الزميل العزيز ناجي عباس ليس وحده الذي تلقى تهديدات بالقتل وتشويه الوجه بماء النار وما شابه ، بسبب انتقاده للبابا شنوده ولموقفه من كثير من القضايا التي تمس أمن البلد. لقد تلقيت أنا أيضا رسائل هددتني صراحة بالقتل وتصفيتي جسديا ، بعد سلسلة مقالات كتبتها منتقدا البابا شنودة وعلو كعب تيار التطرف في الكنيسة المصرية في الفترة التي تولى فيها البابا رئاستها . ولقد عرض على بعض الزملاء في "المصريون" أن أنشر خبرا عن تلك التهديدات وأن أتوجه بمذكرة إلى النائب العام بشأنها ، غير أني آثرت عدم التصعيد ، احتراما واجلالا وبرا بأصدقائي وزملائي الأقباط ، ومنهم كتاب وصحفيون ومثقفون وسياسيون وقضاة ، ولم أشأ أبدا أن أضحي بهذه الصداقة الغالية ، لقاء ما اعتبره الزملاء في حينه "سبقا صحفيا" حقيقيا حتى لوكان الأمر يتعلق بأمني الشخصي وأمن أسرتي . وما كان يبعث على السرور أن عددا كبيرا من أقباط المهجر ، ممن يحملون درجات علمية لها وزنها ، راسلوني وتفهموا موقفي بل وشكروني على هذه الجرأة التي ستساعدهم على كسر "التابو الكنسي" الذي اتاح للبابا معاقبة الأقباط الوطنيين وغيرهم الطيبين والغلابة من العوام بالشلح والحرمان إذا ما اختاروا الولاء للوطن وليس للبابا . وبغض النظر عن رسائل التهديد ، التي تلقاها الزميل والصديق العزيز ناجي عباس والتي نستعد فعلا لتحويلها إلى مكتب النائب العام ، لملاحقة كتابها قانونيا وقضائيا داخل مصر وخارجها ، خاصة وأن المسائل الفنية التي تساعد على الوصول إلى جهاز الكمبيوترالذي صدرت منه الرسالة : صاحبه ، اسمه وعنوانه باتت متيسرة وسهلة .. بغض النظر عن ذلك فإنني لاحظت أمرين بالغي الخطورة ، يضافا إلى خطايا البابا في عهده الميمون الأول أن بعض الأقباط اختزلوا الوطن في "الكنيسة" واختزلوا المسيحية في شخص البابا !. وهذه الظاهرة لايسئل عنها إلا البابا نفسه ، عندما تبنى أجندة جعلت من نفسه وبشكل تراكمي ، رئيسا سياسيا للأقباط ، ومن الكنيسة وطنا بديلا عن الدولة ، وتقلص مفهوم المقدس الديني عند الأقباط وتراجع كثيرا مقابل صعود مفهوم "الهوية القبطية" حتى حلت الأخيرة محل المسيح والمسيحية وكل العناصر المكونة للمقدس الديني عند المسيحيين المصريين ، وهي الحالة التي قربتهم من النموذج الغربي في علاقته بالدين ، إذ يعطي الاولوية ل"الهوية المسيحية" على "المسيحية العقدية" ، وهو ترتيب في الاولويات سيتمخض عنه مع الوقت اختفاء المسيحية كدين في مصر ويحل محلها مفهوم "الشعب القبطي " وهي الحالة التي يسوق تيار التطرف بالكنيسة إليها المسيحيين المصريين ، وبسرعة باتت خطرا حقيقيا على المسيحية المصرية بشقيها "الوطني" و"الديني" ، إذ أن منطق التاريخ والجغرافيا والواقع ، يشير إلى أن الاستمرار في الاندفاع نحو هذا المنزلق ، قد يفضي في النهاية إلى أن يخسر المسيحيون الإثنين معا : الدين والوطن ! الأول بتحويله إلى "هوية قزمية " والثاني إلى كنيسة ب"بأربعة جدران" . والأمر الثاني هو أن تنامي الثقافة الطائفية بين الأقباط بفضل تبني مبدأ "خصخصة" الكنيسة والمسيحية لصالح دعم الزعامة السياسية لقيادتها الدينية ، غيبت بمضي الوقت وعيهم بأن الكنيسة المصرية مؤسسة وطنية ، مثلها مثل الأزهر . ملك للمصريين جميعا وليست حكرا على الأقباط فقط ، ليس لرئيس الأولى ولا لشيخ الثانية أية قداسة تعصمه من النقد الموضوعي والمنصف إذا ، صدر منه ما يسئ للوطن ، فمصر مركب واحد يقل الجماعة الوطنية المصرية ، بمسلميها وأقباطها ، ولن نسمح لشيخ الأزهر ولا لرئيس الكنيسة الارثوذكسية ، أن يضر بأمانها واستقرارها . اتمنى من أشقائي الأقباط أن يتفهموا كلامي ويحملونه على وجهه الحقيقي .. المحب لهذا الوطن المشفق على ما آل إليه حالهم الآن من محاولات عزلهم داخل الكنائس بعيدا عن المشاركة مع إخوانهم المسلمين في بناء واصلاح هذا الوطن ، فمصر الآن تحتاج إلى جهود أقباطها الوطنية ، وأتمنى أن لا تسمحوا لأحد أيا كانت منزلته الدينية أو السياسية ، أن يجعل منكم معولا لهدم الحراك السياسي المصري الآن أو اجهاضه وذلك بالدخول في مناوشات طائفية ، فالمشاكل في مصر أكبر بكثير من هذا "العبث الطائفي" الذي سيسئ إليكم ولن تجنوا منه إلا لاقدر الله سوء الظن في وطنيتكم . [email protected] "