الدكتور محمد منير مجاهد ل «المصريون»: الهيئة طلبت تجديد العقد معى فى مايو.. واستبعدتنى لأسباب أمنية فى يوليو ! الجهات الأمنية صاحبة قرار استبعادى «مجهولة».. ورفعت الأمر للرئيس السيسى دون إجابة لا أقبل التشكيك فى وطنيتى ولا فى ولائى لمصر التى أعتز بانتمائى إليها دفاعى عن ثورة 25 يناير لا يبرر استبعادى أمنيًا والدستور يذكرها فى مقدمته بيان «الكهرباء» بشأنى منسوب إليها فقط وغير صادر منها بيان الوزارة لا يعكس احترام المستشارين بالهيئة وتصورهم كعمال تراحيل! مصر تدار بعقلية أمنية يجب أن تتغير.. والنظام يوسّع دائرة أعدائه «البرادعي» كان يرى نفسه غاندى وليس نهرو.. وأنا ضد تخوينه كنت شاهد عيان على محاولات «فرقة جمال مبارك» الاستيلاء على الضبعة
سنوات طويلة قضاها الدكتور "محمد منير مجاهد" نائب رئيس هيئة المحطات النووية الأسبق، بين خطط الدولة المؤجلة باستمرار بشأن البرنامج النووى وأحلام الخبراء والمواطنين التى لا تنتهى أو تتوقف بامتلاك المشروع المصرى الذى ستنتقل به البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة فى مجال الطاقة، إلا أن قرارًا باستبعاده من منصبه كمستشار فنى لهيئة المحطات النووية "لدواع أمنية" فاجأه منذ بضعة أشهر دون ذكر اسم الجهة صاحبة التحفظات أو تحديدها على وجه الدقة ليتمكن من الرد عليها. تضامنت مع مجاهد شخصيات عامة وأحزاب وقوى سياسية وحتى شعبية كثيرة، مطالبة بالكشف عن الجهة التى قررت أن الخبير والمسؤول رفيع الطراز بشهادة الجميع أصبح غير لائق "أمنيًا" ويمثل خطورة على الحلم المصرى النووي.. يرى البعض أن دعم مجاهد ودفاعه المستمر عن ثورة 25 يناير وشبابها قد يكون وراء القرار الصادم الذى لم يعلم عنه وزير الكهرباء شيئا قبل صدوره، إلا أن الدكتور منير مجاهد يرى أشياءً أخرى حدثنا عنها خلال حوارنا معه بخصوص أزمته الأخيرة مع الجهات الأمنية وكذلك بخصوص أزمة الطاقة فى مصر والاستخدام النووى وحتى رأيه فى المشهد السياسى الحالي.. متى وكيف بدأت أزمة استبعادك من منصب المستشار الفنى لهيئة المحطات النووية؟ بعد خروجى للمعاش عام 2010 نائبا لرئيس هيئة المحطات النووية، طلبت منى الهيئة أن أستمر فى العمل كمستشار فنى فوافقت على هذا ووقعت عقدًا يجدد كل ستة أشهر (ليس عقدًا شهريًا كما جاء فى إحدى الصحف منسوبا لوزارة الكهرباء)، وعندما حان موعد تجديد العقد أرسلت الهيئة لى خطابًا فى شهر مايو يطلب مد العقد فوافقت وهو إجراء روتيني، إلا أن العقد لم يجدد ولم أعرف بوجود مشاكل بل ظللت أذهب لمكتبى لمدة شهر بعد انتهاء التعاقد - بسيارة الهيئة المخصصة لى وبأوامر تشغيل رسمية - على أساس أن العطلة تعود لأسباب بيروقراطية، وفى يوم 14 يوليو ذهبت إلى مكتب رئيس الهيئة لأستفسر منه عن أخبار تجديد العقد، فأخبرنى بأن الجهات الأمنية تتحفظ على مشاركتى فى مشروع المحطة النووية بالضبعة وطلبت استبعادى منه.
