تقريبا وفتيات يحتجزن ثم يطلق سراحهن باستمرار ، ولم يحدث طوال هذه الشهور أن تحدث عشرات المحتجزات مثلا أن تم معهن هذا الأمر ، كما أنه من الناحية العملية المحضة يستحيل إثبات تلك الواقعة إلا إذا أتيت بالطبيب المشار إليه أو الضابط المشار إليه ليقول للمحكمة أنه أجرى كشف العذرية عليها أو إذا أتيت بلوائح السجون العسكرية التي تنص على كشف عذرية المسجونات ، أما كلام المواطنة سميرة فسيبقى في النهاية كلاما مرسلا لا دليل عليه ، وموكول إلى ضميرها ودوافعها ، وذهابها إلى القضاء الإداري في جوهره اعتراف بعدم وجود دليل أو واقعة مادية محسوسة ، لأن القضاء الإداري يتعلق بالقرارات واللوائح وليس بالحوادث ، وقد قال رئيس القضاء العسكري أمس أنه لا يوجد شيء في لوائح السجون العسكرية اسمه كشف العذرية ، والحقيقة أني أصدقه ، لأن هذه أول مرة أسمع عن هذا الأمر . الحقيقة أن تلك الواقعة تأتي في سياق احتفاليات لم تنقطع منذ أسابيع عن شاب اشتراكي متطرف تم اعتقاله في ماسبيرو على خلفية اتهامه بإلقاء قنابل مولوتوف أو خطف سلاح ميري ، وظلت صحف وفضائيات في حملة يومية مدهشة جدا عن هذا الشاب ، كما لو كان "الحبيب بورقيبة" في أيام عزه بالإعلام التونسي ، الشاب عطس ، الشاب أدلى بصوته ، الشاب دخل الحمام ، الشاب خلف ولد ، الشاب يتوعد الجيش ، الشاب يستقبل زوجته ، الشاب يقبل ولده ، فيه إيه يا جماعة !! . واقعة سميرة وعلاء تكشف عن حالة يأس لدى نخبة فشلت في التواصل مع المجتمع والجمهور وعجزت عن خوض الانتخابات للحصول على شرعية حقيقية ، وأتت نتائج الانتخابات صادمة ومحبطة لهم ، فحاولوا توظيف الإعلام لصناعة بطولة بديلة وأبطال آخرين ، فأنتج لنا الإحباط ذلك المسلسل المثير للدهشة والإشفاق . [email protected]