كيف تلقيت هذا الخبر وماذا فعلت بعده مباشرة؟ قابلت الدكتور وزير الكهرباء والطاقة المتجددة يوم 26 يوليو 2015 وعرضت عليه مذكرة بالموضوع فأبدى دهشته الشديدة، وأخبرنى أنه سيتابع الموضوع وسيبلغنى – إذا عرف - باسم الجهة الأمنية التى تتحفظ على مشاركتى فى المشروع، وأسبابها فى ذلك، ولم أطالب بتجديد التعاقد، ولم أناقش حق الهيئة فى ألا تجدد التعاقد معى لأى سبب أو حتى بدون إبداء أسباب، ولكن أن يكون السبب هو "الاعتبارات الأمنية" فهو ما لا أقبله لأننى لا أقبل التشكيك فى وطنيتى ولا فى ولائى لهذا البلد الذى أعتز بانتمائى إليه، ومن حقى أن أعرف بالضبط ما هى الاعتراضات الأمنية، وما هى الجهة المعترضة؟ ولن أترك حقي، فليس لدى ما أورثه لأولادى سوى اسم نظيف وتاريخ حافل بالإنجازات المهنية والوطنية.
هل وصلك أى رد أو توضيح بشأن ذلك حتى هذه اللحظة؟ للأسف لم يرد لى حتى الآن أى رد من الوزارة أو من مؤسسة الرئاسة بعد رفع الأمر إليها حول تحفظات الجهة الأمنية واسمها. كيف أثر التضامن الشعبى الذى تلقيته من النشطاء والشخصيات العامة فى كواليس الأزمة؟ أرجو أن يستمر الضغط الشعبى لا لكى يحقق شيئًا لي، ولكن كى لا يتكرر مثل هذا الموقف مع أى موظف عام يواجه بتقارير أمنية مجهولة المصدر ومجهولة الاعتراضات عليه، دون أن يكون له حق الطعن عليها وتوضيح موقفه، بل تطارده لعنة "عدم اللياقة الأمنية" طول حياته الوظيفية وتفتح مجالاً للقيل والقال مما يشوه سمعته.
برأيك.. هل كان الأمر سيتغير لو شمل التغيير الوزارى الأخير وزارات بعينها كالداخلية؟ لا أعتقد، فمثل هذه الممارسات راسخة وهى أكبر من أى وزير، وتحتاج لتغيير العقلية الأمنية. و ما تعليقك على بيان وزارة الكهرباء بشأن القرار؟ لا أعتقد أن البيان المنسوب لوزارة الكهرباء صادر فعلاً عن الوزارة حتى ولو كان يحمل اسمها، فقد زعم هذا البيان أننى كنت أعمل بعقد شهرى ولم يجدد وبالطبع يعلم كل من رئيس الهيئة والوزير أن هذا الأمر غير صحيح لأنهما يوقعان على تجديد العقد فضلا عن أن الهيئة كانت قد أرسلت لى فى مايو 2015 خطابا تطلب فيه تجديد العقد. مع غياب التفسير الرسمى المنطقى لاستبعادك من موقعك فى الهيئة تتردد تخمينات عديدة من بينها أنها جاءت بسبب موقفك الإيجابى المستمر من ثورة 25 يناير وشبابها وتوجيهك بعض الانتقادات للنظام الحالي.. ما ردك؟
لا أتخيل أنه يمكننا حتى تخمين ذلك، فثورة 25 يناير جاء ذكرها فى أول كلمات الدستور الحالى للبلاد فكيف يتم استبعاد من شارك فيها أو أيدها لدواع أمنية !! أرى أن النظام يخلق لنفسه أعداءً بدلا من أن يتبع سياسة حكيمة يزيد من خلالها دائرة الأصدقاء ويسعى لتضييق دائرة الأعداء أو تحييدهم على الأقل، للأسف هناك عودة شرسة للقبضة الأمنية التى لم تعد الأمن للشارع كما هو مطلوب وإنما تكسب النظام أعداءً دون داع.
كان لبعض المسؤولين فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملاحظات واعتراضات وصلت إلى حد الاتهام بالعمالة للدكتور البرادعي.. ما تعليقك على ذلك؟ اختلف مع موقف الدكتور البرادعى من فض اعتصامى رابعة والنهضة، ولكن لا يمكن لأى منصف أن يصف قامة وطنية مثل الدكتور البرادعى بالعمالة، الدكتور البرادعى رجل ذو رؤية ولم يطرح نفسه أبدا كقائد سياسي، وأظنه كان يريد أن يكون غاندى الثورة المصرية التى بشر بها ورآها تتحقق فى 25 يناير، ورغم أى أخطاء يمكن أن يكون قد ارتكبها فهو وطنى مصرى من طراز رفيع. إلى أين ستوجه خبرتك فى المجال النووى الآن؟ وهل تتوقع انفراجة فى الأمر وتراجع من قبل المسؤولين بشأنه؟ خبرتى ستكون فقط لبلدى إذا احتاجها، ولكن لهجة بيان وزارة الكهرباء المنشورة فى الصحف لا تعكس الاحترام الواجب للمستشارين وتصورهم كعمال تراحيل جالسين على سلم الوزارة تستدعيهم عند الحاجة، وهو ما يجعل من الصعب على أمثالى التعاون مع من لا يعرفون قيمة وقامة من يتعاملون معهم.
كيف ترى خطوات مصر فى اتجاه تحقيق المشروع النووى حاليا؟ ومتى يمكن إفشال المحاولات الخارجية المستمرة لإحباطه؟ ستظل هناك محاولات خارجية وداخلية لإحباط مساعى مصر لامتلاك مشروع نووي، وقد وُجدت ضغوط خارجية فى المحاولات المختلفة لإدخال الطاقة النووية لمنظومة توليد الكهرباء فى مصر منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أن العنصر الحاسم كان غياب الإرادة السياسية، فالمشروعات الحكومية تتطلب التزامًا حكوميًا راسخًا على غرار التزام الحكومة المصرية بتنفيذ السد العالي، وأنا أعتقد أن التجربة الحالية مختلفة وتتمتع بدعم الرئيس ومن ثم ففرص نجاحها أفضل. فى رأيك.. ما المخرج الحقيقى من أزمة الطاقة الحالية فى مصر؟ وكيف ترى مستوى التعامل مع الأزمة فى عهد الرئيس السيسي؟ على المدى القصير فالحل هو ما تفعله الحكومة من الاعتماد على التوربينات الغازية سريعة التركيب رغم أنها أكثر كلفة، أما على المدى المتوسط والطويل فأعتقد أن الطاقة النووية يجب أن تلعب دورًا أكبر بالإضافة إلى الطاقات المتجددة وترشيد الطاقة، ومن المهم هنا تنويع مصادر الطاقة حتى لا يكون الاعتماد فقط على البترول والغاز الطبيعي، أما بالنسبة لمستوى التعامل مع الأزمة فأعتقد أن هناك جدية أكثر فى عهد الرئيس السيسي.
كيف ترى الحديث عن الطاقة الشمسية فى هذا الشأن؟ من المهم لأى دولة الاستفادة من كل موارد الطاقة المتاحة لديها وبالنسبة لمصر توجد مصادر هامة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومن المهم أيضًا تنويع مصادر الطاقة لضمان توليد الكهرباء تحت كل الظروف، ولكننى لا أعتقد أن الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح يمكن أن تكون بديلا عن الطاقة النووية ولا حتى عن الطاقات التقليدية كالفحم والبترول والغاز الطبيعي، لأنها متغيرة بطبعها وعشوائية، كما أنه حتى الآن لا زالت تكلفة إنتاج الكيلوات ساعة منها أكبر من تكلفة المصادر السابق ذكرها، ويمكن اعتبارها فقط عنصر مكمل حينما تكون متاحة.
بم تفسر كل ذلك الهجوم والتشكيك فى نتائج استخدام الطاقة النووية؟ المشكك فى نتائج استخدام الطاقة النووية إما جاهل لا يعرف شيئًا عن الطاقة النووية، أو مغرض لتحقيق أهداف شخصية له، أو لمافيا الأراضى التى سعت فى الماضى القريب للحصول على موقع الضبعة، أو لإسرائيل التى عملت فى كل المحاولات السابقة على إفشال المشروع. كنت شاهد عيان على هذه المحاولات خلال عملك كمسؤول بالهيئة.. حدثنا عن ذلك؟ كانت هناك دائمًا محاولات للاستيلاء على موقع الضبعة وتحويله إلى نشاط سياحي، وكانت أبرز هذه المحاولات فى عام 2003 من بعض المسؤولين المحسوبين على فرقة "جمال مبارك" وقتها، حيث فوجئت ذات يوم بتجهيزات ضخمة لاستقبال المحافظ ووزير السياحة وقتها المهندس أحمد المغربى لتفقد الأرض، ثم عرفنا أن الزيارة تأتى ضمن خطة لبناء منتجع سياحى بدلا من المحطات النووية، لكننا تصدينا بشراسة لهذه المحاولة التى دعمتها صحف وقنوات كثيرة فى ذلك الوقت، وعقدنا مؤتمرًا فى نقابة الصحفيين ووقعنا بيانًا لمنع ذلك ونجحنا فى إفشال الخطة، كذلك تصدينا فى عام 2007 لصدور قرار ببدء العمل فى المشروع لكن دون تحديد مكانه أو ذكر الضبعة حتى العام 2010 الذى أعلن فيه رسميًا أن أرض الضبعة هى المخصصة للمشروع.
وماذا عن المفاوضات الجارية مع روسيا والصين وكوريا بشأن إنشاء محطة نووية بالضبعة لتوليد الكهرباء؟ رغم أننى قد تركت المشروع إلا أن أسرار العمل لا يمكن أن تكون متاحة على الرصيف، فاعذرينى لأننى لا أستطيع أن أتحدث عنه، لكن يمكن القول إنها جادة وتسير بخطى جيدة ولكن بطيئة.
كيف ترى التقارب الأمريكى الإيرانى الأخير والاتفاق النووى بينهما؟ الاتفاق النووى الأخير الذى وُقع بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية فى الأممالمتحدة، يساعد إيران على الاحتفاظ ببرنامجها النووى بمكوناته الأساسية مع العمل على إيجاد بعض الآليات لضبط هذا البرنامج، ووقف أى تطور فيه يمكن إيران من امتلاك السلاح النووي، وخلاصة ما تم التوصل إليه هو فتح المجال أمام عودة إيران إلى الإقليم وممارسة دورها كقوة إقليمية مؤثرة، أما موقف مجلس التعاون الخليجى كمؤسسة إقليمية فقد غلب عليه فكرة "الموافقة المشروطة" حيث رحب المجلس الوزارى الخليجى خلال اجتماعه فى الكويت فى 27 نوفمبر الماضى بالاتفاق بين الدول الكبرى وإيران بشأن برنامجها النووي، شريطة أن يكون مقدمة للتوصل إلى حل شامل لهذا الملف، كما دعا المجلس إلى التعاون التام مع وكالة الطاقة الذرية، وأنا شخصيا أعتقد أن ما سيحدد النتيجة النهائية لهذا الاتفاق هو موقفنا كدول عربية وخاصة موقف مصر، ويجب التهدئة مع إيران والوصول معها لتوازن المصالح.
أين ترى الدول العربية على خريطة المجال النووى فى العالم؟ ومن الدولة التى ترى لها مستقبلا كبيرًا فيه؟ لا توجد حاليًا أية محطات نووية عاملة لتوليد الكهرباء فى البلدان العربية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت إعلان العديد من الدول العربية عن خطط لإقامة مثل هذه المحطات، ولكن الدولة العربية الوحيدة التى بدأت فعلا فى إنشاء محطات نووية هى دولة الإمارات العربية المتحدة التى يجرى فيها حاليًا إنشاء أربع محطات نووية، ومن المقرر أن يبدأ تشغيل أولاها فى 2017 وهذه المحطات مخصصة لتوليد الكهرباء فقط، ومن المتوقع أن تبدأ مصر فى بداية عام 2016 إنشاء محطتين نوويتين بقدرة إجمالية 2400ميجاوات بمنطقة الضبعة على ساحل البحر المتوسط بعد فترة توقف بسبب الأحداث السياسية بها، وأعلن الأردن فى يوليو 2010 عن خطة لإقامة محطة نووية لتوليد الكهرباء تكون عاملة سنة 2020، بقدرة 1000 ميجاوات، قادرة على توفير نحو 20% من الطلب على الطاقة الكهربائية، كما أعلنت الجزائر فى مطلع 2011 عن نيتها بناء عدة محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية، بحيث يبدأ بناء أول محطة سنة 2020، يليها بناء محطة كل خمس سنوات، وأعلنت البحرين عام 2010 نيتها البدء بإقامة أول محطة نووية سنة 2017، وأنشأت الكويت عام 2010 اللجنة الوطنية للطاقة الذرية، على أن تسعى لبناء أربع محطات نووية بقدرة 1000 ميجاوات لكل منها، بحيث تبدأ الدراسات لهذه المحطات سنة 2013، وتبدأ المحطة الأولى بالعمل فى حدود 2020، وفى يوليو 2010 أعلن المغرب خطة وطنية للطاقة تتضمن إقامة محطات نووية عدة بدءًا من سنة 2022، وأعلنت المملكة العربية السعودية فى أكتوبر 2012 أنها تخطط لبناء 17 مفاعلا نوويا لإنتاج الطاقة الكهربائية بحلول عام 2032، وأنها تعتزم تأسيس الشركة النووية القابضة لتتولى الإشراف والتشغيل للمحطات النووية التى تعمل على بنائها، ومن ثم نستطيع أن نقول أن هناك توجه لاستخدام الطاقة النووية فى توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر فى الدول العربية بما فى ذلك الدول النفطية تحسبا ليوم نفاذ الاحتياطى النفطى ومواجهة أزمة طاقة رهيبة.